أصبحت الجاليات المسلمة في أوروبا جزءا أصيلا من المشهد الاجتماعي، تحمل معها تنوعا ثقافيا ودينيا يسهم في إثراء الحياة الأوروبية.
غير أن هذا الوجود الذي يفترض أن يكون جسرا للتعايش والاندماج، بات عرضة لمحاولات اختطاف وتشويه من قبل تنظيم الإخوان الذي يسعى إلى فرض أجندته العابرة للحدود.
استغل الإخوان القوانين الأوروبية التي تحمي الحريات الدينية والمدنية، فأسسوا جمعيات ومراكز ذات طابع ثقافي أو خيري بينما تعمل في الواقع كأذرع أيديولوجية، وبمرور الوقت تمدد نفوذهم إلى بعض الأوساط السياسية والإعلامية، حيث يقدمون أنفسهم كـ "ممثل شرعي للمسلمين" في أوروبا، وهو ادعاء يفتقر إلى الشرعية لكنه يمنحهم قدرة على التأثير في النقاشات العامة.
المعضلة الكبرى أن أي خطاب متشدد أو سلوك سلبي يصدر عن هذه الجماعة يُحمَّل على عاتق ملايين المسلمين المعتدلين، وهكذا يترسخ لدى المجتمع المضيف تصور سلبي عن الإسلام والمسلمين، في حين يصبح المسلم العادي ضحية مزدوجة، لخطاب الكراهية من الخارج، وللاحتكار الأيديولوجي من الداخل.
وإذا كان تأثير الإخوان قد انعكس سلبا على صورة المسلمين في المجتمع الأوروبي، فإن الخطر الأكبر يظهر عند تعاملهم مع الفئات الهشة، وفي مقدمتها المهاجرون الجدد، فالقادمون من مناطق النزاعات والحروب هم الأكثر عرضة للاستقطاب، إذ يجدون أنفسهم أمام فراغ في الهوية والانتماء، لتتقدم الجماعة وتعرض نفسها كملاذ، لكنها في الحقيقة تعمّق عزلتهم، وتدخلهم في دوائر خطاب المظلومية وتفسير كل حدث سياسي عالمي من زاوية واحدة، وهنا يكمن الخطر، تحويل المهاجر من فرصة للتعايش إلى أداة لتكريس الانقسام.
وتواجه المجتمعات المسلمة في أوروبا وأمريكا إشكالية متكررة، إذ ينشأ كثير من أبنائها وكأنهم امتداد لمجتمعات الشرق، يحملون معهم نفس الخطابات الوعظية والمشكلات التي تركوها خلفهم، بدل أن ينخرطوا في واقعهم الجديد، ففي شهر رمضان مثلا تغلب الخطب والبرامج المستوردة من الخارج لتعيد إنتاج عزلة ثقافية لا علاقة لها بقيم التعايش أو المشاركة المدنية.
وقد استغلت جماعة الإخوان هذا الواقع، فوظفت الجمعيات والمراكز الإسلامية كأدوات سياسية أكثر من كونها منصات دينية أو ثقافية، وبذلك تحولت الهوية الدينية إلى وسيلة لإبقاء الجاليات المسلمة في حالة انعزال وربط التدين بعدم الاندماج، وهو ما أتاح للجماعة توسيع نفوذها على حساب الاستقرار المجتمعي وصورة المسلمين في الغرب.
كما يحرص الإخوان على إبقاء المسلم في موقع التابع لجماعة تدير هوية جماعية منفصلة عن محيطها الوطني، فهذا النهج يضعف علاقة الجاليات بمجتمعاتها، ويغذي في الوقت نفسه خطاب اليمين المتطرف، ليجد الجميع أنفسهم في دائرة من الشك والارتياب المتبادل.
وفي النهاية، يبقى مستقبل الجاليات المسلمة في أوروبا مرهونا بقدرتها على الانفتاح الإيجابي، والمشاركة الواعية في بناء الدولة الوطنية، وليس بالارتهان إلى جماعات عابرة للحدود، فالاندماج لا يعني الذوبان في الآخر أو التخلي عن الهوية الدينية، بل يعني التفاعل من موقع الثقة والاحترام المتبادل، فالتعايش القائم على أساس المواطنة المشتركة هو الضمانة الحقيقية لحماية المسلمين من الاستغلال، ولحماية المجتمعات الأوروبية من الانقسام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة