إن المشهد الكارثي اليوم في المنطقة، يمكن اختزاله حتى الآن من خلال مفردات لغوية، تأخذنا نحو جحرِ مجهول في الضاحية الجنوبية لبيروت، يخاطب منه الإرهابي حسن نصر الله زعيم مليشيا حزب الله أنصاره.
وكهفٍ معروف في صعدة شمال اليمن يخطب منه الإرهابي عبدالملك الحوثي أحياناً، ونفقٌ غامض في قطاع غزة، تبحث عنه إسرائيل لتجد يحيى السنوار مهندس أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقد يضيف المتتبع للأخبار إلى كل ذلك، جرف الصخر في العراق، وهي منطقة عسكرية مغلقة، تسيطر عليها مليشيات موالية لإيران، و في تلك المنطقة المرعبة، سجون سرية ومخازن أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة، لا علم حتى للحكومة العراقية بها، ولا يسمح كذلك لأي وزير عراقي بدخولها.
وفي ظل استباحة الحرس الثوري الإيراني لأوطان عربية، تحت شعار {المقاومة والممانعة}، ينتاب الحزن أفئدة الملايين من السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين، الذين يتطلعون لخلاص دولهم من نير احتلال المليشيات وسطوة الجماعات المسلحة، التي أسقطت مفهوم الدولة الوطنية، وقضت على أحلام الصغار والكبار بمستقبل أكثر أمناً
وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها أقوى دولة في العالم، تحولت وزارة الدفاع فيها {البنتاغون} إلى مرصد إخباري، يحصي عدد الهجمات على القوات الأمريكية، وينشر البيانات الرسمية على استحياء، لشرح كيفية الاستهدافات وطبيعتها.
ولعل العرب العقلاء يسألون بصوت عالٍ: هل قدر هذه المنطقة الحيوية أن تُقاد إلى مصير الهلاك من جحرٍ وجرفٍ ونفقٍ وكهف؟، هل هناك أي بارقة أمل تغير هذا السيناريو العبثي غير العابئ بحاجات الشعوب ومتطلباتهم من عيش كريم وخدمات وتعليم وتربية لأولادهم؟
وفي مقابل ذلك، متى تصغي إسرائيل لمطالب الشرق والغرب حول ضرورة وقف العدوان على مدنيي غزة؟، والتفكير جدياً بالشراكة مع الفلسطينيين من أجل قيام دولة مستقلة لهم ذات سيادة ومعترف بحدودها التي كفلتها القرارات الدولية الكثيرة.
كل ذلك الواقع المأساوي الذي يراه الجميع، هو حصيلة تراخٍ غربيٍ موثق في التعاطي الجدي مع أزمات المنطقة، وعدم القدرة على مواجهة التحديات السياسية والأمنية، من خلال الشراكة الفعلية مع الدول العربية الفاعلة والأكثر استقراراً كدول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية والإمارات.
فمن شبه المؤكد لأي مراقب، أن الدبلوماسية العربية الخليجية لطالما حذرت المجتمع الدولي من الانزلاق لمستويات خطيرة من العنف في الشرق الأوسط، مالم تتم تسوية النزاعات التي تسببت بها طهران وتل أبيب، وهاهو رئيس المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليم بيرنز في مقاله الأخير يعترف بكل ذلك، ويصادق عليه بالأدلة، ليبقى السؤال المطروح: ماهي الخطوة القادمة؟
ومن الطبيعي أن تفضل الشعوب العربية المتضررة خيار اللجوء إلى قيادة النظام العربي عبر قادة حكماء ونخب متعلمة وليس أصحاب الجحور والأنفاق والكهوف، فالمواطن العربي يشاهد النهضة العظيمة في السعودية، والتطور الكبير والدائم في الإمارات، وغيرها من دول عربية مستقرة وقوية، وفي الوقت نفسه يتطلع الإنسان في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن والسودان لحياة كريمة، وليس النظر إلى وطنه كـ وليمة تداعت عليها المليشيات وتحكمت بمصيره جماعات أدمنت على الشعارات والعنتريات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة