منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي راهن "حزب الله" عندما باشر في مناوشاته القوات الإسرائيلية.
فإذا انفجرت حرب بين "حزب الله" وإسرائيل، ستكون قاسية جدا. ثمة إجماع من المراقبين على أنها ستكون مدمرة للغاية. فالطرفان يمتلكان قدرات عسكرية كبيرة وشديدة الأذى وقادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالخصم.
في هذا السياق، نحن نعرف أن "حزب الله" يمتلك قدرات صاروخية كبيرة جدا مقارنة بباقي الفصائل الإيرانية في العراق أو اليمن. هذه القدرات معروفة من قبل إسرائيل والقوى الغربية الكبرى. يُحكى عن أكثر من ١٠٠ ألف صاروخ متنوع بأقل تقدير، بينها ما يقارب ٥ آلاف صاروخ دقيق، إضافة إلى قدرات تكتيكية للقيام بهجمات خلف الحدود اللبنانية إلى منطقة الجليل الأعلى.
في المقابل، لا حاجة لنا للتذكير بقدرات إسرائيل العسكرية والتدميرية. فالتفوق الجوي حاسم، والتفوق التكنولوجي حاسم أيضا. والدعم الغربي لا سيما الأمريكي سيكون على الموعد، خصوصا أن "حزب الله" هو الطرف الذي بادر في ٨ أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى تسخين الجبهة مع إسرائيل بمناوشات عسكرية سرعان ما تحولت إلى اشتباكات عنيفة وحرب استنزاف للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية.
وبالتالي فإن "حزب الله" مشمول بالتهديد الأمريكي الاستراتيجي القائل إنه إذا تدخل طرف ثالث في حرب غزة ضد إسرائيل، سيجد أمامه الولايات المتحدة. طبعا لم تؤثر حرب الاستنزاف من لبنان على مسار العمليات العسكرية في قطاع غزة.
استمرت الحرب، وتوسعت التوغلات البرية الإسرائيلية في كل اتجاه. ومن الناحية العملية يمكن القول إن الجيش الإسرائيلي وعلى الرغم من أنه تعرض لخسائر فادحة في الحرب، وقد جُوبه ولا يزال حتى اليوم بمقاومة عنيفة جدا من قبل حركة "حماس" والفصائل الأخرى، فإن مآل الحرب النهائي واضح. فالقطاع سيسقط وإن بقيت داخله جيوب مقاومة منتشرة بين الشمال والوسط والجنوب. إنما من الناحية الاستراتيجية فقطاع غزة سيسقط عسكريا، وسيكون بوسع الإسرائيليين أن يغيروا خلال الأسابيع المقبلة تكتيكهم العسكري.
فستتراجع الضربات الجوية العنيفة والمدمرة تحل مكانها بشكل عام عمليات "جراحية" لاستهداف الجيوب المقاومة. بمعنى آخر ستصبح الحرب منخفضة الوتيرة مقارنة بالحرب في الأشهر الأربعة الأولى. وأي حل سياسي لإنهاء الحرب بالكامل سيتضمن بين بنوده مسألة إخراج قيادة "حماس" من القطاع وتشكيل حكومة "مهمة" غير سياسية تطوي صفحة حكم "حماس" في القطاع.
لكن ما يهمنا في هذا المقال هو جبهة لبنان مع إسرائيل التي تشهد ارتفاعا مطردا في عنف المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل. وفي الأيام القليلة الماضية رفع الحزب المذكور مستوى الأسلحة التي يستخدمها كالصواريخ ذات القدرات التدميرية الأكبر، أو الأسلحة الصاروخية الدقيقة الموجهة نحو البلدات والمواقع الإسرائيلية على عمق ٥ كيلومترات من الحدود. وكان قد سبق للإسرائيليين أن رفعوا من مستوى عنف الضربات ضد "حزب الله".
وتمكنوا من اصطياد العديد من قيادات الحزب ومقاتليه خارج مسرح العمليات المباشرة، ودمروا مربعات سكنية في القرى الحدودية. وتزيد أعداد المنازل التي دمرت بشكل كامل على الـ200، ومعها أكثر من ٦ آلاف منزل تضرر. والأهم أن مستوى النزوح من المناطق اللبنانية في الجنوب تجاوز الـ١٠٠ ألف شخص.
ما تقدم يمثل جزءا من الأضرار المباشرة للمناوشات بين "حزب الله" وإسرائيل. فما بالكم لو اشتعلت حرب مفتوحة؟ بالتأكيد سيكون الأمر أكثر دراماتيكية، خصوصا أن إسرائيل تعرف ماهية قدرات "حزب الله". وهدفها المعلن هو إخراج قوات الحزب المذكور من منطقة عمليات القوات الدولية "اليونيفيل" حتى عمق ٤٠ كيلومترا من الحدود المشتركة مع لبنان.
لكن العنصر الذي يقلق المراقبين اليوم هو ارتفاع منسوب ضخ المعلومات من إسرائيل، حول الاستعدادات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية. وبالفعل بدأت الصحافة الإسرائيلية من بينها صحيفة معاريف في الترويج لقرب إعلان إسرائيل الحرب على "حزب الله".
والسبب في ذلك أن "حزب الله" أعطاها كل الذرائع لشن حرب لتغيير الواقع على الحدود الشمالية. إضافة إلى أن جزءا من المستوى السياسي الإسرائيلي معني بتوسيع الحرب نحو الشمال، بما يفسح للجيش المجال لمواصلة العملية البرية في غزة بحرية أكبر، وبعيدا عن الأضواء، لأن غبار الحرب مع "حزب الله" سيحجبها بشكل كبير.
خلاصة القول إن فصول حرب غزة لم تنته بعد. وكل الأنظار شاخصة الآن نحو لبنان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة