حرب الجبهات في الإخوان.. لماذا سبقت "تنازلات لندن تصعيد إسطنبول"؟
"مناورة الـ10 سنوات" تفضح اعتراف منير بالهزيمة وتجرع "الدواء المر"..
صراع جماعة الإخوان تخطى الجبهتين المتنازعتين في لندن وإسطنبول إلى جبهة ثالثة ممثلة في المكتب العام، والتي اتخذت من مدينة إسطنبول مقرا.
فالصراع الذي شاركت فيه جبهة ثالثة بتدشين مؤتمرها الأول، خرج بأول وثيقة سياسية، لـ"الكماليون الجدد"، جاءت للتأكيد على استمرار العنف والاستعداد لمواجهة جديدة بهدف إزاحة السلطة في مصر وبقية الدول العربية وفق رؤيتهم في الوثيقة التي أطلقوها قبل يوم كإعلان لتوجه قديم ولكنه جديد في شكله وأدواته.
تلك الوثيقة سبقتها جبهة لندن بزعامة القائم بعمل مرشد الإخوان، إبراهيم منير، بالإعلان عن وثيقة سياسية، تهدف لقطع الطريق على تيار التغيير أو الكماليون الجدد الذين سرقوا الأضواء أمام الجبهتين "المتناحرتين".
ورغم الوثيقتين اللتين طرحتا خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن جبهة محمود حسين تجاهلتهما، فيما علمت "العين الإخبارية" من مصادرها، أنها تستعد للإعلان عن وثيقة ثالثة خاصة بها لمواجهة ما هو مطروح باسم التنظيم، خاصة وأنهم يعتبرون أن كل من يؤيد إبراهيم منير أو المكتب العام قد أعفوا أنفسهم من الجماعة.
ما الفرق بين وثيقتي لندن والمكتب العام؟
وثيقة لندن والتي طرحها إبراهيم منير تهدف لمغازلة السلطة في مصر، وتؤسس لخط الجماعة في لندن أو غيرها، بخلاف وثيقة المكتب العام التي صدّرها أصحابها في الفصل الأول بكلام المؤسس الأول، حسن البنا، بعنوان، من نحن؟ وماذا نريد؟ فيما عرفوا أنهسهم بأنهم "الممثلون الحقيقيون للإخوان وما دونهم لا يُعبرون عن أدبيات الإخوان ولم يعوا ما طرحه المؤسس الأول".
وبحسب مصادر "العين الإخبارية"، فإن إبراهيم منير، يُريد تقديم تنازلات للسلطة في مصر كمحاولة لإحياء التنظيم من جديد، خاصة وأنه يدرك أن الجماعة خسرت كثيرًا بصدامها، وأن الاستمرار في هذا الخط يُعد انتحارًا سياسيًا.
تلك الرؤية بدت واضحة في وثيقة إبراهيم منير، والتي تخلى فيها عن خطابه السابق بعد ثورة 30 يونيو/حزيران من العام 2013، فخلت من مصطلحات اعتادوا استخدامها مثل "العسكر" في إشارة إلى القوات المسلحة المصرية ودورها في حماية البلاد، واستخدامهم لعبارات مسيئة مثل "قتلة" وغيرها، والتي جرى استبدالها في الوثيقة الجديدة بكلمات مثل "سياسات خاطئة"، ما يحمل في طياته قبولًا بالنظام السياسي القائم، بهدف تحقيق الأهداف السابق ذكرها.
أما وثيقة المكتب العام فإنها أفردت الحديث عن "الجهاد في سبيل الله، وضرورة الخروج على الحاكم"، مستخدمة مصطلحات "الثورة" و"المشروع الإسلامي" ودور الإخوان في التغيير و"دفع الصائل" وغيرها، مما يُبرر لها استخدام العنف الذي تمهد له.
انقلاب الإخوان على أنفسهم
وثيقة لندن ابتعدت عن أي ذكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتجنب الإساءة وفي نفس الوقت عدم الإشادة، فيما خلت من أي إساءة للقوات المسلحة المصرية، ولم تصف ما حدث في مصر بـ"الانقلاب العسكري"، وإن كانت استخدمت لفظة "الانقلاب"، ولكن في سياق "الانقلاب على الثورة، من منطق سياسي ليس أكثر".
وطرحت وثيقة "منير" الإخوان كجماعة إصلاحية دعوية، ولم تمانع من أن يكون دورها اجتماعيًا على الأقل خلال الفترة القادمة وحتى الخروج من عنق الزجاجة، فيما اعتذر "منير" عن المنافسة على السلطة في تصريحات سابقة لإثبات حسن نيته ومحاولته إعادة إنتاج التنظيم.
وحاولت الوثيقة التي طرحها مكتب لندن أن تجني ثمار عدم الصدام مع السلطة في مصر، مقترحة أن يتفرغ الإخوان للعمل الاجتماعي والإفراج عن سجناء الجماعة، مع وقف خطابات التصعيد ضدهم في وسائل الإعلام أو من قبل الدولة.
الدواء "المر"
ولم تمانع الوثيقة من تخلي الإخوان عن الممارسة السياسية بعض الوقت بهدف تحقيق مصالحها ثم العودة إلى حلبة الصراع السياسي بعد 10 سنوات، وهو ما يراه منير ومجموعته بأنه "الدواء المر" الذي يجب أن تتجرعه الجماعة، فيما سيظل نزيف التنظيم حتى الانتحار بدون تلك الجرعة.
في المقابل، جاءت وثيقة المكتب العام معبرة عن خط المليشيات المسلحة التي نشأت في القاهرة بعد ثورة 30 يونيو/حزيران عام 2013، مثل ميلشيا "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية"، متخذة من كلمات حسن البنا وسيد قطب ومحمد كمال شعارًا لها ومن مقولاتهم دليلا لمفهوم العنف.
تلك الملامح بدت واضحة من توقيت عقد المكتب العام للإخوان في إسطنبول مؤتمره والذي أعلن فيه "وثيقة الدم"، بالتزامن مع ذكرى مقتل محمد كمال، مسؤول اللجان النوعية للإخوان أو من أنشأ المليشيات المسلحة التابعة للجماعة، وكأن هذه الوثيقة ترسم ملامح العنف المتوقع خلال الفترة القادمة، وتُعطي إشارة البدء فيه بالنسبة للخلايا النائمة والخاملة حتى تستعد للعمل المسلح.
"العداء" للجيش
وثيقة المكتب العام طالبت بضرورة "الانتقام" من القوات المسلحة المصرية ومواجهتها بما أسمته بـ"الحشود الهادرة والأعمال العدائية"، في دليل جديد على أن المكتب العام للإخوان هم "الكماليون الجدد"، وأنهم امتداد للميلشيات المسلحة التي ظهرت في وقت سابق، لكنها توارت فقط لتنظيم صفوفها تمهيدًا للعودة إلى ممارسة العنف من جديد.
وفي باب الأزمة المصرية ورؤية المكتب العام والذي تضمنته وثيقة "الكماليون الجدد"، قال المكتب العام إن حركة الإخوان المسلمين دائمًا ما تواجه ما أسمتهم بـ"المستبدين"، في توصيف يخلق مبررًا لها لممارسة العنف لأتباعها في مؤتمرها الأول، الذي وصفه البعض بأنه يأتي "مماثلا" للمؤتمر الخامس الذي عقده المؤسس الأول حسن البنا، عندما قرر استخدام العنف وإنشاء الجناح العسكري للجماعة وخوض غمار السياسة والعنف معًا.
وبحسب الوثيقة، فإن تيار التغيير أو "الكماليون الجدد" يقدم نفسه على أنه جزء من "الإخوان"، بخلاف جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين واللتين تزعمان أنهما الممثل الشرعي والوحيد للجماعة.
الذراع العسكرية
إلا أنه مع ذلك، فإن تيار التغيير يعتبر نفسه ذراع الإخوان الطولى أو العسكرية التي تقذف "لهيب النار" على "الأعداء"، وهو ما أشارت إليه "العين الإخبارية" في تحليلاتها السابقة والتي استندت فيها لمصادر أكدت أن "التيار" مهمته أنه الذراع العسكرية للجماعة.
ويرى تيار التغيير ضرورة مواجهة السلطة الحاكمة في مصر بـ"العنف" وأن إزالتها هدف أسمى، فيما لا يجوز معها الممارسة السياسية.
واستخدم المكتب العام للإخوان في الوثيقة كلمة "المنعة" وهي تقارب ما سبق واستخدمته الميلشيات المسلحة، عندما أطلقت لفظة "السلمية المبدعة"، بالإضافة إلى مصطلحات أخرى تدل على نيتها مواصلة العنف ضد السلطة.
ويرى المكتب العام للإخوان أن ملف سجناء التنظيم سينتهي حال صراعها مع السلطة، وأن ذلك لن يكون إلا من خلال التفاوض الذي لن تهيأ له الأرضية إلا إذا كانوا أقوياء. تلك القوة يرون أنها ستتولد من استخدامهم للعنف.
تغيير الأنظمة العربية
لم تكون رؤية تيار التغيير تقتصر على ممارسة العنف داخل مصر فقط ولكنهم طرحوا ضمن رؤياهم ضرورة العمل على تغيير الأنظمة العربية بأكملها من خلال بسط نفوذهم أولًا على مصر ومن بعدها الانتقال بالعنف والفوضى إلى بقية الوطن العربي.
ويراهن هؤلاء المتطرفون في أنهم سيعيدون رسم خريطة المنطقة العربية من جديد عبر استخدامهم للعنف، إلا أن مصر هي بوابة التغيير إلى ذلك، ما تعد هذه الرؤية "أخطر" مضامين الوثيقة.
ويهدف تيار التغيير إلى المواجهة الشاملة ومحاولة استقطاب أكبر عدد ممن لديهم استعداد لممارسة العنف، سواء من الذين تحلقوا حول التنظيم أو من أصحاب الأيديولوجيات الأخرى.
ولتحقيق هذا الهدف، يعيد تيار التغيير إحياء أفكار البنا وسيد قطب، وتفعيل ما طرحه محمد كمال في الوثيقة التي أشرف عليها وجاءت بعنوان "فقه المقاومة الشرعية"، وشرعن من خلالها استخدام العنف في مصر.
aXA6IDMuMTUuMjA4LjIwNiA= جزيرة ام اند امز