الأفراد والأمم في تناولهم للمستقبل ينقسمون إلى فئتين: فئة ترى المستقبل مستقلاً عنا ويحمل مثلا حكايات «بابا نويل» والهدايا والمفاجآت، وما علينا سوى انتظاره ليصنع أقدارنا ويرسم سعة أفق أحلامنا.
أما الفئة الثانية فترى المستقبل جزءاً من حاضرنا يتصنع بيننا ويتشكل بتأثيرنا ويتحول إلى سحابة احتمالات قاذفها مدفع الحاضر، وكل ما نفعله ونقوله ونفكر به ونخطط له وننقله للأجيال التي بيننا هو ما يسهم في صناعة المستقبل وتحديد هويته.
الأجيال التي بيننا!!
نعم.
هنا السر!
لا يزال حاضراً ذلك النشيد يتردد في وجداني عبر الزمن
"نحن الشباب لنا الغد"
المستقبل للشباب
بل المستقبل هو من صناعة الشباب الذين يعيشون بيننا
إذاً؟
المستقبل هنا بيننا، نصافحه ونتحدث معه ونتبادل معه الأفكار وننقل له التقاليد والإرث والمعتقدات وينقل لنا طموحه وجموحه ووثبته وخياله وتصوراته التوليدية.
المستقبل ليس إلا حاضراً سيحدث
والماضي ليس إلا حاضراً قد حدث!
وبالتالي، فالمستقبل عند أفراد وأمم ومجتمعات هو المستقبل الحاضر، وعند أفراد وأمم أخرى هو المستقبل الغائب.
وكيف يغيب ما هو حاضر؟
يغيب إذا نظرنا له على أنه غيب لم يحدث ولا نعرف كيف سيحدث، ولا يمكن أن نتنبأ كيف سيكون ولا دخل لنا به لا من قريب ولا من بعيد.
الأحداث والوقائع التي تخرج عن معرفتنا وإدراكنا وسلطاننا بلا شك لا طاقة لنا بها ولا هي من اختصاصنا نحن البشر أفراداً وأمماً، فقد يغير حدث صغير جداً مصير مجتمع وأمم وأفراد.
لكن بالمقابل هناك أحداث متسلسلة ووقائع مترابطة مطردة وتصورات مستقبلية تتشكل اليوم على غزل الحاضر، ومصنعها اليوم وليس الغد، ومصانعها الشباب أنفسهم، وخط إنتاجها هو الذي سينتج المستقبل محمياً باليوم!
نعم، فالمستقبل بيننا، حاضرنا هو مستقبلنا، كيف نفكر نكون، كيف نحلم نكون، كيف نسعى نكون.
مستقبلنا بيننا في الجيل الذي يتنفس بيننا وهو قادم ومتحرك مع الزمن والزمن معه وليس ضده، بل هو من سيصنع ويقود ويدير ويصبغ العصر بصبغته.
إنهم الشباب مادة المستقبل ووقوده، كما وصفهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات: "الشباب هم القوة والطاقة والثروة الحقيقية، كما أنهم قادة الغد".
فالغد لا ينتظر أحداً، والغد اليوم غير مرئي لنا، لكنه مرئي لهم، للشباب والجيل الهادر بالحياة.. فهم سيرون ما لا نرى، سيعيشون مالا نعيش، سيحلون في المكان والزمان الذي نتمركز فيه الآن، وسيكون حاضر المستقبل هو واقعهم وسيكونون هم العصر القادم، فإما أن يكونوا قادة ريادة وابتكارا، وإما أن يكونوا على هامش العالم.
إنّ التدخل المبكر في صناعة المستقبل سيولد مستقبلاً يستحق النضال لأجله، مستقبلا ينهض بإرادة صنّاعه "شباب اليوم" الذين يمرون بيننا ويعيشون بيننا، نراهم ويروننا، نسمعهم ويسمعوننا، ننقل لهم ما لدينا وينقلون إلينا ما لديهم، وكأنّ المستقبل زمن موازٍ لزمننا الحاضر، زمن قد تجسَّد بهيئة بشر.
من هنا يبدأ المستقبل ومن هنا تعلو راية التنمية والاستدامة والابتكار عبر الاستثمار في ملّاك الغد "الشباب" وعبر تفعيل المزامنة والدخول عبرهم وكأنهم "ممرات افتراضية" تسمح لنا بعيش المستقبل وتشكيله ليكون قيمة مضافة للحاضر الذي كان في يوم ما أيضاً مستقبلاً.
رئيس وكالة ميتا أريس الأمريكية الدولية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة