على وقع حالة الضعف والانقسام التي تعيشها جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول العربية، دعا نشطاء بالجماعة إلى انتخاب مرشد جديد خلفاً لمحمد بديع، المرشد الحالي.
ويقبع بديع في السجون المصرية، وصدر بحقه حكم بالإعدام في القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث المنصة".
الدعوة لاقت رواجًا داخل الإخوان وجرى إرسال تفاصيلها إلى مجموعة من قادة جبهات الإخوان المتناحرة، ومن بينهم حلمي الجزار رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان- جبهة صلاح عبدالحق، وجمال حشمت القيادي بنفس الجبهة وعضو مجلس الشورى العام، وأمير بسام عضو مجلس الشورى العام، وأسامة سليمان المتحدث باسم جبهة صلاح عبد الحق، ومحمد منتصر ويحيى موسى ممثلا جبهة المكتب العام بالخارج، وعادل راشد القيادي بالجماعة ورئيس جمعية المصريين بتركيا، فضلا عن الإعلاميين العاملين في قنوات الجماعة ومنهم حمزة زوبع، ومحمد ناصر، ومعتز مطر وغيرهم.
وينص مقترح انتخاب مرشد جديد للإخوان على دعوة جبهات الجماعة الثلاث (جبهة صلاح عبدالحق "لندن"، وجبهة محمود حسين "إسطنبول"، وجبهة المكتب العام/ تيار التغيير، بجانب المجموعة المحسوبة على أحمد عبدالرحمن، رئيس مكتب إدارة الأزمة بالخارج سابقًا، الذي كان جزءًا من جبهة المكتب العام لكنه انفصل عنها في وقت سابق)، للاجتماع والاتفاق على صيغة تنفيذية وخطة زمنية محددة لانتخاب مرشد عام جديد لجماعة الإخوان خلفًا لمحمد بديع.
ويرفض أصحاب الدعوة المشروعات التي تطرح من أجل تطوير الجماعة دون وجود مرشد لها ومنها مشروع فصل الجناح الدعوي عن الجناح السياسي الذي طرح من قبل في سياقات عديدة.
ويعلل أصحاب الدعوة لانتخاب مرشد جديد للإخوان تبنيهم هذا المقترح بأنه رغبة في إنهاء أزمات الجماعة المختلفة بما فيها أزمة الانقسام الداخلي، وأزمة سجناء الجماعة في مصر، موضحين أن المرشد الحالي محمد بديع قيد السجن ولا يؤدي الأدوار المنوطة به، كما أن انتخاب مرشد جديد من شأنه أن يساعد الجماعة في التفاوض مع خصومها وأن يسهل الوصول إلى صفقة يتم بموجبها الإفراج عن سجناء الجماعة، على حد قولهم.
وتولى محمد بديع منصب المرشد العام لجماعة الإخوان، في يناير/كانون الثاني 2010، أي قبل نحو 14 عامًا بعد انتخابه من قبل مجلس الشورى العام للجماعة بطريقة الاقتراع السري المباشر خلفًا لمحمد مهدي عاكف، المرشد السابع للجماعة (توفي في محبسه عام 2017)، وجرى القبض عليه في 20 أغسطس/آب 2013 عقب فض اعتصام أنصار الجماعة بميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة والجيزة على الترتيب.
عقبات لائحية وأزمات تنظيمية
على أن تلك الدعوات، تصطدم بعوائق لائحية ترتبط باللائحة العامة لجماعة الإخوان، وأخرى تنظيمية ترتبط بالخلافات الحالية بين جبهات الجماعة ومجموعاتها المتفرقة، فمن الناحية اللائحية البحتة يفترض أن يتم اختيار بديل لمرشد الإخوان بسبب القبض عليه وسجنه، فالمادة الخامسة من الفصل الأول من لائحة الجماعة الصادرة عام 2009، والتي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، تحدد أدوار واختصاصات المرشد العام للجماعة، وتنص على نقل صلاحيات المرشد لنائبه الأول ثم الأقدم من نوابه فأعضاء مكتب الإرشاد طبقا لمعيار السن في حال حدثت موانع قهرية تحول دون مباشرته لمهامه.
ويستند القائم بأعمال مرشد الإخوان في جبهة إسطنبول محمود حسين إلى هذا النص اللائحي من أجل انتزاع الشرعية التنظيمية من خصمه صلاح عبد الحق الذي يتولى منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان في جبهة لندن، لكن الجبهة الأخيرة تلتف على هذا النص بالقول إن القائم بأعمال المرشد السابق إبراهيم منير أوصى باختيار "عبد الحق" قائمًا بأعمال المرشد بدلا منه في حال وفاته، وتروج جبهة لندن أن هذا الاختيار صحيح بناء على هذا الأساس.
وكان إبراهيم منير يتولى منصب نائب القائم بأعمال المرشد، منذ عام 2015، بناءً على قرار أصدره القائم الأسبق بأعمال المرشد محمود عزت، الذي ألقي القبض عليه في أغسطس/آب 2020، وهذا يعني، وفق نص اللائحة العامة لجماعة الإخوان أن "منير" يتولى مهام القائم بأعمال المرشد، وهو ما تم بالفعل منذ 2020 وحتى وفاته في 2022، غير أنه لا يحق له اختيار من يخلفه في المنصب.
ويجادل أتباع جبهة لندن (صلاح عبد الحق) بأن مجلس الشورى العام هو الذي اختاره في انتخابات لشغل المنصب، لكن هذه النقطة مثار جدل أيضًا بسبب انقسام مجلس الشورى إلى فريقين أحدهما يدعم صلاح عبد الحق، والآخر يدعم محمود حسين.
وللخروج من أزمة الانقسام، يدعو نشطاء الإخوان لاجتماع الجبهات المتناحرة على آلية لإجراء انتخابات عن طريق أعضاء مجلس الشورى العام المتبقين من أجل اختيار مرشد عام ومكتب إرشاد جديد للجماعة.
وتنص الفقرة العاشرة من المادة الـ17 في الفصل الثالث من اللائحة العامة لجماعة الإخوان على أنه في حالة خلو منصب المرشد يتولى نائبه في مصر مهامه، ويقوم مكتب الإرشاد بدعوة مجلس الشورى العام للانعقاد من أجل اختيار مرشد جديد للجماعة.
ويفترض في الوضع الحالي أن يجتمع مجلس الشورى العام الذي يبقى الهيئة الوحيدة التي يحق لها الاستمرار في العمل حتى إجراء انتخابات أخرى لاختيار مجلس جديد بناءً على نص اللائحة العامة للإخوان، من أجل اختيار مرشد جديد للجماعة، وهو أمر متعذر بسبب الانقسام داخل المجلس نفسه وبسبب طبيعة الأوضاع الأمنية التي تفرض على قادة الجماعة التواري والاختباء.
إقرار بالفشل
ووفق أحمد بان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، فإن الدعوات الأخيرة لانتخاب مرشد جديد لجماعة الإخوان تصطدم بأكثر من عائق أولها أن عملية انتخاب المرشد لا بد أن تكون عن طريق أعضاء مجلس الشورى العام، وفي الوضع الحالي للجماعة فعدد المتبقي من أعضاء المجلس قليل، كما أنه يمكن الطعن في شرعية أي انتخابات لأن مجلس الشورى نفسه لم يتم تجديده ولا انتخاب أعضاء جدد منذ نحو 14 عامًا.
وأضاف "بان" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن جماعة الإخوان تتحدث عن إجراء انتخابات لمجلس الشورى العام في 2016، معتبرًا أن هذا الأمر لا يمكن التسليم به في ظل الأوضاع الحالية، كما أن الانتخابات بالتمرير لا يمكن اعتماد شرعيتها في الوقت الحالي.
وأوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن حالة الانقسام الحالية في الجماعة تعقد جهود التوصل لتوافق يضمن إجراء انتخابات حقيقية تقبل بها جبهات الجماعة المتفرقة في الوقت الحالي، كما أن الظروف الأمنية تعقد من إمكانية اجتماع هؤلاء الأعضاء لاختيار المرشد الجديد لأن الجماعة ترى أن الظروف الحالية هي محنة لها وبالتالي فهي تسعى للحفاظ على كوادرها في مكاتب المحافظات ومجالس شورى المحافظات والذين يديرون الجماعة فعليا والانتظار لحين تتوافر الظروف الملائمة لعقد اجتماع شامل لمجلس الشورى العام للبت في القضايا الخلافية.
وبدوره، قال محمد يسري، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، إن الدعوات لانتخاب مرشد للإخوان هي اعتراف مباشر بفشل الجماعة بعد أكثر من 10 سنوات على صراعها مع مصر، مضيفًا أن الأوضاع الحالية التي تمر بها الجماعة غير مسبوقة في تاريخها إذ لم يحدث أن كان لها مرشد سجين وقائمان بأعمال المرشد يتصارعان في ما بينهما.
واستبعد "يسري" في حديثه لـ"العين الإخبارية" أي توافق من الجبهات الإخوانية على دعوات انتخاب مرشد جديد؛ لأن هناك قادة بالجماعة مستفيدين من الوضع الحالي ولا يهمهم إنهاء الانقسام في صفوف الجماعة بل يهمهم حماية مصالحهم والدفاع عنها.
وأشار الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة إلى أن الجماعة لها سابقة في اختيار مرشد بالتمرير وهو المرشد الثاني حسن الهضيبي دون الحاجة لاجتماع كامل أعضاء مجلس الشورى العام، كما أن البيانات الصادرة عن جبهات الجماعة تدعي أن مجلس الشورى العام يجتمع بشكل دوري، ومع هذا لم يتم النقاش بشكل جاد حول وضع هيئات الجماعة بما في ذلك وضع المرشد ومكتب الإرشاد الذي يمثل القيادة التنفيذية العليا للجماعة.
وذكر "يسري" أن القائم بأعمال مرشد الجماعة في جبهة إسطنبول محمود حسين هو عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجن وبالتالي فتوليه المنصب أمر طبيعي، مردفًا أن "حسين" كان يرجو أن يصل إلى منصب المرشد ووصل أخيرا بعد نحو 10 سنوات من الإطاحة بالجماعة من الحكم، وهو ما يدفعه لرفض أي دعوة لاختيار مرشد جديد للجماعة في الوقت الحالي لأنها تتناقض مع مصالحه الخاصة.