«العين الإخبارية» تتقصى وضع معسكر اليمين الفرنسي بعد إطلالة لوبان

مع إطلالتها مطلع الشهر الجاري، ثبّتت زعيمة أقصى اليمين بفرنسا، مارين لوبان، قيادتها للتيار، لكنها كرّست التوترات التي تعصف به.
وفي ظل الظهور العلني خلال تجمع الأول من مايو/أيار في مدينة ناربون، وما رافقه من تأكيد لوبان الصريح أنها لا تنوي تسليم الشعلة الرئاسية لجوردان بارديلا، أُثيرت تساؤلات حاسمة حول انعكاسات هذا الخطاب على تماسك معسكر أقصى اليمين داخل فرنسا، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2027.
ورأى محللون سياسيون أن خطاب لوبان لا يمكن قراءته فقط بوصفه تثبيتًا للقيادة، بل هو أيضًا إشارة واضحة إلى وجود توتر داخلي بين ما بات يُعرف بـ"الجيل القديم" و"الجيل الصاعد" في حزب "التجمع الوطني".
تأكيد الزعامة أم إنكار الخلاف؟
من جانبه، قال برونو كورتييه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس الثانية ورئيس معهد الدراسات السياسية، لـ"العين الإخبارية"، إن "مارين لوبان لا تُنكر وجود طموحات لدى بارديلا، لكنها تسعى إلى ضبط الإيقاع وتوحيد الصف عبر رسائل صريحة تُعيد تراتبية السلطة داخل الحزب".
ورأى كورتييه أن الصورة الثنائية المعروضة خلال المؤتمر، تزامنًا مع تصريحات لويس أليو الذي قال بوضوح: "مارين للرئاسة، جوردان للحركة"، تعكس محاولة واعية لتفادي الانقسامات، لكنها تكشف في الوقت ذاته أن التوازن بين الزعيمين ليس مستقرًا تمامًا.
وفي نهاية مارس/آذار الماضي، أصدرت محكمة فرنسية حكمًا بإدانة زعيمة أقصى اليمين في قضية اختلاس أموال عامة، مع حرمانها من الأهلية لمدة 5 سنوات. ويشكّل هذا الحكم انتكاسة لمسيرة لوبان السياسية، وسقطة كبيرة في جهود حزبها لتلميع صورته.
من جهته، قال دومينيك رينيه، مدير مؤسسة الأبحاث السياسية الليبرالية المحافظة، لـ"العين الإخبارية"، إن "التوقيت الذي اختارته لوبان لتأكيد نيتها الترشح مجددًا، بعد حكم قضائي يقضي بمنعها من الترشح، يُعد دلالة على أنها تريد تحدي الرأي العام والمؤسسة القضائية، وفي الوقت ذاته قطع الطريق أمام أي تصعيد داخلي قد يقوده بارديلا أو داعموه".
وأضاف: "ماكرون نفسه واجه تمردًا من داخل حركته في مراحل سابقة، ولوبان تسعى الآن لإجهاض أي تمرد مشابه مبكرًا".
انقسام محتمل؟
يرجّح كورتييه أن "التوترات داخل التجمع الوطني لن تصل إلى حد الانقسام المفتوح في الوقت الراهن، خاصة أن بارديلا لا يزال وفيًا بشكل علني للوبان. لكن استمرار حالة الغموض بشأن المستقبل، مع تعقّد الوضع القانوني للوبان، قد يدفع الجناح الشاب في الحزب للمطالبة بمساحة أوسع من التأثير، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام ناعم، وليس بالضرورة انشقاقًا تقليديًا".
أما رينيه، فيعتقد أن "الجيل الجديد داخل أقصى اليمين الفرنسي، المتأثر بخطاب بارديلا الوطني الأوروبي، قد يشعر بأنه رهينة طموحات لوبان العائلية، التي تسعى للحفاظ على سيطرتها على الحزب لعقود متتالية، وهو ما قد يُغذي خلافات طويلة الأمد تظهر بوضوح في خضم الحملة الرئاسية".
رسالة لمعسكر اليمين
واعتبر رينيه أن رسائل لوبان موجّهة في المقام الأول للداخل الحزبي، لكنها تحمل أيضًا رسالة أوسع لمجمل اليمين الفرنسي: "القيادة لا تزال في يد لوبان، والرهان الانتخابي لم يُحسم بعد".
وتابع: "هذا النوع من الرسائل قد يُربك تنسيق الجبهة اليمينية الموسعة، التي يُفترض أن تجمع بين بارديلا، إريك زيمور، وحتى بعض المتمردين من الجمهوريين في مواجهة مرشح محتمل للوسط أو اليسار".
كما رأى أن رسائل مارين لوبان في ناربون تُظهر من جهة تمسّكها العلني بالقيادة واستعدادها للمعركة الانتخابية المقبلة، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن هشاشة الهيكل الداخلي للحزب، الذي لم يعد يتّسم بالتماسك الكامل، خاصة مع صعود شخصيات شابة مثل بارديلا.
ووفقًا للباحث السياسي الفرنسي دومينيك رينيه، فإن الحديث عن انقسام حاد قد يكون سابقًا لأوانه، لكن استمرار هذا النوع من التصريحات، دون إدارة استراتيجية واضحة لعلاقة القيادة بين لوبان وبارديلا، قد يؤدي إلى تصدّع داخلي تدريجي يظهر في الانتخابات المقبلة أو في مواقف الحزب إزاء ملفات حساسة كالهجرة، والاقتصاد، والسياسة الخارجية.
aXA6IDMuMTQzLjIwMy4yMjMg جزيرة ام اند امز