مؤتمر "تيار التغيير" الإخواني.. الكواليس والدلالات
حرص تنظيم الإخوان الإرهابي عبر ما يسمى "تيار التغيير" الجناح الجديد في ثالوث المعركة على السلطة داخل التنظيم، على عقد مؤتمره الذي يحاول الظهور مجددا من خلاله بالتزامن مع ذكرى مقتل مؤسس هذا الجناح محمد كمال.
وأحيا المشاركون في المؤتمر الذي أعلن عنه المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية تحت شعار "الوثيقة الأولى.. الإصدار السياسي" مساء أمس السبت، ذكرى مقتل محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد ورئيس اللجنة الإدارية العليا "المستقبل"، الذي دشن جناحًا عسكريًا للجماعة أو ما سمي بـ"اللجان النوعية"، قبل مقتله في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2016 في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة المصرية أثناء محاولة ضبطه بالقاهرة.
تزامن نشاط "المكتب العام" للإخوان مع ذكرى مقتل المؤسس الأول للميلشيات المسلحة داخل التنظيم "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية"، حيث لم يجد "الكماليون" الجدد فرصة لمعاودة نشاطهم، إلا ذكرى مقتل مؤسس هذه المليشيات قبل 6 سنوات من الآن.
دلالات التزامن
ويعكس هذا التزامن أن العودة مرتبطة بممارسة العنف مرة ثانية، وتحمل في طياتها الاستعداد لمواجهة السلطة في مصر بنفس الطريقة السابقة، عبر تنفيذ عمليات مسلحة، إذ يرى هذا التيار أنه المحافظ على أدبيات المؤسس الأول للجماعة، حسن البنا، وبالتالي وجب التعبير عنها بعد انهيار التنظيم بين جبهتين، الأولى في لندن بزعامة إبراهيم منير، والثانية في إسطنبول بزعامة محمود حسين.
وعقد المؤتمر من أطلقوا على أنفسهم تيار التغيير بفندق "وند هام جراند جونشلي" في إسطنبول بتركيا، حيث تم الترتيب له بعد مراجعة الكلمات التي تم إلقاؤها من قبل الأجهزة التي أرادت إحياء العمل المسلح للميلشيات بالقاهرة، بعد أن توقف نشاطها فترة طويلة، إثر نجاح أجهزة الأمن المصرية في تفكيك الكثير من خلاياها في مختلف المحافظات.
منصة العنف وقادة الدم
تحدث في مؤتمر "الوثيقة الأولى.. الإصدار السياسي" الأول للجبهة بعد توقف دام سنوات، كل من سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمستشار السابق لمحمد مرسي، والذي نجح المكتب العام في استقطابه بعد محاولات اغتياله معنويًا من قبل ناشطين في جبهتي محمود حسين وإبراهيم منير، على خلفية مشاركته في عمل وثائقي بقناة الجزيرة قبل سنوات، اتهم فيه مرسي بالعجز عن إدارة شؤون الدولة، وأنه لم يكن مؤهلًا لذلك، خلال العام الذي تولى فيه الرئاسة.
وتم إطلاق اللجان الإلكترونية لمهاجمة سيف عبد الفتاح والتي قامت بتشويهه، حتى قدم اعتذارًا لقادة الجماعة وفي مقدمتهم محمود حسين، وهذا الموقف دفعه للتراجع خطوة للوراء في دعم حسين في خلافه مع جبهة إبراهيم منير، كما دفعه لتأييد جبهة المكتب العام نكاية في الجبهتين المتنازعتين.
كما شاركه الحديث نزيه علي، رئيس ما يسمى "مؤسسة الرؤية" بالمكتب العام للإخوان، والذي برر سبب اختفاء أنشطة المكتب العام الفترة الأخيرة بـ"الاستعداد والتجهيز"، كما برر ظهور أنشطته خلال الفترة الحالية والقادمة بـ"التمكين"، وأشار إلى أن هذا الظهور هدفه استصدار وثيقة سياسية تحدد موقف المكتب من السلطة في مصر وإدارة نشاط التنظيم المتشرذم.
ومن المتحدثين في المؤتمر، أيضا محمد إلهامي، عضو حركة "حسم" الإرهابية، وأحد المحرضين على استخدام العنف حتى سقوط النظام المصري، وهو يمثل أحد الكوادر التي أصلّت لما أسماه التنظيم الإرهابي بـ"العمل الثوري" أو " العنف" في مصر بعد العام 2013.
إلهامي في كلمته التي ألقاها في المؤتمر، أشاد بمحمد كمال مؤسس حركة "حسم" الإرهابية في ذكرى مقتله، مطالبًا بضرورة مواصلة ما بدأه، عارضًا بعض "القصص التاريخية المؤلمة" دعمًا لطرحه بمواصلة العنف.
وطالب إلهامي بضرورة توحيد صف الإخوان في مواجهة السلطة والمختلفين معها، عبر "الجهاد حتى إسقاط الدولة"، على حد وصفه، وعدم الوقوع فيما أسماه "فخ المهادنة" التي طرحها إبراهيم منير، القائم بعمل مرشد الإخوان.
ومن أهم الحضور كذلك في مؤتمر جبهة تيار التغيير ويمثلون قادة مؤسسين للمليشيات المسلحة في القاهرة، كل من رضا فهمي، رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب المصري في عهد مرسي، وأحد المشرفين على نشاط حركة حماس في القاهرة قبل العام 2011، وعبد الغفار صالحين، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان المصري في عهد مرسي، وجمال عبد الستار؛ أحد أهم منظري العنف داخل المكتب العام للإخوان.
ودعا الحضور لمواصلة مسيرة العنف بعد إصدار الوثيقة الأولى للمكتب العام، والتي شبهوها بالمؤتمر الخامس الذي عقده المؤسس الأول حسن البنا، وأعلن فيه استخدام القوة، عندما قال إنه "يجب استخدام القوة حين لا يجدي غيرها"، وبناء على ذلك تم تدشين النظام الخاص أو الجناح العسكري للجماعة في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي.
النشاط المسلح لقادة العنف
يُذكر أن هناك تحركًا ما للميلشيات المسلحة التابعة للإخوان، أو بالأحرى للمكتب العام خلال الفترة الأخيرة على خلفية عقد مؤتمرها الأول في إسطنبول، فأغلب التقارير تؤكد أن هذه الميلشيات نجحت في وقت سابق في تدريب عدد من شبابها في إحدى الدول الآسيوية، على المهارات العسكرية والاستخباراتية، لتجنب الوقوع في يد أجهزة الأمن المصرية كما حدث مع بداية نشاط "حسم" في العام 2014.
وستعمل هذه المجموعات بشكل عنقودي مختلف عن السابق، بحيث يغيب التواصل بين هذه المجموعات في القاهرة، وتكون همزة الوصل بينها من خلال مشرف مقيم خارج مصر حتى لا تقع في قبضة أجهزة الأمن المصرية، ويكون التواصل عبر برامج وأجهزة مشفرة يصعب مراقبتها، كما أن هذه المجموعات لا تعرف بعضها ويتم التواصل معها من خلال همزة الوصل خارج مصر.
جدير بالذكر أن الجناح المسلح للحركة، والذي يُعبر عنه المكتب العام للتنظيم قام بتدريب قرابة 1000 شخص ممن ينتمون للتنظيم داخل السودان في عهد الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، وعاد بعضهم للقاهرة انتظارًا لإعادة نشاط هذه المليشيات، وهو ما يتم ترقبه الآن بعد عودة نشاط المكتب العام للإخوان، والبعض الآخر حط رحالة في بعض البلدان الأوروبية انتظارًا لترتيب عودته للقاهرة.
وتوقف نشاط المكتب العام منذ سيطرة جبهة محمود حسين على الجماعة في العام 2016، ولم يعد يصدر سوى بعض البيانات، دون المشاركة في أنشطة حية على غرار ما حدث في مؤتمر السبت بإسطنبول، والذي شهد الإعلان عن الوثيقة السياسية الأولى للمكتب، وهو بمثابة إعلان عن عودة المليشيات المسلحة، حيث فقدت قيادتها خط التواصل مع بعض أنصارها في القاهرة قبل سنوات وترغب في عودة هذا التواصل.
كما أعلن المكتب في يوليو/تموز من العام 2019 عن طرح "الرؤية" لمواجهة السلطة في مصر بعد فشل الانقلاب عليها من خلال العمليات الإرهابية، خاصة وأن جبهة إبراهيم منير، طرحت تصورًا يتعلق بالمصالحة معها، كما شهد هذا العام اختيار قيادات جديدة للمكتب، كما تم اختيار أمين عام للمكتب يدعى محمود الجمال (اسم حركي)، وعباس قباري، متحدثًا رسميا له.
وأعلنت جبهة التغيير رفضها للحوار مع السلطات المصرية، بعد أن أعلن إبراهيم منير، اعتزال السياسة بشكل مؤقت قبل شهرين، وهو ما أنهى على التقارب "المحتمل" بين المكتب العام وجبهة لندن بزعامة منير، ووصل التنافس بينهما إلى حد أن جبهة لندن حاولت قطع الطريق على جبهة المكتب العام بإعلان وثيقة جديدة أمس السبت، قبل إعلان المكتب بساعات حتى تخطف الأضواء من تحركاتها.
دعم إيراني لقادة التنظيم الإرهابي
ويتخوف مكتب لندن من بداية نشاط المكتب العام، حيث انضمت إليه قطاعات عريضة من شباب الإخوان، كما أنه نجح في استقطاب بعض المجموعات السلفية القريبة من الإخوان، فضلًا عن استقطاب شخصيات عامة لا ترضى عن نشاط الجبهتين المتنازعتين.
وتم تدشين عدد من مقرات جبهة التغيير، بعضها حمل اسم "أكاديمية ابن خلدون"، التي تم تعريفها بأنها أكاديمية علمية، حيث انضم لها كل من أحمد مولانا ورضا فهمي وحاتم عبد العظيم وجمال عبد الستار وعصام عبد الشافي وسيف عبد الفتاح وعطية عدلان، وتم رصد تمويلات لها، تقول مصادر إنها تأتي من أطراف إيرانية.
وبحسب تلك المصادر؛ يتلقى المكتب العام تمويلات شهرية بمئات الآلاف من الدولارات من طهران، التي تقوم بدعم بعض قادة تنظيم الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية المسلحة مثل طارق الزمر، الذي أسس مركزًا بحثيًا يقدم محتوى مؤيدًا للعنف، ويعمل على تدريب أتباعهم على الأعمال الاستخبارية، حيث شاركت هذه القيادات في العمل الإرهابي على مدار عقود طويلة.
المكتب العام للإخوان قام أيضا مؤخرًا بإنشاء جمعية خيرية تكون ستارًا لتلقي التمويلات الداخلية والخارجية، إلى جانب الأكاديمية التي حملت اسم "تراحم"، ومازال تيار العنف الذي يتزعمه يحيى موسى وعلاء السماحي، مؤسسا حركتي "حسم" و "لواء الثورة"، مواليًا لهذه الجبهة.
ويعتبر تيار التغيير داخل الإخوان؛ تعميق لحالة التشظي التي يعيشها التنظيم، حيث يرى هذا التيار أن عجائز التنظيم لم يعودوا قادرين على إدارة المشهد السياسي، كما أنهم لم يُعبروا عن أفكار المؤسس الأول للتنظيم، حسن البنا، ومن هنا عرضوا وثيقتهم التي تدعم الخروج على السلطة.
aXA6IDUyLjE0LjI1Mi4xNiA= جزيرة ام اند امز