ذاكرة العرب لم تنسَ بعد مآسي الصراعات التي سيطرت على أجزاء من العالم العربي لعقود من الزمن.
سواء تلك النزاعات التي حدثت داخل منظومة الدول العربية نفسها، أم مع دول الجوار غير العربية الطامعة في النفوذ والثروة، وأيضاً ما أفرزته بعض السياسات الخاطئة من الدول العظمى تجاه المنطقة الطامحة لصون مصالحها ولو على حساب مصالح الإقليم وشعوبه.
في مدينة جدة غربي المملكة العربية السعودية "بيت العرب"، تعقد يوم الجمعة المقبل القمة العربية الـ 32 على مستوى قادة الدول العربية.
ويمكن القول إن هذه القمة ذات أهمية استثنائية، إذ تنعقد في ظل متغيّرات مفصلية على الصعيدين العربي والإقليمي، وجهود كبيرة في تهدئة الصراعات وتوجيه نزاعاتها لتصب في صالح الجميع في المنطقة.
وبالتأكيد هذه التطورات ستكون انعكاساتها حاضرة في أجندة قمة جدة، بما يشكّل تحولاً مهماً في مسيرة العمل العربي المشترك.
لعلّ أبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع السابقة للقمة هو الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية.
التسويات الكبرى لا تعني انتهاء النزاعات، بل تعني التهدئة والعمل على المصالح المشتركة، وتحصيل المكاسب لجميع الأطراف، فعندما توّجه هذه الصراعات الدامية إلى تنافس على التقدم والتنمية، فذلك يعتبر تحولا تاريخيا لن تنساه المنطقة وشعوبها، حين يرسم لها مستقبلاً مشرقاً بعيداً عن الحروب التي أنهكتها.
وهذا الحدث لن يخدم فقط الرياض وطهران، بل سيكون له تأثيره على تحقيق أمن واستقرار المنطقة ككل، وسيكون له انعكاسات إيجابية على بؤر التوتر في العالم العربي.
هذه التغييرات الجارية في المنطقة اليوم لا يمكن أن تغض الطرف عن سوريا واقعاً ومستقبلاً.
الإمارات كانت قد بدأت العمل على استعادة سوريا للصف العربي، وقامت السعودية بجهد كبير لتقريب وجهات النظر مع الأشقاء العرب لتحقيق هذه العودة.
وقد استعادت سوريا موقعها في المحيط العربي بقرار وزراء الخارجية العرب يوم الأحد الماضي، لتعود دمشق إلى مقعدها بجامعة الدول العربية بعد انقطاع دام أكثر من عقد من الزمن، وقد تلقى الرئيس السوري بشار الأسد دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لحضور قمة جدة حسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية لتكون هذه القمة بداية عودة دمشق الفعلية للصفّ العربي.
الأزمة في السودان ستكون حاضرة على طاولة قمة جدة.. ما بذلته السعودية والإمارات بالتعاون مع الحليف الأمريكي من جهود كبرى لاحتواء ما يمكن احتواؤه قبل فوات الأوان وتجاوب طرفي الصراع للتحاور في جدة أمرٌ مشجع بحد ذاته، ولعلّ جميع الفرقاء السودانيين يغلّبون الحكمة وضبط النفس لإيجاد خريطة طريق للسيطرة على تطورات الموقف هناك.
وفي اليمن، وبعد سنوات من الصراعات الدامية، بدأت ملامح خارطة طريق لحل مرضٍ لكل الأطراف اليمنية، وانطلقت المفاوضات وتبادل الأسرى، والكل متفائل بهذه المؤشرات الإيجابية لإيجاد مخرج لهذه الأزمة يعيد بناء اليمن السعيد من جديد.
الدول العربية قادرة على طي صفحات الماضي، وبدء مرحلة جديدة مختلفة تماماً، تتسم بالتنسيق الحقيقي وتناغم الأهداف ووحدة الغايات والتضامن الفعلي والوقوف صفاً واحداً لصناعة مستقبل جديدٍ للمنطقة بعيداً عن الاستقطابات الدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة