"قيصر" على أبواب سوريا.. مقصلة تزيد عزلة الاقتصاد
يضرب هذا القانون الأنشطة المصرفية والتجارية لدمشق ويوسع نطاق امتداده إلى الدول التي حافظت على روابط اقتصادية مع سوريا
من المقرر أن يدخل قانون العقوبات الأمريكي المعروف باسم "قيصر" حيز التنفيذ اليوم الأربعاء، ليشكل آخر خطوات واشنطن في معركتها الاقتصادية مع النظام السوري المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة خلال تسع سنوات من الحرب، ويأمل اليوم في انطلاق ورشة إعادة الإعمار.
ويضرب القانون الأنشطة المصرفية والتجارية لدمشق ويوسع نطاق امتداده إلى دول الجوار وأوروبا ممن حافظوا على روابط اقتصادية مع سوريا.
وإذا كانت العقوبات الجديدة وهي الأكثر قساوة على سوريا ستفاقم سوءاً الاقتصاد المنهك أساساً، فإن المواطنين سيكونون أولى الضحايا، وفق محللين.
وأكدت واشنطن مراراً أن القانون القاضي بتشديد العقوبات على سوريا، "لا يتعارض" مع المساعدات الإنسانية للسوريين.
كما أوضح حساب السفارة الأمريكية في سوريا على تويتر "مع دخول العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون قيصر، ستواصل الولايات المتحدة التزامها بضمان وصول الدعم الإنساني الدولي للمدنيين الموجودين في سوريا من خلال التنسيق الوثيق بين الشركاء الدوليين".
- "قيصر" الأمريكي يعصف بالليرة السورية.. أسرع سقوط حر
- قيصر.. القصة الكاملة لبطل كوابيس سوريا وإيران وحزب الله
وينص القانون على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت أنه "مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال".
ويقول إدوارد ديهنيرت من وحدة "ذي إكونوميست" للبحوث والمعلومات "لا يزال على الولايات المتحدة أن توضح أين وإلى أي حدّ سيتم تطبيق العقوبات، لكن من الممكن القول إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر بشكل خاص".
وتشترط واشنطن لرفع العقوبات، وفق القانون، اجراءات عدة بينها محاسبة مرتكبي "جرائم الحرب" ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين.
ويضيف ديهينرت"سيكون تهديدها باتخاذ خطوات عقابية كافياً لإخافة غالبية تدفقات الاستثمارات الخارجية".
ومن دون استثمارات ودعم خارجي، ستعاني دمشق لإطلاق إعادة الإعمار.
تداعيات العقوبات
ونددت دمشق بالقانون وقالت إنه سيفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مستنزف.
ويرى محللون أن الخشية من القانون، ساهمت إلى حدّ كبير في الإنهيار التاريخي لليرة التي تخطى سعر صرفها خلال أيام قليلة عتبة الثلاثة آلاف مقابل الدولار في السوق الموازية.
وستفاقم العقوبات، وفق ديهنيرت، "علل" الاقتصاد و"للأسف سيكون الشعب أكثر من سيعاني"وسيرتفع معدل السوريين تحت خط الفقر.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ أيار/مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويتوقّع الباحث الاقتصادي أن تشهد البلاد "نقصاً في المواد الضرورية، وبالتالي سترتفع الأسعار وسيعاني السوريون من تآكل أكبر في قدراتهم الشرائية مع تراجع في فرص العمل" خصوصاً أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود، ستصبح أكثر تعقيداً.
الدول المجاورة
وتستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار. إلا أن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظراً لخبرة موسكو وطهران في الإلتفاف على عقوبات اعتادتا عليها.
ولا يستبعد ديهينرت أن يكون "للإجراءات تأثير عكسي، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا وإيران أساساً".
وتدرس لجنة وزارية تداعيات العقوبات على اقتصاد البلاد المنهك.
ويُرجّح أن تنعكس العقوبات، وفق ديهينرت، على عمل شركات البناء اللبنانية في السوق السوري وشركات النقل، عدا عن أن قدرة لبنان على تصدير المنتجات الزراعية عبر سوريا إلى الدول العربية ستصبح محدودة.
ويستنتج الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هيكو ويمان أنّ القيام بأعمال تجارية مع سوريا "سيصبح أكثر صعوبة وخطورة، وبالتالي فإن احتمال أن يُدخل أي شخص أموالاً للاستثمار أو لأعمال تجارية سيتراجع وقد لا يكون ممكناً".
ومنذ مارس/ آذار الماضي، يعيش الاقتصاد السوري واحدا من أكثر كوابيسه رعبا، في ظل التأثير الرهيب لقيصر المرتقب.
ومع مطلع الشهر الجاري، سجّلت الليرة السورية انهيارا تاريخيا في قيمتها بالسوق الموازية، لتتخطى عتبة 2300 مقابل الدولار، مقارنة مع سعر صرف رسمي عند 700 ليرة.
قصة قيصر
في الفترة بين عامي 2011 إلى 2013، عمل أحد السوريين مصورا لدى الشرطة العسكرية السورية، وقد تم تكليفه بتوثيق جثث الذين ماتوا في السجون العسكرية السورية.
لكن المصور كان يتعاون في الوقت نفسه سراً مع حركة العمل الوطني من أجل سوريا، وهي جماعة سياسية مناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
بحلول العام 2014، قام المصور الذي سُمي لاحقا بـ"قيصر" كلقب مستعار، بتهريب عشرات الآلاف من الصور الفوتوغرافية التي تصور المدنيين الذين تم تجويعهم أو تعذيبهم حتى الموت في السجون السورية.
في نهاية المطاف، وصلت تلك الصور إلى الكونجرس والأمم المتحدة.
وقد تلقفتها الأيادي الأمريكية باعتبارها أداة فعالة لتشريع قانون يحاسب إيران وحزب الله على انتهاكات حقوق الإنسان بدلا من الصورة التي يروجها الطرفين على أنهما مستهدفين لأسباب سياسية.