بقراءة تاريخ هذه الجماعات نجد أنها تأثرت في نشأتها وتكوينها بنشاط قسم الاتصال بالعالم الإسلامي للقيادة المركزية للجماعة.
في عام 1971 أنشأت الجماعة الإسلامية أفرعا مستقلة في جنوب وشرق آسيا بعقيدة مشابهة لجماعة الإخوان المسلمين، أيديولوجية واحدة وإن تعددت التنظيمات أو الأفرع.. ويعتبر أبوالأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب مرجعية فكرية وسياسية لمختلف هذه الأفرع.
ومن خلال قراءة تاريخ هذه الجماعات والأفرع المختلفة، نجد أنها تأثرت في نشأتها وتكوينها بنشاط قسم الاتصال بالعالم الإسلامي للقيادة المركزية للجماعة.
وكان هناك اهتمام ملحوظ بالطلاب الوافدين للدراسة بمصر، لم يقتصر الاهتمام بطلبة جنوب وشرق آسيا، وإنما شمل جميع الطلبة بمن فيهم طلبة الدول العربية والخليج العربي لتشكيل نواة أفكار التنظيم بعد العودة؛ كلٍّ إلى وطنه، التاريخ يؤكد أن هؤلاء الطلبة من حظوا فعلا باهتمام القيادة المركزية للتنظيم "أو المركز العام" هم من شكلوا نواة التنظيم الدولي للإخوان والذي نشهده اليوم .
التنظيمات المسلحة مع اختلاف مسمياتها تعتبر أدبيات قطب مرجعا تستند إليه في صراعها المستمر مع الأنظمة القائمة، وتعتمد على القوة العسكرية لتحقيق الأهداف.
ومن خلال دراسة الهيكل التنظيمي لهذه الأفرع، نجدها قائمة على أسس مركبة شديدة الدقة، وتضم مستويات متعددة تتعلق بالتنظيم المعني بالتجنيد والتكوين العقائدي، فالهيكل مشابه تماما لتنظيم القيادة المركزية للجماعة من حيث وجود مكتب أو مجلس إرشاد أو شورى ومكاتب إدارية ونظم للعضوية العامة والأخوية والعملية والجهادية.
ويقوم التنظيم على العمل من خلال المجتمع كوسيلة للتغيير السياسي أو النفوذ، وهو في الوقت نفسه وسيلة لحماية التنظيم. هذه المنهجية أصبحت واضحة جدا اليوم في المشهد الأفغاني من خلال أنشطة الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية في 34 ولاية.
ومن خلال المشروعات التي تقيمها جمعية الإصلاح كسبت مزيدا من المؤيدين على مختلف توجهاتهم وطبقاتهم وبالأخص القرى الأكثر فقرًا، والتي لم تصلها المساعدات الاقتصادية، وهو سيناريو متكرر في جميع الدول التي ينشط فيها التنظيم.
ومن خلال الأجندة الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الخريطة ذاتها التي تعمل بها الجماعة الأم من حيث الانتشار بين طبقات المجتمع المختلفة، حقق تنظيم إخوان أفغانستان تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة.
وتسعى الجمعية للسيطرة إعلاميا وفكريًّا وأدبيًّا على الشارع الأفغاني، فامتلكت أدوات إعلامية مختلفة، كقناة الإصلاح التلفزيونية ومجلة إصلاح مللي، ومعرفة، وجوان بالبشتو، وبيان الإصلاح، كما يمتلكون إذاعة صوت الإصلاح.
واهتمت الجمعية بتفعيل دور الجمعيات المهنية المختلفة والسيطرة عليها كالمهندسين والأطباء، وأئمة المساجد والخطباء والمزارعين وغيرهم. كل ما سبق يصب في خدمة أهداف الجمعية أو التنظيم سياسيًّا، ولا شك أنه سيتم توظيفها بالوقت المناسب عندما تخوض أي انتخابات مقبلة لكن نجاحها يعتمد أيضا على نوع التحالفات الخارجية أو الداخلية التي ستتشكل، قد تكون إيران لوجود دوائر مشتركة كثيرة تجمعها بالتنظيم، أو حركة طالبان والتي تسيطر على 70% من الأراضي الأفغانية.
من ناحية أخرى، اتسمت التنظيمات الإخوانية وأفرعها المختلفة بتبني "حكم الجاهلية" على المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة، أي مقارنتها بمرحلة ما قبل البعثة النبوية الشريفة، وهو حكم مبالغ فيه جدا ينقض الفكر الإنساني ومنجزاته، وكأنهم أرجعوه إلى نقطة الصفر.
رسائل قطب
"العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها".. ليست دعوة فلسفية فقط وإنما تعتبر مرجعا لتيارات العنف الديني.. أما صالح سرية أحد أبرز المراجع الفقهية والفكرية للتنظيم وصاحب رسائل "الإيمان" فكان يرى أن أنظمة الحكم في جميع بلاد المسلمين بدون استثناء كافرة حتى لو قالوا إنهم مسلمون، وكان يرى أيضا في "رسائل الإيمان" أن المسلم من عادى الحكومات والجهاد هو الوسيلة لتغيير هذه الأنظمة، وهذا ما يستند إليه اليوم الإخوان، والقاعدة، وداعش، والنصرة، وحماس، وأبوسياف وشباب المجاهدين الصومالية، والحوثي، وغيرها من التنظيمات والمليشيات.
وفي قراءة للمشهد العام في جنوب وشرق آسيا، وبناء على تقارير المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب في سنغافورة في عام 2018، فإن انتشار التطرف الديني وغياب الخطاب المعتدل واستباحة الفتوى من الجميع كان له دور كبير في خلق قاعدة صلبة لنمو التنظيمات والتي تعتبر امتدادا لتنظيم الإخوان. بل إن الفهم الخاطئ للنصوص والتعاليم الدينية تعتبر سببا رئيسيا في انحراف فكر هذه الجماعات التكفيرية، والإقدام على القتل وترويع المجتمع قائم على مفاهيم غير صحيحة لا علاقة لها بالإسلام.
وأشارت التقارير إلى أن 63% من مسلمي العالم يعيشون في آسيا والمحيط الهادي، وهم عرضة للاستهداف في ظل غياب دور الأجهزة الدينية والرقابة على المراكز الإسلامية والمساجد.
التنظيم السري والجماعات المتطرفة
تنظيم الإخوان المسلمين يعتمد على القوة العسكرية لتحقيق الأهداف كما جاء في رسائل "الإيمان" وليست فقط مفاهيم في أدبيات، وهي تخالف الإطار القانوني للدول صاحبة السيادة، وبالتالي فإن سرية التنظيم أو ما يعرف بـ"التنظيم الخاص"، والذي تم تشكيله بعيدا عن أعين السلطة المركزية يعتبر موازيا للتنظيم الأساسي ومعنيا بجميع الأنشطة والعمليات العسكرية.
وكما نعلم أن التنظيم الخاص والأجنحة العسكرية -عناصره المتشددة- مارست العنف ضد السلطة أو الرموز السياسية أو المجتمع المدني في الشرق الأوسط أو شرق وجنوب آسيا، واعتمد على القتال والعنف كأداة من أدوات التغيير.
وفي مطلع الثمانينيات شهدت إندونيسيا صعودًا لنشاط غير اعتيادي للإخوان في الجامعات سعت من خلالها لتكوين هياكل شبه سرية للتجنيد والتهيئة السياسية، منها حركة تربية كحركة إسلامية اجتماعية ساعدت في ترجمة كتب الإخوان المسلمين إلى اللغة الإندونيسية، مما أسهم في نشر أيديولوجية قطب والبنا. وفي عام 2000 اجتمع نحو 1800 شخص وأعلنوا عن تأسيس مجلس المجاهدين في ظهور علني، وبذلك دخلت إندونيسيا عشرية من التفجيرات المتتالية كتفجير السفارة الفلبينية والكنائس والمدارس والمطاعم والفنادق، وكان أشهرها تفجير بالي عام 2002.
وفي مايو 2018 عانت مدينة سورابايا الإندونيسية خمس هجمات في يوم واحد، الأمر الذي أثار صدمة ومفاجئة لكل من يراقب المشهد العام في إندونيسيا، حيث إن جميع التفجيرات الخمس تم تنفيذها من قبل عائلتين، وكان ضمن مجموعة التنفيذ أطفال صغار. ظهور هذا النوع من "الإرهاب الأسري" أصبح مقلقا جدا ليس فقط في جنوب شرق آسيا، وإنما في العالم بأسره وهو تطور جديد تشهده المنطقة. أما معركة مراوي في عام 2017 فتعتبر أهم تطور للإرهاب في جنوب شرق آسيا منذ تفجيرات بالي، لم يكن يتوقع أن يسيطر الإرهاب على مدينة كبيرة في الفلبين لنصف عام.
المعركة أظهرت أن جنوب الفلبين مع حدودها المليئة بالثغرات، والسيطرة الحكومية الهشة على مساحات كبيرة من الأراضي، هو الموقع المثالي في المنطقة لتدريب مقاتلي التنظيمات والأجنحة العسكرية، وبالتالي زيادة العمليات الرئيسية.
إذا كان داعش في سوريا والعراق يعاني من سلسلة من الهزائم العسكرية، يبدو الفلبين أحد المسارح الجديدة الواعدة للنشاط الإرهابي في منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بالإضافة إلى أفغانستان واليمن بلا شك.
المعركة كما قرأنا أدت إلى نزوح أكثر من 300.000 مدني لا يملكون إلا القليل أو لا شيء ولا يعودون إلى أي مكان، حيث أصبحت المدينة تشبه كومة من الأنقاض. قد يستغل الدمار الذي نتج عن الحرب الشاملة ضد الإرهابيين وعدم إعادة الإعمار إلى الآن، إلى خلق نوع من السخط من المدنيين ضد الحكومة، وبالتالي الدفع بهم نحو المزيد من التطرف العنيف.
من خلال قراءة أحداث الفترة الأخيرة بدأت الجماعات الأكثر تطرفا في الظهور بقوة على الساحة وهي تيارات آخذة بالصعود تسعى نحو التجنيد باستغلال العامل الاقتصادي السيئ لدى معظم شرائح المجتمع، مما قد يجعل إندونيسيا والفلبين مقبلة على حالة من الصراع والتوتر، وقد يتكرر سيناريو العشرية مرة أخرى أو بالي أو مراوي.
في خضم كل هذه التطورات تسعى إندونيسيا والفلبين إلى بذل جهود حثيثة لمنع المزيد من العمليات الإرهابية ومحاربة الجماعات التي تسعى إلى زعزعة استقرار النسيج الاجتماعي.
في بنجلاديش اتهمت الحكومة برئاسة الشيخة حسينة واجد قادة الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب تحت دعوة محاكمة من تسبب في المذابح التي تعرض لها الحزب الحاكم، وتم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة قادة الجماعة وفق قانون خاص أطلقت عليه قانون المحكمة الدولية للفصل في قضايا جرائم الحرب عام 1971 والتي حكمت في يناير 2014 علي رئيس الجماعة مطيع الرحمن نظامي و13 آخرين بالإعدام بالإضافة إلى سجن 3000 عنصر ينتمي للجماعة. وقامت الحكومة بإجراءات صارمة تجاه التنظيم، وذلك بإغلاق مكاتبها ومصادرة جميع الممتلكات واعتبار الانتماء له جريمة يعاقب عليها القانون.
والآن تواجه الجماعة الإسلامية في بنجلاديش موقفا صعبا في ظل سياسية الحكومة والذي يرتكز على تحجيم التنظيم والقضاء على أفراده في مؤسسات وأجهزة الدولة، كما يواجه اتهامات بعلاقات مشبوهة بالقاعدة وجماعات إرهابية أخرى نشطة في مناطق مجاورة تشكل خطرا على استقرار النظام العام بالجمهورية.
هناك دول أخرى أدرجت الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية كروسيا في يوليو 2006، ومصر في ديسمبر 2013، والإمارات العربية المتحدة في فبراير 2014، تلتها المملكة العربية السعودية في مارس 2014.
إلا أن سوريا عام 1982 كانت أول دولة عربية تأخذ هذه الخطوة وتصنف الجماعة بالإرهابية.. منظمة "معاهد الأمن الجماعي" والتي تضم بالإضافة إلى روسيا، كلا من بيلاروسيا، وأرمينيا، وقرغيزيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، أصدرت قرارا بتوسيع قائمة المنظمات الإرهابية إلى 31 منظمة لتشمل جماعة الإخوان.. بالتالي فإن هذه الدول جميعا لديها مجموعة من القوانين والتشريعات الصارمة على كل من يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى وكل من يمول أنشطتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة