أردوغان والغنوشي.. رهانات خاسرة تكتب سطور تنظيم الإخوان الأخيرة
سياسات أردوغان وفشل الغنوشي تفسد رهان التنظيم الإخواني وتعلن نهايته
وسط حالة من التلاطم السياسي، فاجأ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، الجميع، بزيارة غير رسمية مريبة إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان.
الزيارة أثارت تساؤلات كثيرة حول توقيتها وأسبابها، وخلّفت شكوكا حول أهدافها، ومدى ارتباطها بالوضع الداخلي في البلاد والتطورات الأخيرة في ليبيا.
ترجيحات المراقبين والخبراء ذهبت إلى أن الغنوشي هرع إلى أردوغان لتلقي التعليمات لإخراج حركة النهضة من مأزق سقوط الحكومة، ولاستلام توجيهات المرحلة المقبلة، وللتنسيق حول الوضع في ليبيا بعد الصفعة التونسية برفض الرئيس قيس سعيد طلب تركيا السماح لقواتها بالعبور إلى ليبيا.
الزيارة قوبلت بانتقادات شديدة من الأوساط السياسية والشعبية التي اعتبرت الغنوشي خائنا للمسؤولية الوطنية ولموقع رئاسة البرلمان ومنتهكا لاستقلالية السيادة الوطنية، وأن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا.
مآلات تنظيم الإخوان الإرهابي
بعد السقوط المدوي لجماعة الإخوان الإرهابية عقب ثورات شعبية ضد حكمهم بمصر ودول أخرى، اجتهدت الآلة الإخوانية في الاعتماد على أذرع بديلة فيما وصف بـ"المناطق الآمنة"، لنمو التنظيم كان أبرزها تركيا ودول شمال أفريقيا.
جماعة الإخوان التي قطعت شوطًا لا يستهان به في طريق "أستاذية العالم"، بالوصل إلى الحكم في عدة دول عربية بعد أحداث عام 2011، وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الشعوب، سرعان ما كشفت عن وجهها القبيح وفشلها وسوء أجندتها، وتأججت الثورات الشعبية المليونية ضدها، وسقطت.
وكرد فعل متوقع من الجماعة التي تصنفها الأدبيات بـ"أم الإرهاب"، مارست كافة أشكال العنف والإرهاب ضد مواطنيها، كان أبرزها على مدار السنوات الخمس الماضية حملات التخريب والإرهاب والعنف التي نفذها التنظيم بمصر.
وبينما كانت حملات التخريب والإرهاب تجري على قدم وساق بالداخل المصري، تولى عدد من رجال التنظيم الدولي مهمة إعادة توزيع القوى في المنطقة العربية، لتخرج مصر التي احتضنت المركز العام للتنظيم منذ نشأته في 1928، من المنطقة المركزية ذات النفوذ والتأثير الأكبر على الخريطة الإخوانية.
بوصلة النفوذ الإخوانية بدأت بالتحرك تدريجيًا نحو دول أخرى مثل بريطانيا، حيث المقر العام للتنظيم الدولي بقيادة إبراهيم منير، تركيا وقطر حيث الموطن البديل لقيادات الجماعة الهاربين من مصر برعاية حكومية ودعم مالي ولوجيستي غير محدود، فضلًا عن استغلال الجماعة للمساحات المتبقية للتنظيم بشمال أفريقيا لبسط مزيد من النفوذ وتنفيذ مخطط للتوسع.
فخ الصعود في تونس
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي انتخب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية والبارز بتنظيم الإخوان الدولي رئيسًا للبرلمان التونسي وسط أجواء غلب عليها التذمر والغضب داخل أرجاء البرلمان وخارجه.
وحاولت جماعة الإخوان الترويج للأمر باعتباره انتصارا عظيما بعد انتكاسة مرة، لكن مراقبين أكدوا أن صعود الغنوشي لرئاسة البرلمان ليس سوى "فخ جديد" للتنظيم المأزوم.
وبعد أقل من شهرين من تكليف الحبيب الجملي، المحسوب على الإخوان، بتشكيل الحكومة التونسية جاء رد البرلمان قاطعًا برفضها حيث صوت 134 نائبا مقابل 72 نائبا فقط بالرفض، في الجلسة التي انعقدت السبت 11 يناير/كانون الثاني.
ويقول الكاتب السياسي التونسي منذر قفراش إنه باستمرار فشل الغنوشي وجماعته في تشكيل الحكومة فإن النهضة ستكون مجبرة على إجراء انتخابات مبكرة، قد تقضي على ما تبقى لها من شعبية لدى الشارع.
ويرى "قفراش" أن استمرار رفض الأحزاب ذات التمثيل الأعلى في البرلمان وأبرزها قلب تونس، الدستوري الحر وحركة الشعب التحالف مع حزب النهضة الإخواني، سيعزز من احتمال إجراء انتخابات مبكرة.
وواجهت الحكومة المحسوبة على الإخوان انتقادات واسعة من الشارع السياسي التونسي زاد الأمور حدة تجاه حركة النهضة التي لم تكد تلتقط أنفاسها، حيث أرسلت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خطابا رسميا إلى رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي، يتضمّن أسماء بعض الوزراء والوزراء المساعدين في الحكومة المقترحة الذين تحوم حولهم شبهات فساد حسب الملفات المودعة لدى الهيئة والتي ما زالت قيد التحقيق.
ويقول المفكر الإسلامي المصري ثروت الخرباوي إن عودة الإخوان للمشهد في تونس زاد من حدة التوتر في الشارع السياسي وضاعف الاحتقان ضد التنظيم المتهم بقضية من أخطر ما على الأمن القومي وهى القضية المعروفة إعلاميًا بـ"قضية التنظيم السري".
وتشير أصابع الاتهام إلى جماعة الإخوان عبر التنظيم السري" بالضلوع بقضية اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين قتلا عام 2013.
ويؤكد "الخرباوي" لـ"العين الإخبارية" أن سقوط الإخوان في مصر أصاب التنظيم الدولي بصدمة كبرى جعلته يبحث عن بدائل للقاعدة المركزية، وكانت تونس مرشحة بلا شك اعتمادًا على شعبية راشد الغنوشي، لكن التنظيم صُدم بتراجع شعبيته واستمرار هزيمته في جميع الدول العربية، خاصة أن العمليات الإرهابية التي نفذها في مصر كانت كاشفة وجعلت الشعوب العربية ترى الوجه القبيح لجماعة الإخوان الإرهابية.
ودلل الخرباوي على تراجع شعبية الإخوان في تونس بسقوطهم في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام الماضي وحصل فيها مرشحهم عبدالفتاح مورو على نسبة 11% من الأصوات في المرتبة الثالثة، بعد الرئيس الحالي قيس سعيد، والسياسي نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس.
سياسات أردوغان.. رصاصة مرتدة برأس التنظيم
لعبت تركيا إلى جانب قطر الدور الأهم في لم شمل التنظيم الإرهابي بعد سقوطه في البلدان العربية، حيث استقبلت مئات بل آلاف العناصر الهاربة من مصر بعد ثورة 30 يونيو/حزيران، ووفرت لهم كافة الإمكانات والدعم المالي لتنفيذ مخطط التنظيم بالداخل المصري.
وحرصت تركيا على فرض شرعية دولية للإخوان باستضافة عدة مؤتمرات وكيانات وهمية تحمل اسم إخوان مصر، فيما حاول الرئيس التركي إبرام تحالفات دولية لدعم التنظيم حملت ظاهريًا شعارات جمع العالم الإسلامي كان أبرزها قمة كولالمبور التي عُقدت في ماليزيا مؤخرًا بحضور قيادات التنظيم وحلفائه.
نظام أردوغان الذي ظل يمثل ركيزة أساسية للإخوان بدأ فعليا في التآكل، مع تراجع غير مسبوق في شعبيته وانهيار شبه كامل للاقتصاد التركي، بالتزامن مع التدخل العسكري في شرق سوريا وليبيا، وسط إدانات دولية واسعة.
ويرى عمرو فاروق الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإرهابية، أن أردوغان أحد أذرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان وسياساته مجرد توجيهات يقوم بتنفيذها، لخدمة مخطط أكبر يتم تنفيذه على مستوى دولي.
وقال "فاروق" لـ"العين الإخبارية" إن العلاقة بين أردوغان والإخوان يمكن وصفها بأنها "نفعية بحتة"، مشيرًا إلى أن مشروع التنظيم الدولي يتلاقى مع أوهام أردوغان حول دولة الخلافة وسيادة العالم مشروع أردوغان للدولة العثمانية الجديدة.
وأكد فاروق أن التنظيم الدولي لن يتخلى عن تركيا بسهولة لأنها تمثل أحد أهم مقومات وجوده، باعتبارها محور دولة الخلافة وما يسمونه المشروع الإسلامي، موضحًا أن التنظيم ربما يضحي بأردوغان ويدفع بأحمد داود أوغلو بديلا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد التراجع الحاد في شعبية الأول.
ويقول "فاروق" إن استقالة "أوغلو"، الرجل الثاني، من حزب العدالة والتنمية ربما كان خطوة لبداية عصر رجل جديد منشق عن الإخوان ظاهريا ولا يحمل كراهية الشعب التركي إذا ما قُورن بأردوغان.
أرض بديلة
اتفق "الخرباوي وفاروق" على أن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان سيكون مضطرًا للبحث عن أرض جديدة بعد هزيمة حلفائه، ورجحوا أن تكون في أوروبا والدول الاسكندنافية.
وقال "فاروق" إن التنظيم يحاول البحث عن موطئ قدم في عدة دول بتوسيع رقعة الاستثمار، منها السويد التي شهدت زيادة استثمارات الإخوان هناك مؤخرًا، على حد قوله.
ويرى "الخرباوي" أن التنظيم الدولي سيعتمد على مراكزه خارج المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن المركز العام للإخوان انتقل من مصر إلى لندن بعد ثورة يونيو، مشيرًا إلى العلاقة الجيدة بين تنظيم الإخوان والحكومة البريطانية منذ نشأته.
وحول وضع التنظيم بمصر يقول "الخرباوي" إنه سيعود للعمل السري، ويحاول إعادة تنظيم صفوفه وترتيب أوضاعه وقد يمارس العمل من خلال بعض الشخصيات السياسية غير المحسوبة عليه بشكل مباشر.
وأكد "الخرباوي" أن التنظيم يدرك مدى الرفض الشعبي له في مصر، مؤكدًا أن جميع التنظيمات المسلحة التي تعمل في مصر سواء حسم أو تنظيم أنصار بيت المقدس وغيرهما، هي الجناح المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية، وتلقت التدريب في ليبيا والسودان بتمويل من قطر على يد عناصر من حماس والحرس الثوري الإيراني، وهناك مستويات للتدريب، مثلا عمليات القنص مستمرة حتى الآن، وهناك عمليات كبرى مخطط لها أن تحدث في المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة".
ويؤكد "فاروق" أن الجماعة أدركت مدى الرفض الشعبي لها في مصر لذلك ستبحث عن موطئ جديد لها بعيدا عن حدودها الجغرافية التقليدية، مشيرًا إلى أنها ستعمل في مصر وفق استراتيجية العقول البيضاء أو ما يسمى في التاريخ الإسلامي استراتيجية دار الأرقم، أو العمل السري وفقا لأدبيات التنظيم.
aXA6IDMuMTQ1LjM3LjIxOSA= جزيرة ام اند امز