بدأ العام الجديد وتغيرت في الأعوام الثلاثة السابقة في المشهد الإقليمي والعالمي ثوابت كثيرة كانت مستقرة لوقت طويل.
وراح العالم ومعه الإقليم يدخلان في مرحلة جديدة للغاية، اختلفت فيها المشاهد وتبلورت ملامح جديدة، وراحت الصورة النهائية تتضح شيئاً فشيئاً.
ومع هذه الملامح الآخذة في التشكل لعالم وإقليم جديدين، دخلت جماعة الإخوان وإعلامها المتعدد خارج مصر عامها الحادي عشر من التيه، ومن الاضطراب الهائل بعد أن طردها الشعب المصري من الحكم والمجتمع بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013، بعد نحو عام ونصف العام من الاستيلاء على حكم البلاد.
ويبدو واضحاً من تتبع تحركات وبيانات وتصريحات فروع الجماعة خارج مصر، التي أصبحت على الأقل ثلاثة، ومن ملاحظة إعلامها متعدد الوسائل من تقليدية وإلكترونية، أن رؤية الجماعة وإعلامها لمصر وحكمها وللعالم والإقليم، لم تتأثر مطلقاً بكل ما شهدته مصر والعالم والإقليم من تغيرات كبرى وحاسمة خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ولا يزال الكثير منها مستمراً ولم ينتهِ بعد.
فمع نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020، شهد العالم كله الجائحة الأكبر في تاريخه الحديث منذ وباء الأنفلونزا الإسبانية في العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وهي جائحة فيروس كورونا، الذي أصاب بمتحوراته المتعددة أكثر من نصف مليار شخص حول العالم، وأفضى إلى وفاة ما لا يقل عن 15 مليون إنسان منذ بدء الجائحة.
ولم تكن الجائحة مجرد تحدٍّ صحي للعالم كله، بل أسهمت والإجراءات التي اتبعتها الدول لمواجهتها وحصارها، في تغيير مشهد العالم مما كان يظن أنه "قرية عالمية" واحدة، إلى حيث أصبح عالماً مفكك الأطراف منعزلاً عن بعضه بصورة غير مسبوقة منذ عقود طويلة، وراح الركود الاقتصادي يجتاح مختلف اقتصادات دوله، وتقطعت سلاسل التجارة والإمداد بينها خوفاً من العدوى، وراحت الآثار الاقتصادية السلبية تتراكم على هذه الاقتصادات حتى اليوم، وعلى رأسها التضخم والركود والتراجع الشديد في معدلات نموها السنوي.
ومع مرور عامين فقط على بدء الجائحة ومساعي العالم كله الحثيثة لتجاوز آثارها، أتت الضربة الثانية الكبرى بتحرك الجيش الروسي إلى داخل أوكرانيا، حيث بدأت الحرب التي لم تنتهِ حتى اليوم.
وبدت الحرب منذ لحظاتها الأولى كحرب عالمية بين روسيا ومعها بعض الحلفاء المعلنين والمستترين، وبين الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي ومعهما عدد آخر من دول العالم الدائرة في فلك التحالف الغربي.
وتداعت، وحتى اليوم، آثار هذه الحرب الاقتصادية والغذائية والعسكرية والسياسية والتجارية والمتعلقة بالطاقة وإمداداتها، بما غيّر كثيراً من علاقات الدول وأشكال التحالفات القائمة بالفعل وأسس لتحالفات جديدة.
وفي ظل هذه الحرب، والسعي غير الغربي لتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، أتت التحركات الكثيفة لمجموعة بريكس لتوسيع عضويتها التي وصلت إلى 11 دولة بدلاً من 5 فقط، وراحت تطور خطط تطورها بعيداً عن آفاق المؤسسات والتحالفات الاقتصادية والمالية الغربية.
وأثناء كل هذا، شهد الإقليم تحركات شديدة الكثافة في العامين السابقين، من مصالحات واسعة بين الدول الرئيسية فيه، عربية وغير عربية، ومن مؤتمرات متعددة الأطراف بين الدول العربية وفاعلين عالميين رئيسيين من خارج الإطار الغربي، مثل الصين وروسيا، وغير هذا من إعادة تشكيل للعلاقات بداخل الإقليم وبين دوله، وبين هذه الأخيرة ودول العالم الرئيسية.
وأتى الربع الأخير من العام المنصرم بالحدث الأخطر في الإقليم منذ سنوات طويلة، وهو الحرب الإسرائيلية الدموية المتواصلة على قطاع غزة، التي لا تزال آثارها شديدة الخطورة تتداعى على الإقليم كله وتهدد العالم بمخاطر غابت عنه طويلاً.
في ظل كل هذه التغيرات الحاسمة والخطيرة على مدار السنوات الثلاث وحتى اليوم، تبدو جماعة الإخوان وإعلامها منفصلين تماماً عن العالم، ولا يشعرون بأي من هذه التغيرات سواء في العالم أو بداخل الإقليم وبين دوله وتجمعاته.
واصلت الجماعة وإعلامها ما اعتادا عليه طوال إحدى عشر سنة منذ فرار أفرادها من مصر، نفس القضايا ونفس المصطلحات ونفس الطروحات ونفس الضيوف ونفس التوقعات الخائبة ونفس طرق التزييف والتحريض... إلخ، وكأن شيئاً جديداً لم يحدث لا في العالم ولا في الإقليم ولا في مصر طوال تلك السنوات، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة.
إنها جماعة وإعلامها منفصلان نفسياً عن الواقع المحيط الذي يهدر بالتغيير، وكمون مرضي في قوقعة في قاع بحر الوهم والخيال، وليس من إدراك ولا قدرة على الربط بين ما يجري في هذا الواقع وبين ما هم عليه، إنها حالة عصية على الفهم بعلوم السياسة ولكن ربما تفيد في فهمها علوم إنسانية أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة