إخوان تونس ودم البراهمي.. «عباءة الذئب» لا تعفي من الذنب

سارعوا بالتدثر بعباءة الذئب مُقسمين بأغلظ الأيمان ببراءتهم من دم محمد البراهمي، متناسين أن الذنب لا يتحمله المنفذ لوحده.
هذا ما يفعله إخوان تونس، الجماعة التي تحاول جاهدة التنصل من مسؤوليتها في اغتيال السياسي القومي أمام منزله قبل 12 عاما.
إخوان تونس والتآمر على أمنها.. افتراءات لـ«إنقاذ» القيادات
فبعد الحكم بالاعدام على قتلة البراهمي، سارعت حركة النهضة الإخوانية بنشر بيان تزعم فيه براءتها من عملية الاغتيال.
وادعت الحركة في بيانها الصادر الخميس أنها "كانت أكبر متضرّر من الاغتيالات السياسية، وهي التي طالبت مرارا بالتعجيل بالبتّ في هذه القضايا خاصة أنّ العناصر الإجرامية التي خططت ونفّذت عمليات الاغتيال تم القبض عليها في وقت وجيز عندما كانت الحركة مشاركة في الحكومة".
ودعت "القضاء بالتّسريع في البتِّ في القضايا التي رفعتها بحق من تعمّد تشويهها وإلقاء التهم الباطلة جزافا على قياداتها"، متناسية حجم جرائمها.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن قضية اغتيال البراهمي تنقسم إلى عدة ملفات، وهي مجموعة التنفيذ، والرصد والاستقطاب، والجهاز السري (للإخوان)، ومجموعة التخطيط.
وأجمعوا على أن حركة النهضة ليست بريئة من دم البراهمي، متهمين إياها بالتخطيط والتنفيذ بالوكالة، أي بأيادي تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور.
بصمات
يقول محسن النابتي، الناطق الرسمي لحزب التيار الشعبي في تونس إن «مصطفى خضر القيادي بحركة النهضة (هارب خارج البلاد) هو رأس الجهاز السري للإخوان المتورط في عملية الاغتيال وهو ما أثبته القضاء».
وأضاف النابتي، في تصريح لـ«العين الإخبارية»، أن الملف مفكك ويتكون من أكثر من قضية وملف، لافتا إلى أن «القضية الأولى هي محاسبة مجموعة التنفيذ وهو ما تحقق يوم الثلاثاء بالحكم بالاعدام على ثمانية من عناصر تنظيم أنصار الشريعة المحظور».
وأوضح أن «من أخفى وثيقة المخابرات الأمريكية سيحاسب ومن قصّر ومن تواطأ ومن حرض ومن سهل عملية هروب القتلة كلهم مدانون وسيحاسبون».
وبحسب النابتي، فإن «الملف قذع خطوة محترمة»، قائلا إن "المرحلة الصعبة في قضية الاغتيال مازالت إلى حد الآن لم تكشف للتونسيين لكنها كشفت أمام القضاء».
ولفت إلى أن «التونسيين سيعرفون أي إجرام وقع في بلادهم وما حدث بوزارة الداخلية وكيف تم استعمالها خلال حكم النهضة من خلال دس عناصر بداخلها لتسهيل عمليات الاغتيال وتسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر».
وحسب وسائل إعلام محلية، فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أرسلت وثيقة إلى تونس تتضمن تحذيرا بإمكانية استهداف المعارض محمد البراهمي، وذلك في 15 يوليو/تموز 2013، أي قبل 10 أيام فقط من تنفيذ العملية.
وسبق أن اعترف وزير الداخلية التونسي الأسبق لطفي بن جدو بأن الوزارة كانت على علم مسبق بعملية الاغتيال، من خلال امتلاكها وثيقة وردت إليها من وكالة استخبارات أجنبية قبل الحادثة بـ11 يوماً.
وفي 25 يوليو/تموز 2013 استُهدف محمد البراهمي مؤسس حزب التيار الشعبي بـ14 طلقة نارية أمام منزله بضواحي العاصمة، 6 منها اخترقت الجانب العلوي من جسده، و8 طلقات أصابت قدمه اليسرى، في حادثة مروعة جرت على مرأى ومسمع من زوجته وأبنائه.
ومطلقا النار كانا يستقلان دراجة نارية واستعملا مسدسا من عيار 9 ملم، وكشفت التحقيقات إثر ذلك أنهما إرهابيان يُدعيان أبوبكر الحكيم ولطفي الزين، وينتميان إلى تنظيم يُسمى "أنصار الشريعة" المحظور.
الجهاز السري
من جهة أخرى، قالت عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ايمان قزارة، إن الجهاز السري للإخوان هو الجهة المدبّرة لاغتيال البراهمي، متهمة زعيم الإخوان راشد الغنوشي بالوقوف وراء العملية.
وأكدت قزازة، في تصريح لـ«العين الإخبارية»، أن ملف الجهاز السري، الذي مثل بشأنه أمام القضاء 37 شخصا، وجهت لهم 18 تهمة، من بينهم رئيس الحكومة السابق الاخواني علي العريض والغنوشي ومحمد الغمري، وهو وسيط بين قيادات سلفية تابعة لتنظيم «أنصار الشريعة» المحظور وحركة النهضة.
وأشارت إلى أن هذه القرائن مثبتة في محاضر الجلسات والرسائل الموجودة في الهواتف لهؤلاء الثلاثة.
ولفتت قزارة إلى ورود شهادات للمحكمة لأشخاص نشطوا مع «أنصار الشريعة»، تحدثوا فيها عن الفترة التي قضوها في التنظيم وكيف كانت حركة النهضة تمكنهم من أموال طائلة للقيام بعدة مهام منها إيصال المؤن للجبال والتنسيق في مختلف الملفات تتعلق بأشخاص وأسلحة ومخططات.
وأشارت إلى أن «ملف الجهاز السري تضمن حججا كتابية تفيد بأنه اخترق أجهزة الدولة، وارتكب جرائم في حق الدولة».
وأكدت أن عبد العزيز الدغسني، هو واحد من أهم قيادات حركة النهضة، كما أنه صهر زعيمها راشد الغنوشي (زوج ابنة أخ الغنوشي)، وهو مسؤول عن إدارة الجهاز السري».
وتابعت: «سبق أن تقدمت بوثائق وأدلة إلى القضاء ومعطيات إلى رئاسة الجمهورية، تثبت علاقته بهذا الجهاز وتؤكد أنّه أحد عناصره، كما تظهر دوره المحوري في تشكيل هذا الجهاز وكذلك إخفاء الوثائق التي تدين وتوّرط حزب النهضة».
مكونات
يتكون هذا الجهاز من وجوه إخوانية وقيادية بحركة النهضة من بينهم مصطفى خذر (خارج البلاد)، وهشام شريب، وشرف الدين كريسعان، وخالد التريكي، والطاهر بوبحري، وقيس بكار، وبلحسن النقاش، وعلي الفرشيشي (موقوفين).
كما يضم أيضا كمال العيفي (هرب خارج البلاد ومستقر بماليزيا)، ورضا الباروني (هارب خارج البلاد)، والعروسي بن ابراهيم، وسليمان عويس، وتمام اصبعي.
بالإضافة إلى قيادات أمنية مثل رئيس المخابرات التونسية الأسبق محرز الزواري (موقوف) وفتحي البلدي رجل الظل، وهو حاليا في السجن (شكل الجهاز الأمني الموازي)، وسمير الحناشي (في السجن).
وفي 2022، تولت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس فتح تحقيق شمل جميع الأسماء المذكورة.
وسبق أن اعترف لطفي بن جدو، وزير الداخلية التونسي الأسبق، بأن حركة النهضة تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في تونس، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4 آلاف مكالمة في نفس الوقت وعادةً ما تنتقل في سيارات مغلقة.
كما تشير معلومات كشفت عنها هيئة الدفاع عن البراهمي سابقا إلى طبيعة عمل الجهاز السري للإخوان، الذي يضم جهازا استخباراتيا داخل الدولة يتألف من 21 ألف عنصر دُمجوا
aXA6IDMuMTQxLjI0LjE1OCA= جزيرة ام اند امز