الإخوان في 2025.. فصول ترسم مسار النهاية
يبدو أن عام 2025 هو الأكثر ثِقلا على جماعة الإخوان، وعلى الأرجح ربما تؤرخ له في المستقبل باعتباره بداية نهاية جماعة يناهز عمرها قرنا.
فخلال العام الجاري، تراكبت الأزمات الأمنية والتنظيمية والسياسية، لكن المشهد الأكثر درامية جاء من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، حيث اعتادت الجماعة اللعب داخل هامش أكبر للعمل الاجتماعي مع إخفاء أجندتها السياسية.
واستمرت الجماعة في تسجيل فشلها في مصر، كما تصاعدت الانقسامات داخل التنظيم الدولي، وصولًا إلى تلويح أجنحة بالعنف المسلح، مقابل محاولات موازية للتودد والمصالحة، في وقت اشتد فيه الخناق القانوني والسياسي على الجماعة إقليميًا ودوليًا.
فشل الحشد وضربات أمنية
بدأ العام بفشل الجماعة في الحشد لمظاهرات داخل مصر في ذكرى «25 يناير» التي جاءت بهم إلى السلطة، رغم محاولات التحريض المكثفة عبر منصات محسوبة عليها في الخارج.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت وزارة الداخلية المصرية تفكيك لجان إعلامية وكيانات تجارية تستخدمها الجماعة كواجهات لتمويل أنشطتها، وضبط كوادر قائمة عليها، مشيرة إلى أن القيمة السوقية لتلك الكيانات بلغت 2.4 مليار جنيه.
وشملت محاولات التحريض الاستعانة بعناصر متطرفة، من بينها المصري أحمد المنصور، الذي قاتل ضمن جماعات مسلحة في سوريا، إلا أن الدعوات لم تلقَ استجابة داخل مصر، قبل أن تعتقله السلطات السورية وتفرض عليه الإقامة الجبرية وتمنعه من استخدام وسائل التواصل.
مناورة سياسية بلا صدى
وسعت الجماعة بالتوازي، إلى فتح قنوات سياسية غير مباشرة، فبادرت بتهنئة الرئيس السوري أحمد الشرع بتوليه السلطة في بيان رسمي في 30 يناير/كانون الثاني، غير أن دمشق لم تُبدِ أي تجاوب، وواصلت منع الفرع السوري للإخوان من استئناف نشاطه.
وفي الداخل التنظيمي، واصلت جبهتا الجماعة، جبهة صلاح عبدالحق (لندن) وجبهة محمود حسين (إسطنبول)، التحريض الإعلامي ضد الدولة المصرية، مؤكدتين في بيانات ذكرى 25 يناير أن «التغيير» هو السبيل الوحيد، وفق تعبيرهما.
صراعات التنظيم الدولي
كشف هذا التصعيد عن محاولة للهروب من أزمات داخلية، أبرزها الصراع داخل هيئات التنظيم الدولي، حيث تفجّر خلاف بين الأمين العام للتنظيم الدولي محمود الإبياري، ورئيس رابطة الإخوان المصريين بالخارج السعدني أحمد، على خلفية السيطرة على مؤسسات الجماعة في أوروبا.
وتبادل الطرفان اتهامات بالفساد والعمالة، قبل أن يتدخل القائم بأعمال المرشد في جبهة لندن صلاح عبد الحق لتشكيل لجنة احتواء، جرى بعدها التكتم على الأزمة دون حل جذري.
ولم تلبث الأزمة أن تجددت بصراع أعمق حول «شرعية» القائم بأعمال المرشد، إذ أعادت جبهة لندن الترويج لرسالة منسوبة لمحمد بديع، تأمر بمبايعة صلاح عبدالحق، وهو ما نفته جبهة إسطنبول رسميًا في فبراير/شباط 2025، مؤكدة أن اختيار محمود حسين تم وفق اللائحة الداخلية.

تناقض الخطاب والاتجاهات
وفي ظل هذه الانقسامات، أطلقت جبهة إسطنبول مشروعًا تنظيميًا تحت اسم «رسوخ»، يهدف إلى إعادة تأطير الشباب الإخواني أيديولوجيًا، عبر لقاءات تنظيمية خارج مصر، خصوصًا في تركيا.
في المقابل، حاولت جبهة لندن تقديم خطاب أكثر مرونة، فأشادت في مارس/آذار 2025 بمخرجات القمة العربية الطارئة حول غزة، في محاولة للتقرب من الحكومات، فيما هاجمت جبهة إسطنبول القمة.
وزاد الانقسام حدة بعد بيان «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الداعي إلى الجهاد المسلح في فلسطين، وما تبعه من تململ داخلي وانتقادات لأداء الاتحاد.
خطاب راديكالي وبيانات محذوفة
وفي مارس/آذار 2025، أصدرت جبهة «تيار التغيير» بيانًا دعا إلى شن هجمات إرهابية ضد المصالح الأمريكية والغربية، بلغة وُصفت بأنها أقرب إلى خطاب تنظيم القاعدة، قبل أن يتم حذف البيان لاحقًا، في مؤشر على التخبط والتناقض داخل الجماعة.
كما جرى تداول بيان مفبرك في مايو/أيار 2025، يزعم اعتزال الإخوان العمل السياسي، لم تنفه الجماعة رسميًا، ما اعتُبر مناورة لإعادة طرح فكرة قديمة عن الانسحاب التكتيكي من السياسة.
عودة «حسم»
في 4 يوليو/تموز 2025، نشرت حركة «حسم»، المنبثقة عن الإخوان، فيديو لتدريبات عسكرية، معلنة استعدادها للعودة إلى العمل المسلح، ومتوعدة بتنفيذ هجمات ضد أجهزة الأمن المصرية.
وأثار الفيديو صدمة واسعة، ما دفع جبهة إسطنبول إلى إعلان التبرؤ من الحركة، بينما التزمت جبهة لندن الصمت، في حين أشاد قادة محسوبون على «تيار التغيير» بالفيديو، واعتبروه دليلًا على استمرار «جمر المقاومة»، على حد تعبيرهم.
وفي 20 يوليو/تموز، أعلنت وزارة الداخلية المصرية مقتل قيادي وعنصر من «حسم» في اشتباك بمنطقة بولاق الدكرور (غرب القاهرة)، مؤكدة إحباط مخطط إرهابي يستهدف منشآت أمنية واقتصادية، وكشفت عن أسماء قيادات مقيمة في تركيا، في سابقة لافتة بعد التقارب المصري–التركي.
تحركات متناقضة وضغوط خارجية
واصلت الجماعة حملات التحريض ضد السفارات المصرية في الخارج، ونظمت تظاهرات في عدة دول، بالتوازي مع نشر لقاءات ادعى فيها محسوبون عليها الاستعداد لحكم مصر.
لكن الجماعة سرعان ما عادت إلى خطاب براجماتي، إذ شكر صلاح عبد الحق، في أكتوبر/تشرين الأول 2025، مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في تناقض صارخ مع خطابه السابق.
حصار أمريكي متصاعد
خارجيًا، شكّل نوفمبر/تشرين الثاني 2025 محطة فارقة، بعد إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يطالب بدراسة تصنيف فروع الإخوان في مصر ولبنان والأردن منظمات إرهابية أجنبية، أعقبه تحرك تشريعي في الكونغرس.
كما أقدمت ولايات أمريكية، على رأسها تكساس وفلوريدا، على تصنيف الجماعة ومنظمة «كير» كمنظمات إرهابية، وسط مساعٍ قضائية للطعن على القرارات.
وردّت جماعة الإخوان ببيانات رافضة، واتهمت الإدارة الأمريكية بالانصياع لضغوط إقليمية، وبدأت إعداد فريق سياسي وقانوني للتواصل مع واشنطن، في محاولة لاحتواء التداعيات.
ويعكس مسار عام 2025 صورة جماعة مأزومة، تتأرجح بين العنف والمناورة السياسية، وتتنازعها جبهات متصارعة بخطابات متناقضة، في وقت يتقلص فيه هامش حركتها داخليًا وخارجيًا، ويزداد الضغط الدولي لتجفيف منابعها السياسية والمالية والتنظيمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA==
جزيرة ام اند امز