العلاقات الطبيعية التي تربط كلَّ بلدٍ بمحيطه أو بإقليمه متنوعةٌ ومتعددة بتعدد المجالات وأواصر الارتباط في بناء شبكة متصلة تقومُ على مبدأ رسم العلاقة بين الدول المختلفة من بوابة سياسية ودبلوماسية..
فكيف إذا كانت هذه البلاد مرتبطةً ارتباطاً عضوياً؛ قومياً ودينياً وتاريخياً ولغوياً؟ وإذا كانت الشعوب مرتبطةً برباط الدم الوثيق؟ فالاختلاف السياسي في هذه الحالة لا يُفسدُ للود قضيةً، ولا سيّما إذا ما ارتبطت هذه الخلافات بسياسة حكيمةٍ مثل السياسة الإماراتية التي قامت وما زالت - منذ أن وضع لبنتها الأولى المغفورُ لهُ (الشيخُ زايد) طيَّب اللهُ ثراه - على مبدأ الباب المفتوح والصدر الواسع أمام كل خطوةٍ من شأنها لم الشمل العربي أو من شأنها تضميد جراح الشقيق المكلوم.
فليس من المستغرب من السياسة الإماراتية أن تعيد فتح سفارتها في دمشق، فدولة الإمارات حتى في مرحلة غياب السفارة لم تغب عن سوريا بمشاركتها آلامها ومساندتها في محنها، فالشعب الإماراتي والمؤسسات الإغاثية والإنسانية الإماراتية كانت في مقدمة من يُهرع إلى الشعب السوري إذا ما ألم به مُصابٌ، فالهلال الأحمر الإماراتي كان من أول الواصلين إلى كل قرية سورية عندما ضرب الزلزال سوريا قبل عام، ولم يغادرها إلى اليوم وهو يضمد جراح السوريين.
وعلى طول الأزمة السورية كان العلم الإماراتي وخفقات قلوب الشعب الإماراتي في ربوع سوريا وساحات آهاتها مشاركاً رئيسياً في التخفيف عن سوريا والسوريين مصائبهم، والسياسة الإماراتية على طول خط الأزمة السورية ثابتة في الدفاع عن السلام في سوريا وتزداد ثباتاً على مبدأ استقلالها ووحدة أراضيها والدعوة إلى الحل السلمي والسياسي القائم على الحوار لقضيتها.
وكلُّ ذلك يتعزز اليوم بعودة السفارة الإماراتية إلى دمشق؛ لتكون الإمارات دولةً وشعباً أقرب إلى السوريين، وأكثر فاعلية في مساندتهم لتخطِّي محنهم، وبوابة خير ونماءٍ في إرساء الثوابت السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي من شأنها إنعاش الحلحلة السياسية للقضية السورية، فهذه كلها أبجدية ثابتةٌ في السياسة والدبلوماسية الإماراتية في التعامل مع القضايا الدولية بعامة وقضايا الأشقاء بخاصة.
فإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق ستفتح الباب واسعاً أمام السوريين للخروج من عزلتهم - التي طال أمدها – عن المشهد السياسي العربي والإقليمي وحتى الدولي، وستجعل هذه الخطوة الإماراتية الكبيرة باب خيرٍ لتشجيع الاستقرار في سوريا، وفتح ساحاتها أمام الإعمار والإنماء الاقتصادي، والاستثمار في القطاعات الحيوية كلها، كما سيمنح السوريين مساندةً كبيرةً على الساحة السياسية الدولية.
إذ لا يخفى على أحد ثقل السياسة الإماراتية وما تتحلى به من ثقة واحترامٍ دوليٍّ على مستوى العالم، كما ستمنح عودة السفارة الإماراتية والعلاقات الإماراتية السورية إلى طبيعتها أوراقاً فاعلةً للسياسة الإماراتية؛ وذلك بالاقتراب أكثر من الملفات السياسية الدولية العالقة في سوريا منذ عقدٍ بعد أنْ تحولت سوريا إلى ساحة صراعٍ دوليٍّ، مما يجعل دولة الإمارات ومؤسساتها السياسية والدبلوماسية صوتاً حاضراً وثابتاً في هذه الملفات وسُبلِ حلحلتها، ولا سيّما بين قطبي السياسة الدولية (واشنطن وموسكو)، اللذين يجتمعان على الثقة بالسياسة الإماراتية وحكمتها من جهة، ويتفقان على قدرة السياسة الإماراتية في التأثير الإيجابي على الساحات المختلفة بين الخصوم، وليس نجاح السياسة الإماراتية في أكبر عملية تبادلٍ للأسرى بين روسيا وأوكرانيا عنا ببعيدٍ.
كل ذلكَ يجعل من إعادة دولة الإمارات لسفارتها إلى دمشق بابَ خيرٍ ليس بغريبٍ عن دولة الإمارات وشعبها الذي يمد يده ويفتح صدره للسلام وتضميد الجراح ولا سيما للأشقاءِ، ومن دون كللٍ أو مللٍ أو يأسٍ، فكانت وما زالت وستبقى الإمارات مع سوريا، وها هي اليوم دولةً وشعباً وسياسةً وخيراً ونماءً وسلاماً في سوريا ومعها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة