صراع العروش ينهش الإخوان.. قراءة "العين الإخبارية" في وثيقة "الجبهة الثالثة"
الكماليون يجنحون للعنف والإرهاب لسحب البساط من جبهتي لندن وإسطنبول
"ابقوا ضيوفهم سرا".. ثم عمموا إعلانا غامضا عن مؤتمر صحفي في أحد فنادق إسطنبول لعرض وثيقة سياسية أحاطوها بسياج من السرية، أملا في رفع مستوى التشويق والإثارة.
ذلك كان ظن أعضاء (المكتب العام) لجماعة الإخوان المسلمين أو الجناح الثالث من أجنحة الإخوان المتصارعة على قيادة الجماعة المنهارة، والذي خاب بعدما حصلت "العين الإخبارية" على نص الوثيقة السياسية، قبل ساعات من انطلاق المؤتمر الصحفي مساء اليوم السبت.
وعلى الرغم من أن أعضاء المكتب العام، أو من يسمون أنفسهم التيار الثالث فيما يسميهم الخبراء جناح "محمد الكمال" القيادي الإخواني المتطرف الذي قتل قبل سنوات في مداهمة أمنية، نشروا ما سموها "الوثيقة الأولى-الإصدار السياسي" قبل ساعة من بدء مؤتمرهم على موقع جماعة الإخوان الإرهابية.
إلا أن "العين الإخبارية" تمكنت عبر مصادرها الخاصة داخل اجتماع "الكماليون الجدد" في فندق "وندهام جراند جونشلي" في إسطنبول من الحصول على الوثيقة، التي ما زالت تخضع للنقاش في المؤتمر.
خلطة الكماليون الجدد.. مزيد من الشعبوية والعنف
وتقدم "العين الإخبارية" قراءة خاصة متأنية ومعمقة في الوثيقة الجديدة التي تُظهر دخول "التيار الثالث" على خط الصراع الدائر بين جبهتي لندن وإسطنبول، وهو ما يعمق حالة التشظي التي تعيشها الجماعة الإرهابية، وذلك وفق البنود التالية التي كشفت مسارات هذا الصراع.
أولا: تجاهلت الوثيقة -التي أصدرها "تيار الكماليون" أو من يسمون أنفسهم "التيار الثالث" في جماعة الإخوان- الحديث عن المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد وهم السلطة الشرعية الأولى في الجماعة، وركزت على انتهاء فترة قيادة الفرد إلى قيادة المؤسسة.
ثانيا: تجاهلت الوثيقة الحديث عن الانشقاقات أو وجود كتل تنظيمية مختلفة، كل يدعي أنه ممثل للإخوان، مما يعني مزيدا من الانشقاقات والصراعات حول كرسي القيادة.
ثالثا: الوثيقة تجاهلت أيضا الحديث عن اللجان النوعية، ودورها في الحراك الثوري والاستبدال، وإن امتلأت الوثيقة بإشارات لوجود هذه اللجان ضمن الصراع مع النظام الحاكم الحالي.
رابعا: ركزت الوثيقة على إصلاح الجماعة من الداخل، وربطت الإصلاح الهيكلي والفكري بأنه خطوة لقيادة سمتها "الثورة في المجتمع".
خامسا: تبنت الوثيقة المنهج الراديكالي، حيث ركزوا على فكرة الاستبدال وليس الإصلاح، فهم لا يرون إصلاح أي نظام تالف سواء كان داخل الإخوان أم في المجتمع، فيستبدل مكتب الإرشاد بالمكتب العام، ويستبدل النظام الحاكم الحالي بنظام شعبوي.
سادسا: أظهرت الوثيقة الإصرار الواضح في الوثيقة على العداء للقوات المسلحة، سواء بوصفهم العسكر أو المستبد الديكتاتور.
سابعا: كشفت الوثيقة أن جبهة الكماليين الجدد أو التيار الثالث تتجه لإعادة فتح جبهة صراع مع القوات المسلحة (العسكر في وصفهم) حتى لو لم يصرحوا بها، حيث ذكرت في الوثيقة عبارات تشير إلى حمل السلاح، وتكوين مجموعات لحماية الثوار، وهو ما يعني العمل على إشعال الاحتراب الداخلي في مصر.
ثامنا: ترتبك الوثيقة كما يرتبك الإخوان عموما في تحديد العلاقة بين الجماعة والأمة، حيث لم تفصح عن رؤيتها للجماعة، وهل هي بديل للأمة أم فصيل من الأمة أم قائد للأمة؟ ولم يعرّف الأمة، هل هي المصرية أم العربية أم الإسلامية؟
تاسعا: الوثيقة لا تظهر اختلافا كبيرا عن رؤية تيار التغيير أو التيار الثالث أو الكماليين الجدد عما طرحوه عام 2017 بعد مقتل محمد كمال، وهي النزعة الثورية والميل للعنف.
لماذا استفاق التيار الثالث الآن؟
وعلى الرغم من أن جناح محمد كمال كان توقف عن ممارسة العمل العام، وانسحب من المشهد قبل فترة، ولا يعرف سبب استفاقته الأخيرة، وهل هي مدفوعة من جهة مانحة لإثارة المشاكل مع الدولة المصرية؟ إلا أن المؤكد حاليا أن هذا التيار لا يمتلك أي مؤهلات قوية تسمح له بقيادة دفة الإخوان المنهارة، وذلك على الرغم من محاولات تقديمه كثالثة الأثافي في الصراع على العروش داخل جماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ تأسيسه من قبل أتباع محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، الذي قتل عام 2016، في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن المصرية، اختار "التيار" قيادة جناح العنف داخل "الجماعة"، حيث انبثقت عنه حركة "حسم" الإرهابية المسؤولة عن عدد من العمليات الإرهابية داخل مصر، خاصة ضد قوات ورجال الأمن.
دعوة جديدة للعنف
الوثيقة السياسية للتيار الكمالي تقع في 34 صفحة منها صفحة الغلاف، التي حملت شعار الإخوان المعروف، وفي الصفحة التالية مقدمة تقليدية، ثم حملت الوثيقة ستة فصول:
الفصل الأول: التعريف بهم تحت عنوان الإخوان الشهير والتقليدي، من نحن وماذا نريد؟ وبدأوا بالتأكيد على هوية مصر الإسلامية ثم العربية.
وأشارت الوثيقة إلى محاولات التغريب التي تتم في مصر، ولم تشر إلى الهوية الوطنية المصرية الأصيلة، ولم توضح الفارق بين التغريب والتحديث، وهو فخ سقط فيه كثير من الأصوليين.
ثم تحدثت عن الإخوان وتعريفهم كهيئة إسلامية تؤمن بشمولية الفكرة الإسلامية (معتمد تفسير مدلول الفكرة الإسلامية، والفارق بينها وبين الإسلام كدين)، ولكنها استخدمت مصطلحات حسن البنا المراوغة، وأضافت الفصل والتخصص داخل الفكرة ذاتها، وهو تطور نوعي جديد على أفكار الإخوان.
ثم تحدثت عن تحرير الأوطان، ولكن هذه المرة ليس من السلطان الأجنبي، ولكن التحرر من سلطة ما سموه سيطرة الديكتاتور المستبد، ثم تحدثت عن غاية الحكم في نظرهم وهي تحقيق مقاصد الشريعة، ثم أفردت صفحة للتعريف بالمكتب العام، وأنه يستمد شرعية وجوده من انتخابات 2016.
الفصل الثاني: وفيه رصد لموقف الإخوان التاريخي من العمل السياسي من حسن البنا إلى انتخابات الرئاسة التي فاز بها محمد مرسي الرئيس المعزول.
الفصل الثالث، والذي جاء بعنوان الأزمة المصرية ورؤية المكتب العام لتحرير الوطن عبر خطوات إصلاح وتطوير البناء الفكري للإخوان، ثم تطوير الهياكل التنظيمية عبر (فصل الرقابي عن التنفيذي - الفصل بين الأقسام - الاعتماد على المؤسسات - اللامركزية والعمل المفتوح) وهي إصلاحات داخل الجماعة، وذلك لتكون مناسبة لقيادة العمل الثوري لاستعادة الإرادة الشعبية.
وتحت عنوان جانبي، امتلاك الثورة أدوات القوة، يصر المكتب أنه سيواجه الحكم العسكري المتمثل في استعادة القدرة على الحشد الشعبي الجماهيري لاقتلاع العسكر من الحكم وحماية أنفسهم، ويؤكد المكتب العام أهمية استمرار الثورة الشعبية والصدام مع الجيش وامتلاك أدوات الصراع مع الجيش.
وفي الفصل الرابع، تتحدث الوثيقة عن الإخوان والصراع الحضاري العالمي، ويوجه أصحاب الوثيقة رسالة طمأنة للعالم الغربي بضرورة التكامل المعرفي والتنافس الحضاري وليس الصراع.
أما الفصل الخامس فتتحدث فيه الجماعة كعادتها عن المتاجرة بقضية فلسطين والقدس، والتي تبيع بها الوهم للشباب.
الفصل السادس والأخير: يحمل عنوان المشروع الإسلامي والأيديولوجيات الأخرى، وفيه يؤكد أن الأيديولوجيات المختلفة ضرورة ومهمة، والتنوع يمكن أن يكون إضافة لمصلحة الوطن، وهي رسالة طمأنة فاشلة للأحزاب الأخرى.
ومن خلال هذه القراءة لـ"العين الإخبارية" في الوثيقة الأولى، الإصدار السياسي لجماعة المكتب العام للإخوان المسلمين تستمر المؤامرة لهذه الجماعة مهما حاولت التدثر برداء جديد، فهي خلال مؤتمرها هذا تدعو للعنف وتحرض الشعب المصري للخروج من جديد في احتجاجات، عبر القفز على الجبهتين المناوئتين لها، جبهتي لندن وإسطنبول.