بايدن ونتنياهو.. سر المكالمة المشحونة و«الأسلحة المعلقة»
توتر مكتوم بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زاد من حدته قرار تعليق إرسال أسلحة إلى تل أبيب.
لكن التوتر ليس كما توقعه البعض قريبا مع شن عملية رفح، وإنما يعود إلى أكثر من شهر وفق مسؤول أمريكي كشف عن سر المكالمة المشحونة في 4 أبريل/نيسان الماضي.
المسؤول الأمريكي قال إن بايدن أمضى شهورا يحث فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي على حماية المدنيين في غزة، لكن القرار الأمريكي بوقف بعض المساعدات العسكرية لإسرائيل يرتبط مباشرة بمكالمة هاتفية مشحونة أجرياها قبل شهر.
فقد وجه بايدن آنذاك إنذارا لنتنياهو، بعد وقت قصير من مقتل سبعة من موظفي الإغاثة التابعين لمنظمة ورلد سنترال كيتشن في قصف جوي إسرائيلي، مفاده أنه إما أن يحمي المدنيين وموظفي الإغاثة وإما ستتغير السياسة الأمريكية.
وتعرض بايدن لضغوط من الحلفاء الدوليين ومن كثيرين من أعضاء الحزب الديمقراطي في الداخل كي يجعل تقديم مليارات الدولارات من المساعدات لإسرائيل مشروطا في ظل عدد القتلى الهائل الناجم عن الهجوم المستمر على غزة.
وقال المسؤول إنه من بين مكالمات صعبة كثيرة بين الزعيمين، شكلت مكالمة الرابع من أبريل/نيسان نقطة تحول، فقبل ذلك لم يهدد بايدن بوقف المساعدات على الرغم من المحادثات التي تزداد توترا.
والأسبوع الماضي، تحرك البيت الأبيض بناء على الإنذار، وأوقفت الولايات المتحدة إرسال شحنة تضم آلاف القنابل الثقيلة في ظل القلق من الهجوم الإسرائيلي البطيء في رفح، حيث تعارض واشنطن تنفيذ اجتياح إسرائيلي كبير دون ضمانات بحماية المدنيين.
وقال بايدن، يوم الأربعاء، في أول تصريح علني عن وقف إرسال الأسلحة "قُتل مدنيون في غزة نتيجة هذه القنابل وغيرها من الوسائل التي يستهدفون بها المراكز السكانية". وأشار وزير الدفاع لويد أوستن للصحفيين في نفس اليوم إلى أن أسلحة أخرى قد تُحجب.
والولايات المتحدة هي أكثر حليف موثوق لإسرائيل التي تمثل أكبر متلق للمساعدات الأمريكية منذ إعلان قيام الدولة اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية.
ووقف بايدن شحن الأسلحة لا يضاهي مطلقا الحظر الذي فرضه الرئيس رونالد ريغان عام 1982 على بيع القنابل العنقودية لإسرائيل، لكنه يمثل نقطة تحول في العلاقات المتوترة بين إسرائيل وحليفتها الأكثر موثوقية وأكبر مقدم مساعدات لها.
وقال بروس ريدل الذي عمل 30 عاما في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) والخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد بروكنغز حاليا "هذا ليس وقفا لجميع مبيعات الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل، لكنه تعزيز للضغط بأن الولايات المتحدة لا تريد حقا عملية رفح".
وقصفت إسرائيل، الخميس، شرق رفح، بعد أن انهارت فيما يبدو محاولة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن، وحذرت الولايات المتحدة من أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على خطأ.
وقال مسؤول أمريكي ثان إن الإدارة كانت تنوي إبقاء وقف الأسلحة طي الكتمان، لكنها تحدثت عنه بعد أن سرب الإسرائيليون الخبر.
ويقول بعض المؤيدين إن إفشاء هذه الخطوة قد يصب في مصلحة بايدن.
وقال جيرمي بن عامي، رئيس منظمة (جيه ستريت) اليهودية الليبرالية، "شهور وشهور مرت من النقاش حول الرسائل التي تنقلها هذه الحكومة إلى الحكومة الإسرائيلية وإلى أي مدى يأخذون الأمر على محمل الجد".
وأضاف بن عامي "حقيقة أن هذا أصبح معلنا هي جزء من الرسالة.. إنها رسالة إلى العالم، مفادها لا ضمان مطلقا للمساعدات الأمريكية".
وجاءت الانتقادات لاذعة من المعارضة الجمهورية التي تدعم بكاملها تقريبا نتنياهو، إذ اتهمت الرئيس الأمريكي بتقويض أمن إسرائيل. وقال المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، أمس الخميس، على وسائل التواصل الاجتماعي "إذا صوت أي يهودي لصالح جو بايدن فيجب أن يخجل من نفسه".
تحدي بايدن
يعتبر بايدن قدرته على التفاوض مع الزعماء الأجانب، حتى الذين يختلف معهم كثيرا مثل نتنياهو، من العلامات المميزة لرئاسته. وقالت إدارته إنها تبقي نتنياهو اليميني المتطرف على مقربة منها لأنها بهذه الطريقة تتمتع بنفوذ أكبر على الزعيم الإسرائيلي.
ووضع تحدي نتنياهو المعلن لنصيحة بايدن فيما يتعلق برفح صورة الرئيس الأمريكي كخبير في السياسة الخارجية موضع اختبار، كما فاقم الضغوط عليه في الداخل.
وبعد أن حثه بايدن يوم الإثنين على عدم مهاجمة رفح، رفض نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي قبلته حركة حماس، وبدأ في قصف رفح. وقال مسؤول أمريكي ثالث لرويترز حينها إن الإسرائيليين لا يتفاوضون بنية حسنة فيما يبدو على اتفاق وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن.
وجاء قرار نتنياهو بالمضي قدما بعد أيام فحسب من توقيع 57 من أصل 212 ديمقراطيا في مجلس النواب الأمريكي على رسالة تدعو إدارة بايدن إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لثني الزعيم الإسرائيلي عن شن هجوم شامل على المدينة الواقعة على الحدود المصرية.
وأمضى كبار المسؤولين الأمريكيين، بدءا من بايدن ومن يليه في تسلسل القيادة، أسابيع في التأكيد علنا وفي المحادثات الخاصة على أنه يجب على إسرائيل وضع خطة بشأن رفح تقلص إلى أدنى حد الضرر الذي قد يلحق بمئات الآلاف الذين لجؤوا إليها بعد فرارهم من القصف الإسرائيلي في شمال القطاع.
وقال البيت الأبيض إنه في مكالمة هاتفية بين بايدن ونتنياهو في 11 فبراير/شباط، أكد بايدن "من جديد وجهة نظره بأنه يجب عدم الشروع في عملية عسكرية في رفح ما لم تكن هناك خطة موثوق بها وممكنة التنفيذ لضمان سلامة أكثر من مليون شخص لجؤوا هناك ودعمهم".
ومع تزايد المخاوف من خطط إسرائيل في رفح، أثار مسؤولون من إدارة بايدن أيضا تساؤلات حول مشروعية المراحل السابقة من الحملة الإسرائيلية على غزة.
وأبلغ عدد من المسؤولين الأمريكيين البارزين وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنهم لا يرون "مصداقية ولا موثوقية" في تأكيدات إسرائيل بأنها تستخدم الأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني.
وذكر مسؤولون أمريكيون، الأسبوع الماضي، أن الإسرائيليين أعطوهم فكرة عامة عن خططهم في رفح، لكنهم لم يقدموا تصورا كاملا حول كيفية حماية المدنيين في غزة، وهو مطلب رئيسي للولايات المتحدة.
وقال وزير الدفاع أوستن للصحفيين الأسبوع الماضي "حاليا، الظروف ليست مواتية لأي نوع من العمليات. كنا واضحين بهذا الشأن، من الضروري مراعاة السكان المدنيين الموجودين في هذه المنطقة قبل حدوث أي شيء آخر".
وأصبحت مطالبات أوستن بدخول المساعدات الإنسانية إلى رفح جانبا ثابتا في مكالماته الأسبوعية الخاصة مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، بما في ذلك مكالمة جرت مساء يوم الأحد.
لكن مكتب غالانت أصدر بيانا في اليوم التالي عبر فيه عن ضرورة تنفيذ عمل عسكري "بما في ذلك في منطقة رفح".