"الأجنة".. ضحايا خفية للحرب في سوريا
مع استمرار الصراع السوري وتدمير عدد كبير من المستشفيات وقتل عدد أكبر من الأطباء أو إجبارهم على الفرار، تواجه الحوامل مخاطر صحية.
قبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كان أطباء متخصصون يشاركون في ما يقدر بـ96% من عمليات الولادة في البلاد، لكن بعد مرور ما يزيد عن 6 سنوات من الصراع السوري، وتدمير عدد كبير من المستشفيات وقتل عدد أكبر من الأطباء أو إجبارهم على الفرار، أصبحت "أجنة سوريا" ضحايا المعركة غير المرئيين في بطون أمهاتهم.
وفي تصريحات لشبكة فوكس نيوز الأمريكية، قال الطبيب السوري، خالد المليجي، الذي يجمع تبرعات لبناء مؤسسة طبية تحت الأرض في إدلب، تعرف باسم مستشفى ابن سينا للنساء والأطفال: "اضطرت معظم الطبيبات إلى مغادرة البلد، كانت هناك مخاوف من ذهابهن إلى المستشفيات وركوب المواصلات إذا وجدت".
وأضاف أن معظم الانتباه في وسائل الإعلام عادة ما يحظى به الضحايا والأشخاص المتضررين من الحرب في سوريا، وللأسف لا يمكن رؤية هذه الأجنة في بطون أمهاتهم، وستستمر معاناتهم وأمهاتهم طالما لا يتم تقديم الرعاية الكافية لهم.
ويدعي نشطاء المعارضة السورية أن مستشفيات الأطفال والنساء والولادة كانت مستهدفة على وجه الخصوص منذ اندلاع الصراع.
من جانبه قال الدكتور منير حكيمي، رئيس هيئة الإغاثة السورية، إن طبيعة هذه الهجمات المثيرة للاشمئزاز ترقى إلى حد جرائم الحرب، ولأن اختيار الولادة في مستشفى أو مؤسسة طبية يعرض الأم والطفل إلى خطر الموت أو الإصابة بسبب هجمات النظام السوري أو حلفائه، تبذل السيدات قصارى جهودهن للولادة طبيعيا في منازلهن.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، تتطلب 40% من حالات الولادة في سوريا، عمليات قيصرية، وهي نسبة أكبر من 3 إلى 5 مرات ما كان عليه الوضع قبل الحرب، وحاليا تتم العمليات القيصرية في سوريا في ظروف بدائية جدا، وعندما سألت فوكس نيوز عن أكثر شيء يحتاج إليه الأطباء، قال أحدهم للشبكة "مصابيح يدوية"، حيث يحاولون توليد الأمهات في الظلام لتجنب تحديد أماكنهم وقصفها جويا.
وحتى إذا لم يتم قصف المنشأة الطبية أثناء عملية الولادة، وكان لدى الفريق الطبي كشافات ضوئية، عادة ما تتعرض الأمهات إلى آلام مبرحة، ففي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مثل إدلب وحمص لا يوجد تخدير كافٍ لإجراء عمليات لمن فقدوا أطرافهم، ناهيك عن السيدات اللاتي يلدن.
فوكس نيوز أجرت مقابلات مع بعض سكان مدينة حمص السورية، لمعرفة المزيد عن هذه الحالة الإنسانية، وقال أحد الآباء الشباب إنه يسمع صرخات مدوية لأصدقائه الذين يخضعون لعمليات بتر دون تخدير أو أدوية لتسكين الألم، ويصف صرخات السيدات اللاتي يلدن بأنها أكثر شدة ووجعا.
ويمتد تأثير الحرب على الحوامل وأطفالهن إلى خارج سوريا، ففي جارتها لبنان على سبيل المثال، ارتفع معدل العمليات القيصرية إلى 50%. وسبب كبير في حدوث ذلك هو استمرار سيطرة الخوف على الحوامل من اللاجئات السوريات من الخضوع إلى عملية ولادة طبيعية غير محدد لها تاريخ.
لكن للعمليات القيصرية مخاطر أيضا، حسب منظمة الصحة العالمية، وعلى رأسها العدوى لا سيما بين السيدات اللاتي يتعرضن لظروف صحية سيئة أو يفتقرن إلى الرعاية قبل الولادة، علاوة على أن العمليات القيصرية التي لا حاجة لها ربما تتسبب في أعباء مادية على المريضات وعائلاتهن.
وعن ذلك تقول إحدى الجدات السوريات التي تعيش في إحدى مخيمات اللاجئين في شمال العراق، إن زوجة ابنها كانت حاملا عندما فرت العائلة من سوريا في 2015، وإنها انتظرت كثيرا بعد ما حان موعد ولادتها وكان الطفل عالقا وليس لديهم أموال كافية لأخذها إلى المستشفى، مضيفة أنهم باعوا كل شيء لديهم من ذهب وطعام حتى يتمكنوا من الذهاب إلى مستشفى خاص، وتمت ولادة الطفل بسلام في النهاية.
وبخلاف ارتفاع نسبة العمليات القيصرية واستهداف المستشفيات المزعوم، هناك أيضا مشكلات في الولادة الطبيعية في المنازل، حيث عادة ما يكون المشرفون عليها غير مدربين بشكل جيد.
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات كافية حول معدلات الوفاة، يقول عديد من الأطباء ومنظمات الإغاثة إن هناك ارتفاعا في معدلات التعقيدات الطبية أثناء الولادة، ومن ثم زيادة وفيات الأمهات والأطفال، فضلا عن زيادة عدد الأطفال المبتسرين وولادة أطفال أوزانهم قليلة، والإجهاض الذي يأتي نتيجة مباشرة للخوف والصدمة من الحرب الدائرة في سوريا.
فوكس نيوز قالت إن منظمة "أنقذوا الأطفال Save the Children"، تقدم الرعاية اللازمة في 8 مؤسسات طبية في شمال غرب سوريا، مع تركيزها على الصحة الإنجابية واللقاحات، لكن يزداد الأمر تحديا يوما بعد يوم.
وتطرقت الشبكة أيضا إلى زيادة معدلات العنف الجنسي ضد السيدات نتيجة الصراع السوري، ما يتسبب في بعض الأحيان في الحمل في أطفال غير مرغوب فيهم. وتعلم السيدات القريبات أو البعيدات من ميادين المعارك جيدا أنهن لن يكن قادرات على توفير رعاية ملائمة لهؤلاء الأطفال، ولأن تكاليف الإجهاض مرتفعة في سوريا، فضلا عن عدم شرعيتها، تلجأ بعض الأمهات إلى طرق خطيرة لإنهاء حملهن.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن هناك ارتفاعا ملحوظا في محاولات الإجهاض الذي تأخذ فيه الحوامل حبوبا معينة أو يلجأن إلى طرق مميتة أخرى للتخلص من الأجنة.
وفي 2012، وهو العام الثاني من الحرب السورية، تمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من توزيع حوالي 1.5 مليون من حبوب منع الحمل، و21 ألف واقي ذكري و100 ألف وسيلة أخرى لمنع الحمل، لمساعدة السوريات المتضررات من الحرب والعنف الجنسي، لكن أصبحت الشحنات متقطعة مع احتدام المعركة، وأصبح من الصعب على المنظمات الأجنبية الوصول إلى من يحتاجون إليها.
aXA6IDMuMTI5LjY5LjEzNCA= جزيرة ام اند امز