أقبية الموت في شبوة.. "مقابر الأحياء" تطارد إخوان اليمن
من أقبية الموت الإخوانية في محافظة شبوة جنوبي اليمن، تفوح رائحة أربع سنوات قبضوا فيها على المحافظة النفظية.
فها هي دماء وأرواح وأجساد اليمنيين التي استباحتها القوات الخاصة التابعة لحزب الإصلاح (فرع الإخوان باليمن)، تتنفس الحرية وتشق طريقها من الثقوب السوداء إلى سجلات المنظمات الحقوقية تمهيدا للملاحقة القانونية الدولية.
توثيقٌ يأتي بعد نحو شهر ونصف على كسر محافظة شبوة، المنظومة العسكرية والأمنية لحزب الإصلاح بقيادة عبدربه لعكب الشريف الذي قاد تمردا فاشلا انتهى به بالهروب إلى محافظة مأرب.
لكن ورغم ذلك، ما زالت مطالبات الضحايا وتقارير المنظمات الحقوقية تلاحق ذراع الإخوان وتفتش عن الدلائل والبراهين وشهادات المغدورين ممن تعرضوا للتعذيب في سجون الإخوان السرية بشبوة، تمهيدا لملاحقة الإخوان قضائيا في اليمن والأمم المتحدة.
آخر هذه التقارير الحقوقية، هو الذي أطلقته "الشبكة المدنية للإعلام وحقوق الإنسان" في اليمن، وهي منظمة حقوقية وإعلامية غير حكومية، مؤخرا، وقد فضح أساليب التعذيب في سجون الإخوان السرية بشبوة، وجسّد الحقيقة التي حاول الإخوان طمسها طيلة حكمهم للمحافظة.
ويسلط التقرير المعنون بـ"السجون السرية في محافظة شبوة.. أدوات الموت الأكثر رعبا" الضوء على 4 أعوام سوداء (23 أغسطس/آب 2019 إلى أغسطس/آب 2022) وصمت عهد الإخوان في هذه المحافظة.
ويركز التقرير على القيادي في تنظيم الإخوان محمد صالح بن عديو الذي عُين محافظا لشبوة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وأطيح به في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى جانب عبدربه لعكب قائد القوات الخاصة السابق الذي أُقيل من منصبه الشهر الماضي قبل أن يشعل فتنة سرعان ما ارتدت سهامها عليه.
9 سجون مظلمة
التقرير وثق أيضا الانتهاكات في السجون السرية للقوات الخاصة التابعة لحزب الإصلاح، والتي غُيب فيها عشرات اليمنيين ممن تعرضوا للتعذيب والعنف النفسي والجسدي واللفظي، وما زالت آثار جراحها مفتوحة في ذاكرة وقلوب الضحايا لزمن طويل.
وفي مدينة عتق عاصمة المحافظة وحدها، رصد التقرير الحقوقي، وجود أكثر من سبعة سجون، من بينها "معسكر الشهداء" الأكثر اكتظاظا بالمعتقلين ويقع في مقر قيادة القوات الخاصة، و"الأمن السياسي"، و"مفرق الصعيد"، و"قوات النجدة"، و"شعبة الاستخبارات"، و"البحث الجنائي".
كما وثق عددا من السجون السرية في مديريـة عزان بينها اثنان في معسكر الخرمة وجميعها تخضع لسيطرة القوات الخاصة بقيادة عبدر ربه لعكب.
وداخل أروقة ودهاليز السجون السرية التابعة للقوات الخاصـة تعرض المعتقلون لمختلف أنـواع وأساليب التعذيب القاسية والمهينة كالضرب بالعصي، والركل بالهراوات والأدوات المعدنية، والحرق، والحرمان مـن النـوم والطعام والماء لساعات طويلة.
كما تعرضوا للتعليق بالحبال أو السلاسل الحديدية، والوقوف لساعات عـلى علب الفـول أو الفاصوليا، والرش بالماء الساخن الملوث، والصعق بالكهرباء.
ناهيك عن وضع المعتقلين في زنازين مظلمـة تحـت الأرض لا تدخلها التهوية تسمى (الضغاطة) وغيرهـا مـن أساليب المعاملة المهينة التي تنتهك كرامة المحتجز، طبقا للتقرير.
أرقام مرعبة
التقرير تضمن رصدا تراكميا للانتهاكات الإخوانية والتي بلغت 700 حالة انتهاك بشكل عام، منها 443 حالة تعذيب طالت كل فئات المجتمع دون استثناء.
وتوزعت تلك الانتهاكات بواقع 262 حالة انتهاك تعرض لها الشباب، و27 حالة طالت الأطفال، بينما لم يسلم كبار السن كذلك من انتهاكات الإخوان من خلال رصد 37 حالة، بالإضافة إلى 17 تعرض لها إعلاميون.
فخلال الفترة من 2019 - 2020 وثق التقرير 298 واقعة، منها 219 حالة اعتقال وتعذيب، و18 حالة قتل، و8 إصابات، و13 حالة اختطاف، و6 حالات استبعاد وظيفـي، و7 حالات تدمير ممتلكات، و12 حالة مداهمـة منـازل، و7 حالات تقييد حرية، و6 حالات تهديد وملاحقة، واستخدام مدارس ومنشآت حكومية ثكنات عسكرية.
أما الفترة من يناير/كانون الثاني 2020- يونيو/حزيران 2021 تم توثيق 136 حالة انتهـاك منها 117 حالة تعذيب واعتقال تعسفي، و3 حالات قتل ومثلها إصابات، و13 حالة اختطاف، و4 حالات استبعاد وظيفي، و5 حالات تدمير ممتلكات.
وفي الفترة من يونيو 2021 - يونيو 2022 تم رصد 265 حالة انتهاك منها 107 حالات تعذيب، و54 حالات قـتـل، و29 إصابة، و21 حالة اختطاف، إلى جانب حالة واحدة استبعاد وظيفـي، و25 حالة استيلاء ممتلكات، وثماني حالات تهديد وملاحقة و20 من ضحايا الألغام.
وأشار التقرير إلى أن القوات الخاصة تعمدت "ممارسة مختلف أنواع التعذيب بحق المعتقلين بما فيها التعذيب المفضي إلى الموت مـن خـلال استخدام العصي والضرب المبرح والصعق الكهربائي ووضع المعتقلين في أماكن ضيقة عديمة التهوية في حر الصيف".
مطالبات بالمحاكمة والتحقيق
ودعا التقرير في توصياته الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية ومجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إدانة الانتهاكات الإخوانية، والعمل عـلى تمكين ضحايا التعذيـب مـن الحصـول عـلى الإنصاف والتعويض العادل وجبر الضرر وإخضاع الجناة للمساءلة.
وفيما أكد أن تلك الجرائم لن تسقط بالتقادم، حمّل قائد القوات الخاصـة السابق عبدربه لعكب الشريف، ومحافظ محافظة شبوة السابق محمد صالح بن عديو، المسؤولية الكاملة عن كل تلك الانتهاكات والجرائم، مطالبا بالتحقيق معهم.
وبالنسبة لآلية مقاضاة مليشيات الإخوان، شدد رئيس الشبكة المدنية للإعلام وحقوق الإنسان في اليمن محمود شائف، على ضرورة تحرك المنظمات الحقوقية لتشكيل لجنة تقصٍ للحقائق على الأرض للوقوف على هذه الجرائم.
وأبدى شائف -في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"- استعداده تزويد القضاة والحقوقيين بالبيانات اللازمة للترافع وفتح ملفات قضائية خاصة بتلك الجرائم والانتهاكات الإخوانية.
وكشف المسؤول الحقوقي عن تزويد المنظمات الدولية في جنيف بشهادات الضحايا بالتزامن مع دورة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من أجل تحريك ملف الانتهاكات إلى جانب تزويده بأدلة مرئية ومكتوبة.
وأكد رئيس الشبكة المدنية للإعلام وحقوق الإنسان، أن ضحايا التعذيب والإخفاء القسري يتعرضون لضغوط تؤثر على حياتهم النفسية والاجتماعية في المستقبل.
وفي هذا الصدد، دعا إلى ضرورة وضع مرتكبي تلك الجرائم في واجهة المطالب المنادية بمحاكمتهم على تلك الانتهاكات التي ارتكبوها بحق اليمنيين.