من أحد أهم تجليات ثورة 30 يونيو من العام 2013 أنها قضت على تنظيم الإخوان المسلمين بمصر، لينتقل مكتب الإرشاد بمسميات أخرى إلى الخارج، حيث تعيش الجماعة شتاتًا قد لا يجد التنظيم ولا الأتباع فيه أنفسهم.
كان يُدار التنظيم في السابق من القاهرة، التي احتضنته في مراحل نشأته الأولى، وربما احتضنت العاصمة نفسها التنظيم خلال عقود النشأة التي استمرت أكثر من خمسة وتسعين عامًا، فكان يتم اختيار المرشد وكل أعضاء مكتب الإرشاد "العاملين" من بين سكان هذه العاصمة.
ومع أن هذا الوضع أصاب باقي أفرع التنظيم في العالم بحالة من التململ الداخلي كانت تظهر عند اختيار مرشد يخلف الراحل حال وفاته، كان -كذلك- سببًا في انهيار البناء التنظيمي الذي اعتمد على قيادات القاهرة فقط، التي تأثرت بالمواجهة الشعبية والسياسية التي تعرض لها التنظيم على خلفية ثورة 30 يونيو/حزيران 2013.
تعرض التنظيم لانشقاقات طولية وعرضية، جزء منها مرتبط بحالة الاستئثار التي خصها إخوان القاهرة لأنفسهم بعد الثورة، فثار الخلاف بينهم حتى باتت الجماعة جماعتين. العجيب أن كلا منهما يعتمد في خلافه على تفسيره الخاص للائحة الداخلية للجماعة، خاصة وأن هذه اللائحة قديمة قدم التنظيم فلا تُناسب الواقع، وكل طرف مدفوع لتفسيرها حسب أهوائه، وهو ما تقوم به كل جبهة من الجبهات المنقسمة داخل التنظيم حاليًا.
ولعل قيادة التنظيم لم تنتبه إلى تغيرها أو أنها تعمدت ذلك، لأنها كانت تحكم التنظيم بالسلطة الأبوية، فلا يوجد داخل التنظيم ما يمنح مساحة الحرية للأتباع، وبالتالي لا يوجد ما يُهدد بقاء التنظيم.
وهنا يمكن القول، إن قيادات التنظيم هم من قضوا عليه وقت أن تكلسوا بداخله حتى باتت القوانين واللوائح الداخلية لا تُلبي احتياج الأتباع الذين يُقدرون في ذلك الوقت بمئات الآلاف.
تنظيم الإخوان المسلمين ولد ميتًا، ولعل أسباب بقائه مرتبطة بصورة كبيرة بعوامل مواجهته التي لم تكن على مستوى خطر التنظيم، والدليل أن التنظيم سقط في أول مواجهة جادة قبل 10 سنوات وعلى خلفية ثورة شعبية.
ورغم أن التنظيم يتعامل بفاشية داخلية؛ فيعطي صورة للديمقراطية المزيفة بداخله، إلا أن هناك مساحات للنقاش داخله، لكنها مرتبطة بقرار متسلط من القيادة، أي يتم إلقاء الديمقراطية وما أنتجته عرض الحائط إذا كانت رغبة القيادة في اتجاه آخر، وتلك خدعة التنظيم التي لا يُدركها من هم خارجه، وكثيرٌ ممن هم بداخله.
هناك مساحات أخرى داخل التنظيم غير مسموح بالنقاش فيها، خاصة ما يتعلق بالقرارات التي يكون مصدرها قيادة الجماعة، أو مكتب إرشادها، أو تقييم قرارات الجماعة، أو ما من شأنه أن يثير اللغط داخل الجماعة.
وهنا يظهر التنظيم شبه العسكري في إدارة أتباعه، وهو ما يُحاول أن يخفيه مُصدرًا صورة مغايرة لنفسه، بأنه تنظيم دعوى وحركة سياسية واجتماعية، والحقيقة أنه لا يخضع لهذه المسميات وإنما يُخفي من ورائها الحقيقة التي يجهلها النّاس عنه.
قيادة التنظيم في الخارج ربما أظهرت صورته الحقيقية، بأنه تنظيم هش، لا يمتلك أي مقومات للبقاء، سواء ما كان يُسوقه عن نفسه أو ما كان يجهله النّاس عنه، مع وجود قوانين ولوائح التنظيم التي تفرض رقابة شديدة على التنظيم داخليُا خشية التفكك، وهنا يبدو التنظيم متسلطًا، بدعوى أنه يتعرض لحرب خارجية شعواء تستلزم التنازل عن بعض حقوق الأتباع حتى تُسيطر عليه بشكل كامل.
الإخوان في الشتات لا يمتلكون أي آلية للعمل وليس لديهم القدرة الكاملة للسيطرة على التنظيم؛ فرغم أن هناك هياكل تنظيمية بديلة أنشؤوها، لكن لا يوجد أتباع حقيقيون، فقد هرب معظمهم، عبر تجميد عضويته بالداخل أو حمل أمتعته على ظهره وهجر التنظيم، فيما الجزء الثالث من بقى داخل التنظيم لكنه مثقل بالخلافات التي دبت في كل هيكل إداري وتنظيمي، حتى بات الخلاف سمة التنظيم، والتخوين هو العلامة المميزة للإخوان على الأقل فيما بينهم.
أغلب الإخوان في الشتات يعملون لصالح الدول التي يتواجدون فيها، أو توظفهم هذه الدول لمصالحها الخاصة، فيما التنظيم ليس لديه أي مشكلة في ذلك مقابل البقاء والصمود وعدم الذوبان، وهنا أصبحنا أمام أكثر من جماعة وكل منها يعمل لمصلحة دولة ما أو تُحركها أجهزة أمنية تابعة لبعض الدول، وبالطبع هذه المصالح لا تصب في صالح الدول التي أتوا منها لكنها تقف ضدها.
وهنا بات التنظيم عبئًا على الوطن، بل بمثابة خنجر موجه ضده، دائمًا ما يُصوب إليه من الخلف، وهنا تبدو حقيقة التنظيم، فمن أراد أن يتعرف عليه عن قرب فلينظر إلى ممارسات إخوان الشتات، الذين اعتقدوا أنهم قد يفعلون ما يشاؤون دون أن يراهم النّاس أو يشعروا بهم، بحكم البعد المكاني.
إخوان الشتات هم النواة الأخيرة للتنظيم، كثير منهم حصل على الجنسية الأجنبية، وبات يعمل ضد مصالح وطنه، فمع الوقت سوف يُدار تنظيم الإخوان المسلمين كله من الخارج، وسوف يتحكم فيه جنسيات أخرى، (مصريون حصلوا على جنسيات أجنبية)، ومع الوقت سوف يتلاشى دور المصريين داخل التنظيم، بل سيتلاشى التنظيم كله، وسوف يصبح مجرد سطر في كتب التاريخ.
الجبهات المنقسمة داخل الإخوان كل منها يدعي أنه يتحدث باسم الإخوان في مصر، وكل منها بعيد تمام البعد عن هذه الحالة؛ فالإخوان مازالوا يعتقدون خطأ بأنهم كما كانوا في السابق، وأنه مع أي بصيص من الحرية سيعودون إلى ما كانوا عليه.
وهنا التنظيم في الخارج افتقد عاملين مهمين في الحكم على صلته بإخوان الداخل أو في عودته للمشهد مره ثانية؛ الأول، هو الانقسامات الداخلية نتيجة خلافات جوهرية والتي لا يمكن حلها بسهولة شديدة كما يتوقع التنظيم.
أما العامل الثاني، فهو هجرة قطاع كبير من الإخوان أغلبهم محسوب على قطاع الشباب، وهنا تبدو مشكلة التنظيم داخلية وليست خارجية كما يُصورون.
دراسة حالة إخوان الشتات مهم للتعامل مع محاولات عودتهم للمشهد، فلا يمكن استكمال باقي مراحل المواجهة دون دراسة هذه الحالة وتأمّل التحولات التي يتعرضون لها، هذه القراءة لابد أن تكون واقعية ودقيقة حتى تأخذ المواجهة منحنى انحداريا للتنظيم يسير معه بالتوازي مواجهة الأفكار المؤسسة له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة