يحلم بالإليزيه.. وزير الداخلية الفرنسي يهدد بتقسيم أقصى اليمين

يخوض وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو حملة انتخابية ليصبح الزعيم القادم لحزب الجمهوريين (يمين الوسط) الذي هيمن في السابق على الساحة السياسية على أمل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى رئاسة البلاد بعد عامين.
ويوم السبت المقبل سيختار 100 ألف من أعضاء حزب الجمهوريين زعيمهم الجديد حيث منحت الأجواء الحماسية في الجولات الانتخابية لريتايو الأمل في أن الحزب وجد أخيرًا من يستطيع تحدي مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني (أقصى اليمين) والذي قد يكون بإمكانه الوصول إلى قصر الإليزيه، وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وفي تصريحات لـ"بوليتيكو"، قال مسؤول في الحملة الانتخابية طلب عدم الكشف عن هويته "لم نشهد هذا القدر من الحماس منذ عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي".
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة بعد أقل من عامين، يحلم الجمهوريون بالعودة إلى السلطة خلف مرشح يدمج الليبرالية الاقتصادية مع سياسة مناهضة للهجرة، تُشبه إلى حد كبير سياسة التجمع الوطني.
وحاليا، يبدو ريتايو هو ذلك الرجل، المستعد للاستفادة من تحول فرنسا وأوروبا نحو اليمين لكنه شخصية غامضة فهذا الرجل الكاثوليكي المتدين، البالغ من العمر 64 عامًا، الذي يرتدي نظارة طبية، قضى سنوات في المقاعد الخلفية في البرلمان.
وفي كل مرة يصعد فيها إلى المسرح كمناضل ثقافي متحمس، يتخلى عن شخصيته المثقفة والباحثة، وهو أمر ليس مستغربا مع سجله الحافل في التمثيل والتنكر.
في عام 1978، عندما كان ريتايو مراهقًا شغوفًا بركوب الخيل، تطوّع للمشاركة في عرض أُقيم في بلدة ليه إيبيس الصغيرة، على بُعد بضعة كيلومترات من مسقط رأسه ونظمه شاب يُدعى فيليب دي فيلييه في "بوي دي فو" الذي أصبح لاحقا متنزها وطنيا ترفيهيا يجذب الآن ملايين الزوار سنويًا.
وكان العرض نقطة البداية في علاقة دي فيلييه وريتايو حيث كمّل الاثنان بعضهما بشكل رائع وشكلا لاحقا رابطة مهنية وسياسية وشخصية امتدت لعقود وصلا خلالها إلى أعلى المناصب السياسية الفرنسية.
في عام 1986، تولى دي فيلييه منصب نائب وزير الثقافة وتبعه ريتايو في عالم السياسة بعد عامين عندما فاز بمقعد في مجلس فيندي قبل أن يتولى في العام التالي رئاسة متنزه بوي دو فو.
ولسنوات، عمل دي فيلييه وريتايو معًا بشكل جيد في إدارة حركة من أجل فرنسا، وهي حزب صغير دافع عن السيادة الوطنية والتشكك في أوروبا، بالإضافة إلى حظر الهجرة وزواج المثليين وذلك خلال محاولتي دي فيلييه الرئاسيتين الفاشلتين عامي 1995 و2007.
لكن الطموح مزق علاقة الرجلين ففي 2009، كان رئيس الوزراء آنذاك، فرنسوا فيون، العضو في حزب الجمهوريين، يتطلع إلى ريتايو (عضو مجلس الشيوخ الفرنسي آنذاك) لتولي منصب وزاري لكن دي فيلييه، الذي كان لا يزال يلملم جراحه بعد حصوله بالكاد على 2% من الأصوات في حملة رئاسية كارثية لم يستطع تقبّل نجاح تلميذه وعارض بشدة الترشيح.
أعقب ذلك خلاف علني وتخلى ريتايو عن "حركة من أجل فرنسا" مشيرًا إلى خلافات استراتيجية، وانضم إلى حزب الجمهوريين عام 2011 ليشغل في النهاية منصب نائب فيون في حملته الرئاسية الفاشلة عام 2017.
ووفقا لباتريك لويس، العضو السابق في البرلمان الأوروبي والأمين العام لحركة "من أجل فرنسا" فإن تغيير حزب ريتايو لم يعن بالضرورة تغييرًا في معتقداته وقال "تكمن أعظم نقاط قوة ريتايو في استرشاده بفلسفة سياسية.. ما زلت أعتقد أنه يشاركنا عقليتنا حيث ندعم المشروعات الحرة، لكننا محافظون نعتقد أن المجتمع يجب أن يظل متجذرًا في تقاليده، ويجب الحفاظ على الجودة الثقافية".
ورغم النجاح الذي حققه ساركوزي فإن حزب الجمهوريين فقد أهميته في العقد الذي تلا ذلك، حيث استقطب برنامج ماكرون الوسطي المؤيد للأعمال العديد من ناخبيه المعتدلين، في حين استقطبت لوبان والتجمع الوطني أعضاء الحركة الأكثر ميلاً إلى اليمين.
وفي الصيف الماضي، بدأت الأمور تتحسن فجأة عندما عاد حزب الجمهوريين، على نحوٍ ما، إلى الحكومة بعد انتخابات مبكرة أسفرت عن برلمان معلق حيث أبرم المحافظون اتفاقًا مع معسكر ماكرون لتشكيل ائتلاف ومنع تحالف اليسار الفائز في الانتخابات من تشكيل حكومة.
وعيّن ماكرون ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي بدوره اختار ريتايو وزيرًا للداخلية الذي حصل أخيرا على مكانه في دائرة الضوء.
وفي الأشهر التالية، ارتفعت شعبية ريتايو ارتفاعًا هائلاً، وهو ما أرجعه لويس إلى أصالة وزير الداخلية.
وبفضل تصريحاته المثيرة مثل دعوته لحظر الحجاب الإسلامي في الألعاب الرياضية وإعادة النظر في حق المواطنة بالولادة، وأن "هناك أيضًا أوقاتًا سعيدة" خلال استعمار فرنسا لأفريقيا تصدر ريتايو عناوين الصحف منذ توليه منصب وزير الداخلية.
لكن هذه الاستراتيجية ليست خالية من المخاطر، فقد تعرض ريتايو لانتقادات شديدة بعد تباطؤه في الرد على مقتل رجل مسلم طعنًا في مسجد في فرنسا الشهر الماضي، مما أثار انتقادات حتى من داخل معسكره.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز ريتايو في سباق قيادة حزب الجمهوريين وأن يدفع الحزب إلى عمق اليمين فيما يتعلق بقضايا الهجرة والحرب الثقافية ومع ذلك، لا يعتبره التجمع الوطني تهديدًا عندما يحين وقت السباق إلى الإليزيه.
وقال أحد أقرب حلفاء لوبان، طلب عدم الكشف عن هويته: "لا يوجد جمهور ناخب حقيقي لريتايو" وأضاف "سيبدو متطرفًا جدًا في نظر ناخبي ماكرون، ولن يحظى بمصداقية كافية لكسب تأييدنا".
وأظهر استطلاع رأي أجرته شركة "أوداكسا" في أواخر أبريل/نيسان الماضي أن ريتايو سيحصل على 10% من الأصوات في الجولة الأولى من سباق الإليزيه.
ورغم أن هذه النتيجة أفضل من نتائج المرشحة السابقة للجمهوريين، فاليري بيكريس، التي حصلت على 4.8% فقط من الأصوات في انتخابات 2022، لكن مع حصول لوبان على 31.5%، وحصول رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب على 20%، ما زالت آمال ريتايو الرئاسية ضئيلة.