عزل المرشد.. إخوان لندن يتأهبون للانفراد بالسلطة عبر «لجنة شرعية»

عاد مقترح عزل مرشد جماعة الإخوان، محمد بديع، وانتخاب إدارة جديدة للجماعة في مصر كبديل لمكتب الإرشاد، إلى الواجهة من جديد.
علمت "العين الإخبارية" من مصادر قريبة من جماعة الإخوان أن الهيئة الإدارية العليا في جبهة صلاح عبد الحق (جبهة لندن)، عقدت في يناير/كانون الثاني الماضي اجتماعًا ناقشت فيه مقترحًا بإنهاء الوضع الحالي وانتخاب مكتب إرشاد جديد.
كما بحث الاجتماع إزاحة المرشد الحالي، بديع (82 عامًا)، الموجود في سجن بالقاهرة حاليًا، حيث يقضي أحكامًا مشددة في عدد من القضايا التي أُدين فيها بتهم الإرهاب.
وتنص اللائحة التنظيمية للإخوان، التي كان معمولًا بها قبل 2013، على بقاء القيادات في السجون في مناصبهم التنفيذية.
ومرشد الجماعة، الذي يرأس مكتب الإرشاد، يُعد أعلى سلطة في الهرم التنظيمي للجماعة، ويدين له أعضاء التنظيم بالسمع والطاعة، وفق أدبيات الإخوان.
وقالت المصادر إن محاولة صلاح عبد الحق، الذي يقود جبهة لندن واختير ليكون قائمًا بأعمال المرشد، تأتي في إطار رغبته في قطع الطريق على جبهة إسطنبول، التي عمدت في الفترة الأخيرة إلى استقطاب قيادات في جبهته التي تعاني انقسامات.
وترفض جبهة إسطنبول، التي يقودها محمود حسين (الأمين العام السابق للإخوان)، الاعتراف بشرعية جبهة لندن، وأصدرت في وقت سابق قرارات بعزل قياداتها من التنظيم.
وأشارت المصادر إلى أن عبد الحق يدرس حاليًا تشكيل لجنة شرعية لا تقتصر عضويتها على إخوان مصر، للبت في ملف عزل بديع وانتخاب مكتب إرشاد جديد.
وبحسب المراقبين، لا تبدو خطوة عبد الحق، إن قُدِّر لها الاستمرار، أوفر حظًّا من مساعيه السابقة لإحكام السيطرة على الجماعة التي تضربها الانقسامات.
تجارب سابقة
وخلال السنوات الماضية، منذ الإطاحة بالجماعة في مصر عام 2013، شكلت الجبهات المتصارعة لجانًا لإقرار واقع يناسب اتجاهاتها وميولها.
وكانت أبرز تلك اللجان التي شكلتها لجنة لندن، لبحث انشقاق حسين ورفاقه في إسطنبول، حيث أصدرت تلك اللجنة قرارها بالانحياز لمن شكلها، وهو القائم بأعمال المرشد في جبهة لندن، فيما رفضت جبهة إسطنبول الإقرار بالفتوى.
وعقب الثورة المصرية، التي أنهت حكم الإخوان، تشكلت في مصر اللجنة الإدارية العليا الأولى برئاسة محمد كمال، كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد في فبراير/شباط 2014، ثم حلت اللجنة الإدارية العليا الثانية برئاسة محمد عبد الرحمن المرسي محلها في مايو/أيار 2015، بعد خلاف بين كمال والقائم بأعمال المرشد الأسبق محمود عزت (قبل إلقاء القبض عليه في وقت لاحق).
وواجهت الجماعة الانشقاق الأول حينما قرر كمال تشكيل مجموعته المعروفة حاليًا بجبهة المكتب العام/تيار التغيير، وحينما أُجريت انتخابات داخلية وشُكلت لجنة لإدارة شؤون الإخوان في مصر بالتنسيق مع قيادة الجماعة في الخارج، لكن دور تلك اللجنة اقتصر على تيسير ملفات محدودة، أهمها ملف الإعاشة، الذي يتضمن إيصال الإعانات والكفالات الشهرية لأعضاء وأسر الجماعة.
وبحلول أواخر 2020، وعقب القبض على محمود عزت وتولي إبراهيم منير منصب القائم بأعمال المرشد، تشكلت الهيئة الإدارية العليا كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد، بحسب ما تنص عليه وثيقة تأسيسها، وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها الإقرار بوجود كيان إداري وتنفيذي بديل لمكتب الإرشاد، لأن اللجان السابقة لم تتجاوز سلطة المكتب، بناءً على طلب من القائم بأعمال المرشد حينها، محمود عزت.
وبعد سنوات أخرى من الفشل، عادت الجماعة لتبحث مرة أخرى مقترح تشكيل مكتب إرشاد جديد، بحيث يحمل اسم "مكتب الإرشاد" لا اسم "الهيئة" أو "اللجنة الإدارية العليا"، واختيار صلاح عبد الحق مرشدًا رسميًا بدلًا من منصبه الحالي كقائم بأعمال المرشد.
خلافات أكبر وأعمق
وخلال الاجتماع الذي عُقد أوائل العام الجاري، تضمن جدول أعمال الهيئة الإدارية العليا (البديل المؤقت لمكتب إرشاد الإخوان)، الخلاف الحاصل بين رئيس مجلس إدارة رابطة الإخوان المصريين بالخارج، السعدني أحمد، والأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة ومسؤول قطاع أوروبا فيه، محمود الإبياري.
وشهد الاجتماع سجالًا حول تبعية هيئات ومنظمات التنظيم الدولي في أوروبا للإخوان، ولم يتم التوصل إلى رأي حاسم لإنهاء هذا الخلاف، إذ يبحث طرفاه مقترحًا في الوقت الحالي ينص على إسناد إدارة ملف الهيئات والمنظمات في كل بلد للمكتب المتواجد بها، على أن يكون الإشراف مشتركًا بين الرابطة وقطاع أوروبا.
وفيما جرى التحول عن هذا الملف، لمناقشة مسألة إجراء انتخابات مكتب الإرشاد وبحث وضع المرشد، قرر القائم بأعمال مرشد الإخوان، صلاح عبد الحق، تشكيل لجنة شرعية للجماعة، وهي المرة الأولى التي تُشكل فيها اللجنة بشكل رسمي منذ عام 2014، الذي شهد إنشاء لجنة شرعية تابعة للجنة الإدارية العليا الأولى، وترأس تلك اللجنة الشرعية مجدي شلش، وهي اللجنة التي يُنسب لها شرعنة العمل المسلح والعمليات الإرهابية التي شنتها الجماعة.
وجاء قرار تشكيل اللجنة لعدة دوافع، أهمها أن اللجنة سيوكل لها دراسة وضع مرشد الإخوان السجين، محمد بديع، ومدى بقاء شرعيته باعتباره أسيرًا، وستكون الفتوى التي تصدرها اللجنة مقدمة لتولية صلاح عبد الحق منصب المرشد رسميًا، كما تخطط جبهة لندن.
ومن المرجح أن تتولى اللجنة الجديدة أيضًا إصدار الفتاوى في مختلف القضايا والمباحث العامة التي توكل لها، على أن تكون اللجنة مسؤولة عن إصدار الفتاوى رسميًا باسم الجماعة، وذلك بعد أن واجهت الجماعة مشكلات في الرد على التساؤلات التي تردها من أعضائها، لا سيما السجناء الذين دخلوا في مناظرات مع المنتمين لتنظيم داعش.
وكلف القائم بأعمال المرشد، صلاح عبد الحق، نائبه في الهيئة الإدارية العليا، محيي الدين الزايط، بمتابعة تشكيل اللجنة الشرعية الجديدة، على ألا يقتصر تشكيلها على إخوان مصر فقط، بل يشمل شرعيي الإخوان في مختلف الأقطار.
ووفقًا لمصدر مطلع على السجالات الأخيرة داخل الإخوان، فإن صلاح عبد الحق كان يفكر منذ فترة في تشكيل اللجنة الشرعية الجديدة، لا سيما أنه جاء من خلفية شرعية، حيث ينتمي إلى الجهاز التربوي التابع للتنظيم الدولي للإخوان.
وكان ينوي اختيار القيادي العراقي بالتنظيم الدولي للإخوان، محمد أحمد الراشد، لتولي رئاسة هذه اللجنة، لكن الأخير اعتذر لظروف مرضه، قبل وفاته في أغسطس/آب الماضي.
ومن المقرر أن يتولى رئيس اللجنة الشرعية الجديد، حال اختياره، عضوية المكتب العالمي، وهو الهيئة التنفيذية للتنظيم الدولي، كبديل لمحمد أحمد الراشد، الذي شغل هذا المنصب لفترة طويلة قبل وفاته.