عام على الحرب.. هل يستطيع اقتصاد إسرائيل الصمود أمام قتال طويل المدى؟
يواجه اقتصاد إسرائيل وضعا شديد الصعوبة بينما تستهل البلاد عامها الثاني في الحرب التي اندلعت إثر هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع حركة حماس في غزة، قبل أن تمتد إلى جنوب لبنان.
وحسب تحليل لمجلة الإيكونوميست، فإن الاقتصاد الإسرائيلي حقق نموا بنسبة 0.7% فقط بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران، على أساس سنوي، أي أقل بنحو 5.2 نقطة مئوية عن توقعات خبراء الاقتصاد.
ولفتت "الايكونوميست" إلى أنه في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي اضطر بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي إلى مطالبة المشرعين بالموافقة على زيادة طارئة في العجز.
وكانت هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها مثل هذا الطلب هذا العام، وكان إسراف سموتريتش يقلق المستثمرين بالفعل.
وكذلك الأمر بالنسبة لاحتمال اندلاع قتال أكثر ضراوة لا سيما مع التطورات على الساحة الميدانية.
فرار الأموال
وقد بدأت الأموال في الفرار من إسرائيل إثر تمدد الحرب وتزايد تكاليفها.
فبين مايو/أيار ويوليو/تموز تضاعفت التدفقات الخارجة من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، إلى 2 مليار دولار.
ويشعر صناع السياسات الاقتصادية في البلاد بقلق أكبر مما كانوا عليه منذ بداية الصراع.
ويعتمد اقتصاد الحرب على قيام الحكومة بتمويل قواتها المسلحة، غالبا من خلال الإنفاق بالعجز، مع ضمان بقائها قوية بما يكفي لسداد ديونها عندما يحل السلام.
سيناريو كابوسي
أما السيناريو الكابوسي بالنسبة لإسرائيل فهو صراع ينتشر إلى القدس وتل أبيب، المركزين التجاريين للبلاد، ولكن حتى حرب أقل نطاقا حيث يقتصر القتال على شمال البلاد قد تكون كافية لدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية.
وترى "الإيكونوميست" أن سياسات الحكومة في إسرائيل لا تساعد في الإنقاذ، حيث إنه في شهر مارس/آذار عندما كان الجيش يأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول شهر يوليو/تموز، قدر الجنرالات أنهم سوف يحتاجون إلى 60 مليار شيكل أي نحو 16مليار دولار أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي فوق ميزانيتهم العادية، ثم زيادة دائمة قدرها 30 مليار شيكل سنوياً للتعامل مع الوضع الأمني الجديد.
ومنذ ذلك الحين، ومع استمرار القتال استمرت توقعات العجز في الارتفاع. ومن المتوقع الآن أن يصل العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يقرب من ثلاثة أمثال ما كان متوقعاً قبل الحرب.
ومع انتشار الأعمال الحربية على نطاق أوسع فمن المرجح أن يزداد العجز اتساعاً.
ميزانيات إضافية
يشار إلى أن الحرب دفعت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إلى تمرير زيادة الميزانية الإضافية المقرة سابقا للسنة المالية 2024 لتصل إلى 727.4 مليار شيكل (192 مليار دولار).
وأقر الكنيست الزيادة الجديدة بقيمة 3.4 مليار شيكل (924 مليون دولار) للمساعدة في تمويل إجلاء المدنيين والصرف على جنود الاحتياط حتى نهاية هذا العام.
كما تراجعت السياحة منذ اندلاع الحرب، مع انخفاض أعداد الزوار الآتين لتمضية إجازات أو لأغراض السياحة الدينية، وزار إسرائيل 500 ألف سائح بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، وهو ربع عدد السياح في الفترة ذاتها من العام السابق، وفق أرقام وزارة السياحة.
خفض التصنيفات الائتمانية
وإذا استمر القتال في العام المقبل سوف يتدهور الوضع المالي، حيث إن حاملي السندات يريدون التأكد من وجود وفرة لمزيد من الإنفاق على الحرب، وتشعر وكالات التصنيف الائتماني بالتوتر، وتقول كل من وكالتي فيتش وموديز إنهما قد تخفضان تصنيف إسرائيل مرة أخرى بعد أن فعلتا ذلك بالفعل هذا العام.
وقد خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في 27 سبتمبر/أيلول 2024 التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى "Baa1"، وأبقت على توقعاتها للتصنيف عند "سلبي"، وسط تفاقم الصراع في المنطقة مع حزب الله اللبنانية. فيما خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لإسرائيل من "A+" إلى "A" في أغسطس/آب 2024، وأبقت على توقعات التصنيف "سلبية".
وفي 2 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، وأرجعت القرار إلى المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع جماعة حزب الله.
سموتريتش المشكلة
ويزيد سموتريتش المشكلة سوءاً، حيث إنه لا أحد يعتقد أنه سيطلب من الجيش خفض التكاليف، كما رفض اتخاذ تدابير أخرى لكبح العجز، إما عن طريق خفض الإنفاق في أماكن أخرى وإما زيادة الضرائب.
واستفاد السكان المتدينون والمستوطنون، حلفاء سموتريتش، من المزيد من الإعانات والمساعدات لإبقاء الرجال في منازلهم، ووعد سموتريتش بتوفير 35 مليار دولار في العام المقبل، ولكنه لم يذكر من أين سيأتي معظم هذا المبلغ.
وفي حالة عودة جنود الاحتياط إلى العمل وعودة الاستهلاك إلى مستويات ما قبل الحرب فإن اقتصاد إسرائيل يظل أصغر مما كان عليه عشية الحرب، ويعاني سوق العمل من ضغوط شديدة، حيث تكافح الشركات لملء الوظائف الشاغرة، وتعاني الشركات الصغيرة العاملة في مجال التكنولوجيا العالية في إسرائيل ضغوطا شديدة، وتحذر مؤسسة ستارت أب نيشن البحثية من أن هذه الشركات تخسر التمويل بسبب الحرب.
وقد رفضت إسرائيل تصاريح العمل لنحو 80 ألف عامل فلسطيني بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتم استبدالهم قط، ونتيجة لهذا أصبحت صناعة البناء أصغر بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي أعاق إلى حد كبير بناء المساكن وإصلاحها.
100 مليار دولار ثمنا للحرب
وأنفقت إسرائيل حتى الآن نحو 100 مليار دولار على الحرب، وهذا ما أسهم في ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في إسرائيل بنسبة تقارب 1% خلال الشهر الأخير، الأمر الذي من شأنه أن يدفع عشرات آلاف الإسرائيليين إلى ما تحت خط الفقر، في وقت توقف فيه النمو في المرافق الاقتصادية لا سيما قطاع التقنية العالية (الهايتك) الذي بدأ يتراجع.
وفي الوقت الحالي، كان التأثير الأكبر على التضخم، الذي بلغ معدله السنوي 3.6% في أغسطس/آب، بعد أن تسارع خلال الصيف، وإذا تزايد نطاق الحرب فإن نقص عمال البناء سوف يصبح مشكلة أكبر.
ويشعر المستثمرون بعدم اليقين بشأن قدرة إسرائيل على التعافي، فالشيكل متقلب والبنوك الإسرائيلية تعاني هروب رؤوس الأموال.
وتفيد التقارير التي تقدمها أكبر ثلاثة بنوك إسرائيلية عن زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى دول أخرى أو ربطها بالدولار.
وعلى الرغم من أن التضخم لا يزال أعلى من المستهدف فقد اختار البنك المركزي التمسك بسعر سياسته السابق في اجتماع السياسة النقدية في أغسطس/آب، خوفاً من عرقلة التعافي.
وربما يؤدي فرار المستثمرين إلى انهيار البنوك وهبوط قيمة الشيكل، الأمر الذي يضطر بنك إسرائيل إلى التدخل وإنفاق احتياطياته.