في علم الاقتصاد، وبالتحديد فيما يخص دراسة أسعار السلع والخدمات، ومن جانبيها، أي العرض والطلب، هناك فرضية أساسية ومهمة توردها مناهج وكتب هذا العلم وذلك الموضوع، وقد جرى العرف على إيرادها بمصطلح باللغة اللاتينية، وهو Ceteris paribus.
الترجمة العربية الأقرب لهذا المصطلح، هي "بقاء الأشياء الأخرى على حالها"، أي بصفة عامة عند تحليل العلاقة بين شيئين، فالأقرب علمياً وبصورة مؤقتة، هو اعتبار أن كل العوامل الأخرى المحيطة بكل منهما ثابتة لا تتغير، وبالتالي "تبقى على حالها"، ويتجه التحليل فقط للعلاقة بين هذين الشيئين.
وبصورة مباشرة وفي دراسة العرض والطلب بعلم الاقتصاد يظهر هذا المصطلح - الفرضية، فهناك أولاً قانون العرض، الذي ينص على أن الكمية المعروضة من السلعة - خلال فترة زمنية محددة – تتزايد بارتفاع السعر، وتتناقص بانخفاض السعر، بافتراض "بقاء الأشياء الأخرى على حالها"، أي ثبات كل العوامل التي يمكن لها أن تؤثر على ثمن السلعة، سواء كانت مستوى الدخل وأسعار السلع والخدمات الشبيهة وتوقعات المستهلكين وأذواقهم أو غير هذا من عوامل.
ويوضح هذا القانون أن السعر هو المتغير المستقل، بينما الكمية المعروضة من السلعة هي المتغير التابع، أي أن سعر السلعة أو الخدمة هو الذي يؤثر في الكمية المعروضة منها.
ويظهر نفس المصطلح – الفرضية في قانون الطلب أيضاً. فوفقاً لهذا القانون، فإن الكمية المطلوبة من السلعة - خلال فترة زمنية محددة أيضاً - تتزايد بانخفاض السعر، وتتناقص بارتفاع السعر، وذلك أيضاً بإفراض "بقاء الأشياء الأخرى على حالها"، أي ثبات كل العوامل التي يمكن لها أن تؤثر على ثمن السلعة، سواء كانت مستوى الدخل وأسعار السلع والخدمات الشبيهة وتوقعات المستهلكين وأذواقهم أو غير هذا من عوامل. وبالتالي يوضح هذا القانون أن السعر هو المتغير مستقل، والكمية المطلوبة من السلعة أو الخدمة هي المتغير التابع، أي أن ثمنها هو الذي يؤثر في الكمية المطلوبة منها.
ويعرف دارسو الاقتصاد جيداً أن فرضية "بقاء الأشياء الأخرى على حالها" هي أداة مهمة في التحليل النظري خصوصاً للأسعار في ظل العرض والطلب وصياغة نماذج رياضية لهذا، ولكنها في التحليل الواقعي الحي للتطورات في هذا المجال، لا يمكن الاعتماد عليها للوصول لنتائج صحيحة ودقيقة، لسبب عملي أساسي، وهو أن "لا شيء يبقى على حاله دون تغيير".
وسبب الحديث عن هذا الموضوع ليس هو الخوض – من غير متخصص – في شؤون الاقتصاد وعلومه وتطبيقاته، بل لأنه يكشف عن خاصية جديدة يستطيع رؤيتها المدقق فيما يقدمه إعلام جماعة الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر، والموجه من خارجها، والقائم عليه أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى، منذ أكثر من عشرة أعوام.
فالقائمون على هذا الإعلام، بكل وسائله وقنواته ومنصاته، ممن يقدمونه أو يعدونه، يبدو مؤكداً أنهم يطبقون فرضية "بقاء الأشياء الأخرى على حالها"، بالطريقة العمياء الصماء التي تناسب الأهداف السياسية التي يسعون إليها من وراء هذا الإعلام. فطوال أكثر من سنوات عشر، لم ير ولم يسمع ولم يشعر أي من هؤلاء بأي تغير في الأوضاع المصرية الداخلية أو الخارجية، بما يجعلهم يتوقفون – ولو لبرهة – عن دعواتهم وتوقعاتهم المغرضة الفاشلة بقرب انهيار كل شيء في مصر.
ولعل العام الأخير قد جسد بصورة فادحة التطبيق الأعمى والمغرض لهذه الفرضية، حيث ظل إعلام الإخوان متجاهلاً كل المتغيرات الإيجابية التي لحقت بأوضاع مصر الداخلية وعلاقاتها الخارجية، مثل التحسن الملفت الذي طرأ على أوضاعها الاقتصادية والمالية عقب عديد من التحركات؛ أبرزها صفقة رأس الحكمة المصرية – الإماراتية، والعودة الكاملة لأفضل أحوالها للعلاقات المصرية – التركية، وأدوار مصر العربية والدولية والإقليمية البارزة في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة.
ظل هذا الإعلام، بتطبيقه الجاهل المغرض لفرضية "بقاء الأشياء الأخرى على حالها" في غير مجالها، تجاه الأوضاع المصرية، التي "لم تظل أبداً على حالها"، محافظاً على طبيعته الحقيقية وخصائصه التي تخرجه كما ذكرنا عدة مرات من قبل – من مصاف "الإعلام"، إلى حيث هو بالفعل مجرد "آلة" دعاية سوداء وتسميم سياسي، تتسم بكل سمات مثل هذه الآلات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة