"شيخة" إخوان تونس.. مخلب "سافر" لدحر الديمقراطية
جماعة الدم تستخدم سعاد عبد الرحيم كوجه دعائي لسيدة عصرية، تروج بها لنفسها أمام التونسيين.
فازت مرشحة إخوان تونس، سعاد عبد الرحيم، بمنصب شيخ أو رئيس بلدية المدينة، أمام منافسها مرشح حزب «نداء تونس»، كمال إيدير، لتدخل البلاد مرحلة أخرى من مناورات الجماعات المتطرفة.
حرارة الطقس في ذلك اليوم الحزين الذي شيعت فيه تونس قبسا آخر من آمال تحررها من حكم الإخوان على الأقل على مستوى البلديات، لم تكن أكثر حرارة من الأجواء التي جرت فيها عملية التصويت، ببلدية العاصمة التونسية، بحضور 60 عضوا بلديا منتخبا.
سعاد عبد الرحيم (54 عاما)، المقنعة بحداثة زائفة.. يقول عنها أبناء جيلها وحتى رفاقها من المستقلين، ممن أسست معهم أيام كانت طالبة، الاتحاد العام التونسي للطلبة، إنها تقف في منطقة رمادية تجعل من الصعب التعرف على حقيقة توجهها.
الورقة النشاز
فحين تنظر إليها شكلا، فلن تجد فيها ما يدل على سقوطها في جب الإسلامويين.. فتاة غير محجبة، عصرية الملابس، تضع مكياجا خفيفا، وتبدو منطلقة متحررة غير مدثرة بسواد الإخوان.
لكنها تعرف، في المقابل، بذكائها الشديد، وهذا ما يمكن أن يكون دفعها لأن تكون «الورقة النشاز» في مراحل ما من حياتها.
الأولى حين كانت عضوة بالمكتب التنفيذي الأول والثاني للاتحاد العام التونسي للطلبة (عقب تأسيسه)، والثانية عقب الاحتجاجات التونسية عام 2011، حين ساهمت مع زملائها السابقين باتحاد الطلبة، في تأسيس "رابطة قدماء الاتحاد العام التونسي للطلبة".
اعتقد كثيرون أن المرأة لن تعلن انتماءها العضوي لفرع الإخوان بالبلاد، لكنها عادت فجأة إلى واجهة المشهد، لتعلن العام الماضي التحاقها بالمكتب السياسي لحزب الإخوان بتونس.
دهاء وانتهازية
حصول إخوان تونس على ورقة جديدة على خارطة القرار السياسي بالبلاد أرجعه محللون كثر إلى «انتهازية» الديمقراطيين والليبراليين والعلمانيين مقابل نوع من الدهاء والخبث الذي يعتمده الإخوان للتغلغل أكثر ما يمكن في مراكز القرار، وفي مفاصل الدولة.
فاز الإخوان في 3 من أكبر وأبرز المدن التونسية، وهي العاصمة تونس، وصفاقس (جنوب)، وبنزرت (شمال)، ما يعني أنهم باتوا الحاكم الفعلي على المستوى المحلي لأهم مراكز القرار الداخلي.
أبرم إخوان تونس مع سعاد عقدا (بالمعنى المجازي)، حصلت هي بمقتضاه على مركز تضيفه بفخر لسيرتها الذاتية، وتفتح به أبواب التدرج في المناصب.
فيما حصلت جماعة الدم على وجه دعائي «غير محجب» وسيدة عصرية، تروج بها لنفسها أمام التونسيين الذين يدركون جيدا أن عباءة المدنية التي تدعيها الحركة الإخوانية ليست سوى تكتيك استراتيجي مرحلي، تنتهجه في انتظار التكشير عن مخالبها حين تستفرد بالحكم.
دهاء الإخوان وانتهازية بعض الديمقراطيين والليبراليين، منحت الأوائل صكا على بياض للانقضاض على أبرز مفاصل القرار المحلي بالبلاد، في استعراض ملغم بنوايا يدرك بعض التونسيين حقيقتها الصادمة، فيما يجهل ذلك البعض الآخر.
اللافت أن إخوان الشر أدركوا الوهن والارتباك الحاصل في صفوف بعض الأحزاب الديمقراطية، واستفادوا من الانشقاقات.. اشتروا أصواتا وباعوا ذمما، وزرعوا عيونهم في معظم الأحزاب ومفاصل الدولة.. أحكموا لعبتهم القذرة، وفصول مسرحيتهم على الشعب التونسي.
نفوا عن أنفسهم أنهم حركة دعوية، وادعوا الحداثة تماشيا مع النمط المجتمعي التونسي.. ادعوا إيمانهم بتحرر المرأة، فازدحم المكتب السياسي والتنفيذي للحركة ونوابها، بنساء تحول جلهن إلى ندرة للتونسيين لجهلهن وقلة وعيهن وثقافتهن.
أراد التونسيون المساواة في الإرث بين النساء والرجال، فترك الإخوان الأمر للبرلمان ليحسم في تقرير لجنة رئاسية حول الحقوق الفردية والمساواة.
لغة الأرقام
من المفارقات المؤسفة في عملية الانتخاب، أن عبد الرحيم استفادت من أصوات من النداء الذي فضل حالة التشرذم والتشتت والحرب على مواقع القيادة بدل تركيز جهوده على بناء كيان سياسي منضبط.
وبالعودة إلى فوز عبد الرحيم، تشير الأرقام إلى أنها فازت بـ 26 صوتا مقابل 22 لمنافسها، فيما حصل مرشح التيار الديمقراطي على 8 أصوات، ومرشح الجبهة الشعبية على 4.
وبلغة الأرقام، لو تحالف النداء مع التيار الديمقراطي لفاز مرشحه بكل سهولة حاصدا 30 صوتا، غير أن الحزب خذل قواعده التي تعلق عليه آمال قيادة مشروع تحديثي في مواجهة حركة شرهة للهيمنة وترسيخ مشروعها الظلامي.
مراقبون يتحدثون عن اختراق النداء من قبل الإخوان.. والإخوان يتقدمون بسرعة مخيفة في الهيمنة على مفاصل القرار، في سيناريو مشؤوم ينذر بأن السموم الإخوانية عقب الانتخابات البلدية ليست سوى «بروفة» للرئاسية المقررة في 2019، وسط مخاوف من أن تتحول تونس إلى مرتع للظلاميين.
طرح أسود لا يستبعد المطلعون على الشأن المحلي أن يضع البلاد على شفا فترة قاتمة شبيهة بتلك التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وارتكب خلالها إخوان البلد الأخير مجازر بشعة بحق المدنيين الأبرياء.
فاتورة باهظة سيدفعها التونسيون مقابل سقوطهم بفخ الإخوان، وتصديقهم أن الإخوان يمكن أن يكونوا ديمقراطيين أو حداثيين.
aXA6IDMuMTQxLjMwLjIzNCA= جزيرة ام اند امز