شراء الولاءات وإعالة أسر "الإرهابيين".. تصاعد صراع جبهتي الإخوان
انشقاقات وصراعات ما زالت تعرف طريقها إلى جبهتي تنظيم الإخوان، واللتين تبادلتا الاتهامات بالفساد والعمالة لأجهزة خارجية.
تلك الانشقاقات تحولت من صراعات دفينة إلى ألسنة لهب، زلزلت كيان تنظيم الإخوان، وكشفت عن فساد أزكم الأنوف، وتراشق إعلامي بات يهدد مستقبل التنظيم الإرهابي الذي خبا أثره على وقع الضربات الأمنية التي مُني بها في عديد من البلدان العربية، في الفترة الأخيرة.
وما بين مستقبل مظلم وواقع مخيب للآمال، انطلقت جبهتا إسطنبول بقيادة محمود حسين ولندن بقيادة إبراهيم منير، في سباق "مسموم"، نحو رشوة مقنعة لقيادات الداخل المصري، بزعم "رعاية أسر الإخوان".
ذلك السباق المسموم نحو شراء الولاءات تعتمد فيه كلتا الجبهتين على أسلحتها؛ فإبراهيم منير يتخذ من الخطوات العملية والميدانية؛ فيما محمود حسين يرتكز على الدعاية والترويج على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لهزيمة منافسه.
خطوات تصعيدية
وبحسب مصادر فإن اجتماع تشكيل مجلس شورى جديد الذي عقده إبراهيم منير، بالإضافة إلى محاولاته تفتيت كتلة منافسه حسين في الداخل المصري، وضم عناصر موالين له، عبر رعاية المحبوسين والمسجونين ستكون نقطة دعاية جيدة له، بعد أن اكتسب منافسه عداءات على مدى السنوات التسع الماضية، إثر منعه الإنفاق على الإخوان غير المطيعين له، ما حول حياتهم إلى جحيم.
يأتي ذلك، فيما يصر محمود حسين على فصل إبراهيم منير من الجماعة، واتهامه لجبهته بـ"خيانة" ميراث حسن البنا، ما يبشر بصراع لن ينتهي قريباً، خاصة بعد الخطوة التصعيدية من قبل محمود حسين بفصل 13 عضوًا من المحسوبين على جبهة منير.
تلك الخطوة التصعيدية، تعاملت معها جبهة منير بمجموعة من الإجراءات على الأرض؛ أولها استكمال مجلس شورى الجماعة بعدد يمكن معه عقد اجتماع بالنصاب القانوني، ما يسهل اتخاذ قرارات تشريعية، منها اعتماد فصل محمود حسين ومجموعة الستة.
وحول تلك الخطوة ومدى قدرة جبهة منير على إيجاد قنوات موازية داخل التنظيم الإخواني ومستقبل الجماعة في ظل سياسة تكسير العظام، قال طارق البشبيشي القيادي السابق في "الإخوان"، إن التنظيم الإرهابي يرتكز على شقين؛ الأول وهو عبارة عن أفراد لهم ولاء للقيادة، فيما الثاني يرتكز على الأموال التي يتم الإنفاق منها على هؤلاء الأفراد.
انقسام وشراء ذمم
وأوضح البشبيشي -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- أن حسن البنا هو من أسس لهذا المبدأ، عندما قال إن الأموال هي أساس الدعوات ولم يقل المبادئ ولا الأفكار، مشيرًا إلى أن عناصر التنظيم ورثوا تلك الفكرة، وأصبح ولاؤهم لمن يملك الأموال، وهو ما بدا واضحًا في خلافهم مع مجموعة الإخوان الهاربة إلى السودان، بعد أن رفض محمود حسين الإنفاق عليهم وعلى أسرهم في مصر وطردهم من منازلهم؛ لأنهم كانوا يعارضون سياسته الإدارية في التنظيم.
وحول قدرة جبهة منير على السيطرة على التنظيم المصري في الداخل والخارج، شكك القيادي السابق في قدرته على السيطرة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنه رغم تشتت تلك العناصر وعدم انتظامهم في فعاليات الإخوان نظراً للضربات الأمنية الناحجة، إلا أنهم متمسكون بمحمود حسين كونه القيادة المعروفة لهم، والذي يقدم تصوراً واضحاً لمستقبل الجماعة، القائم على الكمون والسكون التنظيمي لحين حدوث انفراجة ما، مع قدرته على الإنفاق على أتباعه ومؤيديه بقدر مناسب.
إلا أنه قال إن جبهة إبراهيم منير تمتلك عناصر شابة لديها القدرة والصبر والقبول في التواصل مع الداخل المصري، ولها تأثير يمكنها من أن تصنع فارقًا، مثل محمد جمال حشمت والمتحدث الرسمي أسامة سليمان ومحيي الدين الزايط ومحمد عبد المعطي الجزار وحلمي الحزار، مشيرًا إلى أن تلك الشخصيات قادرة على الإقناع ويمكنهم أن يتواصلوا مع العديد من أعضاء المكاتب الإدارية بالداخل المصري.
مستقبل الإخوان
وحول مستقبل "الإخوان" في ظل التصدعات الحالية، يرى البشبيشي، أن الانشقاق الذي وقع عمق انصراف الناس عنه، سواء سيطر التنظيم المصري (الداخلي والخارجي) أو سيطر التنظيم الدولي، مشيرًا إلى أن "الإخوان" باتوا بلا مستقبل بعد أن خسروا كل مقومات وجودهم بالمنطقة.
وأوضح أن المشروع الإخواني فشل ولم يعد التنظيم ولا كوادره قادرين على طرحه ثانية، بعد أن فقدوا الخطاب الجماهيري الصادق، وبات كل ما يملكونه ملف الحالة الاقتصادية للمصريين، وبعض ملفات الأقليات الإسلامية في العالم.
تصريحات البشبيشي وافقها أحمد المسيري القيادي السابق في الإخوان وعضو المكتب السياسي لـ"الإخوان"، والذي أشار إلى أن معاناة التنظيم كشفت عن هشاشته وفضحت أكذوبة تماسكه، وإيمانهم بالأخوة الإسلامية.
وأوضح المسيري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الانقسام والذي كان أول من وضع بذرته حسن البنا بتصنيف الناس، بات أمرًا حتميًا، لن يسهل ترميمه.
وحول تحركات إبراهيم منير الأخيرة، أكد المسيري، أن جبهة منير تحصل على مكاسب على الأرض بالداخل المصري، بينما يكتفي محمود حسين بالارتكاز على المكاتب الإدارية كمصدر قوة له.
اختلاف المنهج
وأشار إلى أن خطوات إبراهيم منير عملية وميدانية، فيما محمود حسين إعلامية دعائية، مؤكدًا أنه عندما عقد إبراهيم منير اجتماعًا بغرض تشكيل مجلس شورى عام (جديد)، اتخذ من خارج إسطنبول مقرًا له، ليكون بعيداً عن أعين رجال محمود حسين.
وتابع: "هذا الاجتماع حضره 40 شخصاً، بينهم عضو مجلس شورى الإخوان أمير بسام المقيم في تركيا والذي اتهم محمود حسين بسرقة أموال الجماعة، بالإضافة إلى عدد من غير التنظيميين، بينهم سيف عبدالفتاح، وعصام عبدالشافي، وبعض الإعلاميين، ومصريون من أقطار مختلفة".
وأضاف أن الاجتماع أسفر عن نائبين لإبراهيم منير، في خطوة يسعى منير لاستكمالها عبر التواصل الجيد مع الداخل المصري، من خلال عناصر موالين له بهدف تفتيت كتلة حسين بالداخل، ومنازعته في شرعية قبول قراراته بالداخل المصري.
وحول الخطوات المتوقعة مستقبلا، قال المسيري، إن منير سيقوم بعزل تنظيم الإخوان المصريين بالخارج عن الداخل؛ بمعنى أن يكون كل تنظيم مستقلا لا يتدخل في شأن الآخر، وأن يدير الشأن المصري الداخلي، عبر إعاشة الأسر التي فقدت عائلها سواء السجن أو بالحبس.
وحول مدى نجاح جبهة منير في هذه الخطوة، أكد القيادي السابق أن الأموال هي كلمة السر؛ فمن ينفق أكثر هو صاحب الشرعية وسيمتلك ولاء التنظيم.
أخبار دعائية
إلا أن عمرو عبد المنعم الباحث المتخصص في الحركات الأصولية بمصر، قلل من أهمية السيطرة على تنظيم الإخوان داخل مصر، مشيرًا إلى أنها أخبار دعائية بغرض اكتساب نقاط قوة في صراع الجبهات الإخوانية.
وأوضح عبدالمنعم، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الداخل المصري لا يمكن أن يعد ورقة رابحة في صراع جبهتي الإخوان، لكن يمكن اعتبار رعاية المحبوسين والمسجونين نقطة دعاية جيدة لمنير ضد حسين.
وأشار إلى أن محمود حسين كون على مدى السنوات التسع الماضية "عداءات" مع الإخوان غير المطيعين له، بعد أن منع الإنفاق عليهم وحول حياتهم سواء في الداخل أو الخارج إلى جحيم.
وأكد أن منير يحاول شراء أصوات تلك الفئات لصالحه عبر التواصل معهم للإنفاق عليهم، مما يخصم من رصيد محمود حسين بالداخل، مشيرًا إلى تشكيل منير مجلس شورى جديدا وإصداره قرارا لرجال الأعمال من الإخوان بتحصيل 20% من إجمالي دخلهم للأنفاق على الأسر الإخوانية التي تعاني في ظل انقطاع الدخل عنها، في خطوة تتم بعيدا عن أعين رجال محمود حسين.
وأشار إلى أن تلك الخطوة سيكون لها تأثير كبير في تمكين جبهة لندن من السيطرة على التنظيم، مؤكدًا أن مستقبل التنظيم بات غامضًا، خاصة في ظل الصراع الصفري وسياسة تكسير العظام التي باتت متبعة حاليًا بين الجبهتين.
وتوقع حدوث مفاجآت خلال الأيام المقبلة؛ مشيرًا إلى أن الجميع (الجبهتين) يزعم اتصاله بالداخل وسيطرته عليه، إلا أنه أمر يفتقد للدقة، كون حركة الأموال مرصودة بدقة من أجهزة الأمن المصرية.