ركزنا في هذه المساحة عبر عشرات المقالات، على رصد وتحليل بعض من خصائص وسمات ما يقدمه إعلام جماعة الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر، والموجه من خارجها، والقائم عليه أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى.
وقد أفضى هذا إلى اكتشاف وكشف عدد كبير مما يعتور هذا الإعلام من نقائص وتشوهات هيكلية وعميقة إلى الدرجة التي تخرجه من مصاف "الإعلام" سواء بمعناه العلمي أو العملي المستقر والمتعارف عليه، إلى حيث يمكن وصفه بسهولة بأنه "آلة دعاية" تتسم بكل الصفات التي أفاض الدارسون والباحثون المتخصصون في وسم مثل هذه الآلات بها، وفي مقدمتها الغياب التام لكل معايير وقواعد مؤسسات ووسائل الإعلام الطبيعية والمعترف بها كذلك.
وبالإضافة لعشرات الخصائص والسمات التي سبق إبرازها في المقالات السابقة لهذا الإعلام الإخواني، فإنه خلال الشهور الأخيرة، وربما العام المنصرم كله، انتابته حالة من العصبية الشديدة والتوتر المفرط المرضي في تعامله مع الشؤون المصرية بطريقته المعتادة، في ظل متغيرين رئيسيين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.
فقد أوضح العدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، ومعه وبصورة أخف الضفة الغربية، حقيقة المواقف المصرية من القضية الفلسطينية عموماً وتجاه هذا العدوان بصورة مباشرة، كما أكد على مركزية الدور المصري في المنطقة كلها، خصوصاً تجاه الصراع الإسرائيلي – العربي.
فقد اتخذت مصر الرسمية ومن الأسبوع الأول للعدوان وعبر تصريحات وتحركات رئيس الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسي وكل جهات الدولة، المواقف الأكثر وضوحاً ومبدئية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، واتخاذ كل السبل من أجل دعمه والحفاظ على حقوقه المشروعة، سواء على الصعيد السياسي أو الأصعدة الإنسانية.
وترافقت تلك المواقف المصرية الرسمية والشعبية – والمستمرة – مع احتفاظ الدولة المصرية بكل علاقاتها وخطوط اتصالها المتواصلة مع مختلف الفصائل والسلطة الفلسطينية، وخصوصاً تلك المقاومة بداخل غزة، وإعلان تقديرها جميعاً دوماً لما تفعله مصر من أجل الشعب الفلسطيني.
وتمثل المتغير الاقتصادي في تتابع اتفاقات وإجراءات مهمة وإيجابية للغاية، أدت وبصورة مباشرة إلى التخفيف الكبير من حدة الأوضاع الاقتصادية والمالية السلبية التي لحقت بالاقتصاد المصري لأسباب معظمها مرتبط بأزمات عالمية كبرى، صحية وسياسية وعسكرية. وكان من بين هذه الاتفاقات والإجراءات صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات الشقيقة، وإنجاز مراحل أخرى من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإبرام اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الاتحاد الأوروبي، وعديد من الاتفاقيات والبروتوكولات مع دول عربية شقيقة وأخرى صديقة.
لم يستطع إعلام جماعة الإخوان أن يحتفظ بأعصابه أمام هذه المتغيرات السياسية والاقتصادية، التي أكدت ليس فقط كذب كل ما دأب على ادعائه طوال عقد كامل، بل وأيضاً فشله التام في التحريض والسعي المحموم لتفجير المجتمع المصري من داخله.
وهنا وجدنا أن القائمين على هذا الإعلام – مقدمون ومعدون – قد أضافوا إلى ما هو عليه من حال، سمة جديدة – قديمة جمعت بين مصطلحين مصريين عاميين متداولين بصورة واسعة بين المصريين.
ففي مصر يتداول الناس مصطلحي "عواجيز الفرح" و"حريم الجنايز"، للإشارة إلى معانٍ محددة مشتركة بين الاثنين.
فعجائز الأفراح، هن تلك النسوة اللاتي لا يجدن في الأفراح التي تتم دعوتهن إليها سوى مناسبة لنقد جارح لكل ما يجري في هذه الأفراح، من العروسين وعائلاتهما والمدعوين ومراسم وفقرات هذه الأفراح، وكل ما تقع عليه أعينهن في هذه الأفراح. فكل شيء فيها بالنسبة لأولئك العجائز، هو سلبي لا يحتمل سوى النقد الجارح والقول الفاحش.
وأما "حريم الجنايز"، فهو غير بعيد عن المصطلح السابق، فهن تلك النسوة اللاتي يحضرن الجنائز والعزاءات ويفتعلن الحزن الظاهر بأصوات عالية، بينما يظللن عاكفات فيما بينهن بهمس خافت على نقد جارح وقول فاحش أيضاً، لكل حاضري الجنازة أو العزاء، وخصوصاً أهل المتوفي وبالأخص النساء منهن.
هذان المصطلحان اللذان يعبران مباشرة وبصدق عن أداء إعلام الإخوان خصوصاً في الفترة الأخيرة، يعكسان تلك الحالة من التربص والتفتيش المرضي عن أي شيء سلبي، وكثيراً ما يتم اصطناعه، ولا فارق هنا بين فرح وعرس أو جنازة وعزاء.
فالثابت والمشترك بين "عواجيز الفرح" و"حريم الجنايز"، هو كراهية من حولهن والتشكيك في كل ما يخصهم، فرحاً كان أو حزناً، ووسمهم بكل ما هو سلبي متخيل منهن، الذي هو في حقيقته نضح مباشر لما بداخل نفوسهن من علل نفسية وأمراض بعضها قد يصل إلى العقلية منها.
هكذا هو حال إعلام الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة