الازدواجية من أهم صفات تنظيم الإخوان المسلمين منذ نشأته قبل أكثر من 95 عامًا؛ فقد عبّر عنها المؤسس الأول حسن البنا، طوال مراحل دعوته، في مدحه الملك فاروق ووصف عرشه بالمقدس بعدها انقلبوا عليه في عام 1952.
تغزل الإخوان كثيراً في الملك فاروق، آخر ملوك مصر، حتى إنهم وضعوا صورته وهو يحمل مسبحة على غلاف المجلة التي حملت اسم التنظيم "الإخوان المسلمون"، في العدد الذي صدر في 29 أغسطس/آب من عام 1942، ثم ذهب حسن البنا ضمن وفد من الجماعة ليقدموا فروض الطاعة والولاء له، إلا أنهم بعدها بسنوات قليلة خرجوا عليه.
في الوقت الذي كان يستعد فيه الإخوان للخروج على الملك، كان يصفه مرشد التنظيم آنذاك بأمير المؤمنين! وكان يغذي فيه الشعور بأنه خليفة المسلمين بعد سقوط آخر خليفة في الإمبراطورية العثمانية في عام 1924، ولعل سجل تشريفات القصر يدل على الحفاوة التي كان الإخوان يستقبلون بها الملك وعبارات الغزل التي سجلوها بحقه في هذا السجل.
بايع الإخوان الرئيس جمال عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو/تموز من عام 1952، ثم سرعان ما انقلبوا عليه وعلى الثورة وما حملته من قيم ومبادئ، وفعلوا نفس الشيء مع الرئيس محمد أنور السادات حتى انتهى بمقتله في العرض العسكري على يد تنظيمي "الجهاد الإسلامي" و"الجماعة الإسلامية المسلحة"، بعد أن حرّض الإخوان عليه بسبب توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في عام 1978.
ما فعلوه مع الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، لم يختلف عما فعلوه مع الرئيس محمد حسني مبارك، فقد خرجوا عليه في عام 2011، رغم أنه سمح لهم بحرية الحركة شريطة أن يبتعدوا عن السريّة في ممارسة أنشطتهم، إلا أنهم بعدها انقلبوا عليه وحرّضوا على سجنه، حتى شاءت الأقدار أن يخرج مبارك من السجن وأن يودعوا هم في السجون.
تعاون الإخوان مع الاحتلال الإنجليزي، وقبل حسن البنا التبرع الذي قدمه الإنجليز في بدايات نشأة التنظيم. كان هدف المحتل في ذلك الوقت هو استيعاب الحركة الوليدة التي تمثلها الجماعة في ربوع مصر، فعندما انكشف الأمر وسُئل حسن البنا عن ذلك، كان مبرره أن هذه أموال الشعب وقد عادت له، مختصراً كل الشعب المصري في تنظيمه! ومعلقاً بأن الإخوان هم من يستخدمون الإنجليز وليس العكس!
لم يقتصر تعاون الإخوان مع الإنجليز على الفترة الملكية، وإنما ظل هذا التعاون قائماً حتى بعد مجيء الرئيس جمال عبد الناصر للسلطة، وقد حوكموا على خلفية هذا التعاون الذي تم من وراء ظهر ثورة يوليو/تموز في ذلك الوقت، وهنا وضع الإخوان أيديهم في يد أجهزة الاستخبارات العالمية ضد مصالح بلدانهم، طالما أنه يعود بالنفع والفائدة على التنظيم.
ولعل الاتهامات المتداولة بين الجبهتين المتصارعتين داخل الإخوان حالياً "جبهة محمود حسين" وجبهة "صلاح عبد الحق"، بالعمالة والخيانة، التي يوجهها أعضاء التنظيم وقياداته لبعضهم، تتركز على أن كلا منهما يعمل لصالح جهاز استخبارات ما، وهو ما يضر بمصالح الجماعة، ويعكس حجم المؤامرة التي حاكها الإخوان ضد الوطن.
إن الإخوان أصحاب مواقف مزدوجة على مستوى التصريحات، فلهم خطابان كل منهما يختلف عن الآخر، بل ويناقضه؛ خطاب التنظيم في الداخل يختلف عن خطاب التنظيم خارجه، وخطاب التنظيم المصري في القاهرة يختلف عن خطاب التنظيم الموجه للخارج. ولعل هذا ما جسده عصام الحداد، مسؤول الشؤون الخارجية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي في أزمة تحريض التنظيم ضد الإخوة المصريين الأقباط، حيث خاطب الداخل بخطاب يختلف عن خطابه باللغة الإنجليزية الذي توجه به للعالم الخارجي آنذاك!
الإخوان يطالبون بالحرية والديمقراطية كي يستفيدوا منها، في الوقت الذي لا يمارس فيه التنظيم أي ديمقراطية داخل مؤسساته الداخلية، وإذا جاز وصف للتنظيم فهو تنظيم فاشيّ، لا يطبق الحرية التي ينادي بها ولا يسمح بأي معارضة داخله، وإنما يتعامل بمنطق التنظيم العسكري، وعلى الجميع أن يسمع ويطيع دون نقاش، غير مسموح بأي معارضة من أي نوع، وهنا يتم ضرب اللوائح الداخلية عرض الحائط.
أنشأ حسن البنا النظام الخاص أو ذراع الجماعة العسكرية، ومع تنفيذه لعملية اغتيال القاضي أحمد الخازندار في 22 مارس/آذار من عام 1948، خرج بيان كان عنوانه "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين"، رغم أن عبد الرحمن السندي، مسؤول الذراع العسكرية للجماعة اعترف على حسن البنا بأنه قال: ربنا يخلصنا منه، فتحرك الجناح العسكرية لتنفيذ العملية، والأدل على ذلك أن حسن البنا لم يقم بحل النظام الخاص، بل مات دون أن يأخذ هذا القرار، وهذا ملمح مهم لهذه الازدواجية.
جزء من ازدواجية الإخوان أنهم يدّعون الدفاع عن المرأة والأقباط وأنهم يقرون بحقوقهما، وعند المحك، تجد التنظيم يضطهد المرأة فلا ينظر إليها إلا من منظور الجنس، فهي غير ممثلة في كل مؤسساتهم بدءًا من الشعبة، أصغر مؤسسة في الهيكل التنظيمي للجماعة وحتى في مجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد، ورغم أنهم يدّعون بحقوق الأقباط فإنهم أحرقوا كنائسهم وحرضوا على قتلهم سواء عندما كانوا في السلطة أو بعد أن تركوها على خلفية ثورة 30 يونيو/حزيران من عام 2013.
الإخوان يتعاملون ببراغماتية شديدة، فإذا حضرت المصلحة غابت القيم، وكلما كان خطابهم موجهاً للآخر تحلوا بالقيم المزيفة التي لا أساس لها ولا تُعبر عن حقيقة التنظيم؛ فالجماعة تؤمن بالتقيّة السياسية وتتخذها مبدأ لها، وهنا يبقى الدين وسيلتهم للوصول إلى أهدافهم السياسية، فهم يعتبرون التنظيم هيئة سياسية، وعندما تُطالبهم بالخضوع لمتطلبات السياسة يصفون التنظيم بأنه دعوي، وهنا يبقى الدين مجرد غطاء للسياسة، وشكل من أشكال الازدواجية.
ختامًا، الجماعة لديها ازدواجية في المفاهيم التي تؤمن بها، كما أن هذه الازدواجية تُشكل الجزء الأكبر من سلوك التنظيم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فهم التنظيم في هذه المساحة يُفسر جزءًا كبيرًا من سلوكه ويُساعد بصورة أكبر على استشراف مستقبله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة