كيف سخرت إسرائيل الذكاء الاصطناعي لتغذية «بنك الأهداف» بسرعة غير مسبوقة؟
تخوض إسرائيل ما يمكن أن يعرف بأنه أول "حرب ذكاء اصطناعي" في التاريخ، مستعينة بوحدة عسكرية سرية أنشأتها عام 2019 تركز بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنشاء بنوك أهداف عسكرية دقيقة ومحدثة بشكل سريع جدا.
وفقا لتقرير من صحيفة "الغارديان"، وجدت تلك الوحدة في الحرب الإسرائيلية على حماس في غزة، وحزب الله في جنوب لبنان، فرصة سانحة لاستخدام ما طورته من أدوات ذكاء اصطناعي في مسارح عمليات أوسع بكثير، وصقل سمعة الجيش الإسرائيلي المرتبطة بـ"البراعة التقنية".
- أبل تتخلى فجأة عن تمويل «أوبن إيه آي».. «التفاحة» لا تشارك الغرباء
- تراجع إنتاج تويوتا.. السيارة الأكثر اعتمادية تعاني الفضائح والاستدعاءات
ومع اتضاح التطور المذهل الذي تملكه إسرائيل في الاستهداف الدقيق والناجح والمتتالي للقيادات العسكرية المعادية لها، خاصة التابعة لحزب الله التي قُضي تقريبا على الصف الأول من قادتها بما في ذلك قائدها العسكري الفعلي فؤاد شكر، وزعيمها التاريخي الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله (حسب مزاعم الجيش الإسرائيلي)، أضحت تكتيكات تل أبيب محل اهتمام العديد من الدول والجهات ذات الاهتمام بالتطور التكنولوجي للحروب.
ورغم الدقة في الوصول لأعدائها والقضاء عليهم، لا تنفي إسرائيل سقوط ضحايا من المدنيين في ساحات المعارك، إذ أنها كما قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي "لا تجري عمليات جراحية".
وقال أحمد السخاوي، خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات لـ"العين الإخبارية"، إن إسرائيل استفادت بشكل كبير من التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي (AI) في تعزيز قدراتها العسكرية، وأبرز استخداماته تشمل تحسين عمليات الاستهداف وضمان تنفيذ الضربات الجوية بدقة أكبر وبوقت أسرع، ما يعزز الكفاءة العسكرية.
منصة «الإنجيل»
تقرير الغارديان الذي نُشر لأول مرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ركز بشكل كبير على منصة إنشاء أهداف الذكاء الاصطناعي المسماة The Gospel "الإنجيل"، وهي الترجمة الإنجليزية لكلمة حسبورا Habsora بالعبرية.
ووفق التقرير، فقد سرعت تلك المنصة بشكل كبير، الاستنتاجات المتعلقة بالأهداف العسكرية، و قال المسؤولون إن إسرائيل خاضت من خلالها "أول حرب ذكاء اصطناعي" باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.
واستنادا إلى مقابلات مع مصادر استخباراتية وتصريحات أدلى بها قادة في الجيش الإسرائيلي ومسؤولون متقاعدون، وشهادات نشرتها مجلة +972 الإسرائيلية، وموقع Local Call الناطق باللغة العبرية، قدمت "الغارديان" لمحة عن الوحدة الاستخباراتية العسكرية السرية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتلعب دورًا مهمًا في عمليات إسرائيل.
من 50 هدفًا سنويًا إلى 100 هدف يوميًا
في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال الجيش الإسرائيلي إن قسم إدارة الأهداف حدد "أكثر من 12000" هدف في غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه يستخدم نظامًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي يسمى (الإنجيل) "حسبورا" يعمل على الاستخراج السريع والتلقائي للمعلومات الاستخباراتية.
وأكدت مصادر متعددة مطلعة على عمليات الاستهداف في الجيش الإسرائيلي ارتباط برنامج "الإنجيل" مع رقم هاتفي يمكن إجراء مكالمة محلية معه، قائلة إنه استُخدم لإنتاج توصيات تلقائية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه في استهدافهم.
وفي السنوات الأخيرة، ساعد قسم الاستهداف، الجيش الإسرائيلي في بناء قاعدة بيانات لما قالت المصادر إنه ما بين 30 ألفًا و40 ألفًا من المسلحين المشتبه بهم. وقالوا إن أنظمة مثل "الإنجيل" لعبت دورًا حاسمًا في بناء قوائم الأفراد المسموح باغتيالهم.
وقال أفيف كوخافي، الذي شغل سابقا منصب رئيس الجيش الإسرائيلي، إن قسم الاستهداف "مدعوم بقدرات الذكاء الاصطناعي" ويضم مئات الضباط والجنود.
وفي مقابلة نُشرت قبل الحرب، قال إنها "آلة تنتج كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعالية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم".
وبحسب كوخافي، "بمجرد تفعيل هذه الآلة" في حرب إسرائيل السابقة التي استمرت 11 يومًا مع حماس في مايو/ أيار 2021، أنتجت المنصة 100 هدف يوميًا.
وأوضح: "لوضع ذلك في المنظور الصحيح، في الماضي كنا ننتج 50 هدفًا في غزة سنويًا. الآن، تنتج هذه الآلة 100 هدف في يوم واحد، مع مهاجمة 50٪ منها".
تحليل مجموعة كبيرة من المعلومات
ولا يُعرف على وجه التحديد أشكال البيانات التي يتم استيعابها في الإنجيل. لكن الخبراء قالوا إن أنظمة دعم القرار القائمة على الذكاء الاصطناعي للاستهداف تحلل عادةً مجموعات كبيرة من المعلومات من مجموعة من المصادر، مثل لقطات الطائرات بدون طيار، والاتصالات التي تم اعتراضها، وبيانات المراقبة والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة.
وقد تم إنشاء القسم بهدف معالجة مشكلة مزمنة للجيش الإسرائيلي في العمليات العسكرية السابقة، حيث لم تجد القوات الجوية مرارًا وتكرارًا أي أهداف يمكن ضربها.
وقد تم التأكيد على دقة الضربات التي أوصى بها "بنك أهداف الذكاء الاصطناعي" في تقارير متعددة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقال السخاوي لـ"العين الإخبارية" إن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل كميات ضخمة من البيانات مثل لقطات الطائرات المسيرة، وصور الأقمار الصناعية، والإشارات الإلكترونية، ما يُسهم في تحسين القدرة على اكتشاف تهديدات جديدة، مثل الشحنات العسكرية التي يتم إرسالها إلى المقاومة، كما تسعى إسرائيل إلى تطوير الأنظمة الذاتية بشكل أكبر لتصبح قوة عالمية في هذا المجال، بحسب خبير تكنولوجيا المعلومات.
مصنع اغتيالات
وقالت مصادر مطلعة على كيفية دمج الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي في عمليات الجيش الإسرائيلي إن مثل هذه الأدوات سرّعت بشكل كبير عملية إنشاء الهدف.
وقال مصدر عمل سابقًا في قسم الأهداف: "نعد الأهداف تلقائيًا ونعمل وفقًا لقائمة مراجعة". "إنه حقًا مثل المصنع. نحن نعمل بسرعة ولا يوجد وقت للتعمق في الهدف".
وقال مصدر منفصل إن منصة "الإنجيل" سمحت لجيش الدفاع الإسرائيلي بإدارة "مصنع اغتيالات جماعية".
وقال السخاوي لـ"العين الإخبارية"، أن نظام "Fire Factory" الذي تستخدمه القوات الجوية الإسرائيلية، يُحدد الأهداف العسكرية، ويُخصص الأسلحة المناسبة لكل منها، مع تقديم جداول زمنية محسّنة للعمليات القتالية، ما يتيح استجابة أسرع وأكثر دقة في ميادين القتال المختلفة.
عملية بيجر.. ذروة "الحروب السيبرانية"
وأضاف السخاوي أن الحروب السيبرانية بدأت بالفعل، مشيرًا إلى التطور الجديد الذي شهدته الساحة العسكرية، من خلال هجوم إسرائيل الأخير على لبنان الذي استهدف أجهزة النداء "بيجر"، وهو ما يُعتبر مؤشرًا على دخول الحروب السيبرانية مرحلة جديدة، لافتًا إلى أن التكنولوجيا الحديثة لم تعد مقتصرة على سرقة البيانات والمعلومات فقط، بل امتدت إلى استخدام أدوات مثل أجهزة النداء في تنفيذ هجمات معقدة.
وأوضح أن أجهزة النداء "بيجر" تتميز بأنها لا تعتمد على الشبكات الخلوية، ما يجعلها وسيلة أكثر أمانًا في بعض الحالات مثل المستشفيات والمراكز الأمنية، إذ إنها أقل عرضة للاختراق، ومع ذلك، تشير التحليلات إلى احتمالية زرع متفجرات في هذه الأجهزة أو اختراق سيرفراتها لتنفيذ الهجوم.
وذكر أن الناس كانوا يعتقدون أن أقصى خطر يمكن أن ينتج عن التكنولوجيا هو سرقة البيانات والمعلومات، لكن هذه الهجمات السيبرانية توضح أن التهديدات تتعدى ذلك وتفتح الباب لمرحلة جديدة من الصراعات التي تعتمد على التكنولوجيا.
ولفت إلى أن هناك اعتقادًا خاطئًا بأن الهواتف المحمولة البسيطة التي لا تدعم الإنترنت أو الكاميرات آمنة، مضيفًا أن هذه الأجهزة ليست محصنة بالكامل من الاختراقات، حيث يمكن الوصول إلى المكالمات والرسائل النصية من خلال ثغرات معينة، ما يؤكد أنه لا يوجد جهاز هاتف آمن بنسبة 100%، بغض النظر عن علامته التجارية.