في كل مرة يتابع المرء، صدفة أو تعمداً، إعلام جماعة الإخوان التقليدي وما يقدمه على شبكات التواصل تجاه مصر، والقائم عليه أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى، تتأكد لديه كل الملاحظات المتعلقة بأدائه والسابق عرض وتحليل بعضها عبر شهور.
وهذه المرة يتعلق الموضوع بواحد من أبرز مقدمي برامج إعلام الإخوان وربما هو الأكبر سناً والأقدم خبرة بينهم في هذا المجال ومجالات أخرى فنية وثقافية.
وبالتالي، فمن المفترض أن يكون المضمون الذي يبثه من لديه هذه الصفات، متمتعاً بالدقة الممكنة والموضوعية الضرورية، ولا نقول الحياد، فهو بالقطع أمر غير متوافر لديه.
إلا أن "ديدن" إعلام الإخوان كله يظل هو المسيطر على كل القائمين عليه، بغض النظر عن اختلاف الأسماء والخبرات والخلفيات والمنصات وأماكن الإقامة والبث، فتلتصق بهم جميعاً كل الملامح والخصائص السابق عرض البعض منها وتحليلها في هذا المقام.
ولما كان الهدف "الأسمى" والدائم لإعلام الإخوان هو السعي بكل السبل المتاحة من أجل التخلص من نظام الحكم في مصر وعودة الجماعة للاستيلاء عليه، بعد أن أسقطها المصريون بثورتهم العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013، فإن السبيل المفضل لديهم للوصول لهذا، هو السعي لتحريض الشعب المصري على هذا النظام واستخدام كل الأدوات، خصوصاً غير المشروعة ولا المهنية ولا الأخلاقية، للوصول إليه.
في هذا السياق، أتي تعليق أكبرهم وأقدمهم هذا على بدء دورة الألعاب الأوليمبية رقم 33 في باريس، ليقحم اسم مصر فيها بالطريقة المعتادة من إعلام الإخوان، التي تتسم بكل شيء عدا الصدق والمهنية.
بدون معلومات تقريباً، أو بمعرفة بها مع حرص على تجاهلها، كان التعليق بسيطاً ومباشراً وملحاً: لماذا ترسل مصر بعثة أولمبية إلى باريس من نحو 135 رياضياً، وتنفق عليهم ملايين الجنيهات والدولارات، بينما مصر تفشل دوماً في كل الألعاب الأولمبية، وآخرها في طوكيو عام 2021، ولم تحصل فيها سوى على 6 ميداليات فقط؟
ولكي يكتمل المشهد التحريضي، تمت الإشارة إلى عدد الميداليات التي حصلت عليها الولايات المتحدة في نفس الدورة وهو 113 ميدالية، وعقدت مقارنة غير مفهومة بين الدولتين. وبدا واضحاً، بل فاضحاً، الهدف من هذه الصياغة، فهو دائماً تحريض المصريين على نظام حكمهم، واستغلال أوضاعهم الاقتصادية – الاجتماعية للوصول لهذا.
بهذا الجهل أو هذا الغرض تمت صياغة العبارات التي تلخص منهج الإعلام كله منذ انطلاقه. وأما الحقائق التي أخفاها الجهل أو الغرض، فإن أولها هي أن مصر كانت الدولة العربية الأولى التي تشارك في الألعاب الأولمبية في ستوكهولم عام 1912.
وأما الحقيقة الثانية، فهي أن إجمالي الميداليات التي حصلت عليها كل الدول العربية التي شاركت في الألعاب الأولمبية منذ هذا التاريخ، قد بلغ 129 ميدالية، وكانت مصر هي الأولى بعدد 38 ميدالية، يليها المغرب بعدد 24، ثم الجزائر بعدد 17، ثم تونس بعدد 15، أي أن مصر قد حصلت على نحو 30% من إجمالي الميداليات العربية الأولمبية.
وتتبين الحقيقة الثالثة من دورة طوكيو نفسها التي ساقها مقدم البرنامج كدليل على الفشل المصري، حيث حصلت مصر بالفعل على 6 ميداليات، ولكن من إجمالي عدد 18 ميدالية حصلت عليها 9 دول عربية، أي بنسبة تزيد على 33% منها، وهذا هو العدد الأكبر في تاريخ مشاركات مصر الأولمبية وكذلك لكل المشاركات العربية في كل دورات الأولمبياد.
ويكتمل الجهل أو الغرض بحقيقة رابعة، وهي أنه لا مجال للمقارنة بين مصر والولايات المتحدة في عدد الميداليات الأولمبية، بل وبين الأخيرة وأي دولة في العالم وعلى مدار التاريخ الأولمبي. فقد بلغ إجمالي الميداليات الأولمبية التي حصلت عليها الولايات المتحدة 2629، تليها روسيا بعدد 1624، ثم ألمانيا بعدد 1386، وأخيراً بريطانيا بعدد 916 ميدالية. أي أن عدد الميداليات الأمريكية يزيد على ما لدى روسيا بأكثر من 1000 ميدالية ويبلغ ضعف ما حصلت عليه ألمانيا وثلاثة أضعاف ما لدى بريطانيا.
تأتي الحقيقة الخامسة المؤكدة للجهل أو الغرض من دورة طوكيو نفسها. فقد تنافس فيها رياضيون منتمون إلى 205 دول ولجان أولمبية تنافسوا على 1080 ميدالية، وكان من بين الدول المتقدمة والكبيرة التي حصلت مثل مصر على 6 ميداليات فقط كل من بلغاريا وهونغ كونغ، بينما لم يصل لعدد 7 ميداليات سوى عدد قليل من الدول مثل الهند، والنمسا، وبلجيكا، وبيلاروسيا، وإيران. ومن بين نفس نوعية تلك الدول، حصل عدد منها على 5 ميداليات فقط ومن بينها، إندونيسيا، وسلوفينيا، وكولومبيا، بينما حصل على 4 ميداليات فقط دول مثل اليونان، وإيرلندا، والبرتغال، وإسرائيل وأوغندا، واليونان، والمكسيك، والفلبين، وغيرها. وحصلت دولتان كبيرتان بكل المعاني على 3 ميداليات فقط، وهما: جنوب أفريقيا والأرجنتين.
أما التفسير لكل هذا فليس فقط هو الحقائق الثابتة، بل هو الجهل أو الغرض، أو اجتماع الاثنين معاً فيما يطلق عليه تجاوزاً "إعلام" الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة