في ظل متابعتنا التحليلية لإعلام جماعة الإخوان سواء التقليدي أو على شبكات التواصل الاجتماعي تجاه مصر والموجه ضدها من خارجها
والذي يقوم به أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى متحالفة معها، نركز اليوم أكثر على الإعلام التلفزيوني التقليدي، والذي تبثه قنوات تابعة لذلك الإعلام معروفة للكافة بتوجهاتها.
والشيء الملفت الأول في هذا الإعلام التلفزيوني الذي يسير ويساير كل الدعاية السياسية للإخوان بأهدافها وجوهرها، هو أنه يشمل عدداً محدداً معروفاً من القنوات التي تبث من عدة بلدان، كلها خارج العالم العربي، منها قناتان معروفة الدول التي تبث منها، والباقيات لا يعلن منهما ولا يعرف لمشاهديهم الأماكن التي يبثون منها. والحجة شبه المعلنة من القائمين على تلك القنوات "مجهولة المصدر"، هو أنهم يخشون الملاحقة القانونية والسياسية لهم من السلطات المصرية لدى حكومات الدول التي يبثونها منها، بما قد يؤدي لإيقافها. ويشير إخفاء مصدر البث لتلك القنوات إلى ثلاثة أمور على الأقل. الأول، أن حصار إعلام الجماعة قد زاد بالفعل وأنها باتت خصوصاً بعد المصالحات المصرية -القطرية والتركية- تتلفت حولها خشية الإغلاق القادم لإحدى قنواتها.
وهنا يظهر الأمر الثاني المهم، وهو أن الجماعة قد أدركت أخيراً وبعد "شهر عسل" زائف عاشت فيه ازدهار إعلامها على أنقاض علاقات الدول المتدهورة، أن المصالح الحقيقية والجوهرية هي التي تحكم هذه العلاقات، وأن الجماعة وإعلامها لا تشكل سوى واحدة من الأدوات الصغيرة التي تستخدم في الضغوط بين الدول للوصول لمصالحها، وسرعان ما يتم إلقاؤها إلى حيث يجب أن تكون عندما ينتهي الغرض منها. أما الأمر الثالث فهو أن إعلام الجماعة يرتكب في بثه التلفزيوني التقليدي دوماً مخالفات وأخطاء وجرائم تجاه الآخرين، وبالأخص الدولة المصرية ومسؤوليها ورموز مختلف مجالاتها، مما يضعه والقائمين عليه في موضع الاتهام وفقاً لقوانين الدول التي يبث منها، والتي تعاقب على السب والقذف والتشهير والاختلاق، وهو ما يتيح للسلطات القانونية والدبلوماسية المصرية الأدوات التي تتيح لها ملاحقة ذلك الإعلام في الدول التي يبث منها دعايته السوداء.
وعندما ننتقل إلى شكل شاشات هذا الإعلام التلفزيوني للجماعة والملتحقة بهم، توضح المتابعة المدققة له، أنه يرتكز في إحدى القنوات على شخصين فقط يقدم كل منهما برنامجاً، وفي قناة أخرى على ثلاثة برامج يقدم أحدها شخصان بالتناوب والآخر شخصان معاً والثالث يقدمه شخص واحد. وتخلو القناة الثانية سوى من برنامج واحد يقدمه شخص واحد، بينما يوجد في قناة أخرى برنامجان يقدم كل منهما شخص واحد. الخلاصة الرقمية للبرامج لكل هذا الإعلام التلفزيوني هي ثمانية برامج فقط، يقدمهم عشرة أشخاص، وذلك بالطبع في الأسبوع الواحد، وبالطبع لن نعود لنحلل ما سبق لنا تحليله في المقالات السابقة حول مضمون وأداء هؤلاء الأشخاص وتلك البرامج وطبيعة موادها ونوعية ضيوفها وطرق تقديمها وترويجها للدعاية الإخوانية السوداء وأكاذيبها المسمومة، ولكننا سنقتصر على ملاحظة واحدة جوهرية تتعلق بإدراك هذا الإعلام والقائمين عليه للواقع وتعاملهم معه.
فقد بلغ انفصال هذا الإعلام وأصحابه عن الواقع إلى حد يصعب تصديقه، فما يسعى إليه معلناً وبإلحاح هو إسقاط الحكم في مصر وتحريض شعبها على الثورة عليه، لكي تعود الجماعة للاستيلاء عليه، يتخيل هذا الإعلام أن البلد العربي الأكبر والمتراكم التكوين منذ آلاف السنين بشعبه العريق ونخبه المتميزة ودولته الأقدم على وجه الأرض يمكن زلزلته وإسقاط الحكم به عبر ثمانية برامج وعشرة مذيعين تبث من قنوات تلفزيونية، اثنتين منها على الأقل مجهولة المصدر الجغرافي.
لا شك أن علماء النفس وحدهم هم القادرون على منحنا التفسير والمسمى الحقيقيون لهذا التصور والانفصال التام عن الواقع، فهل يساعدنا أحدهم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة