في الحقيقة لا تكمن معاناة المواطن الإيراني خلال حياته فحسب، بل حتى بعد مماته، يتاجر حكام بلده بدمه ومعاناته ويستثمرون بذلك أيما استثمار
لم تمض ساعات على سقوط الطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار العاصمة الإيرانية طهران في الثامن من يناير/كانون الثاني 2020 ومقتل طاقمها وجميع المسافرين على متنها والبالغ عددهم 176 شخصا، إلا وحصلت أغلب دول العالم على معلومات تفيد بأنّ ثمة استهداف مقصود لهذه الطائرة باستثناء إيران، التي ظلت حتى الرمق الأخير تحاول طمس الحقيقة، وحين ضاق الخناق عليها اعترفت بمسؤوليتها عن ذلك بعد تزايد الأدلة الدامغة ضدها.
وما كان يدري أنّ ما هرب منه ذات يوم من قتل وبطش وتشريد لاحقه اليوم من خلال طيش وقلة معرفة قادة عسكريين يسمون أنفسهم مستشارين يبيعون العالم وهما، بأنهم على قدر كبير من التقانة والدقة والاحترافية العسكرية، بينما لا تميز أعينهم الطائرة المدنية من الهدف المعادي
من خلال اعتراف المسؤولين الإيرانيين على مراحل بإسقاط الطائرة ووصفهم الحادث بالخطأ غير المقصود يمكن ملاحظة جملة من التفسيرات المتناقضة للحكومة الإيرانية، وهذا يقود للاستنتاج بأنّ طهران كانت تنوي طمس الأدلة وتضييع حقوق المدنيين على متن الطائرة المنكوبة، وإلا كيف يفسر كتمانها سبب الحادث؟ علما أنّ العميد قائد قيادة القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده وهو المسؤول عن الوحدة التي أطلقت الصاروخ، صرح في يوم الحادث بأنّ الطائرة أسقطت بصاروخ قصير المدى انفجر بالقرب منها.
بعيدا عن الضغوط السياسية التي تتعرض لها إيران والتجاذب الحاد بينها والولايات المتحدة ثمة أمر لا بد من التوقف عنده، وهو ماهية الركاب الذين كانوا على متن الطائرة الأوكرانية وطريقة تعاطي السلطات الإيرانية مع هؤلاء الضحايا عقب الحادث، وهو الأمر المضحك المبكي في أن لطهران وبعد إجبارها على الاعتراف بذنبها لم يكترث أصحاب القرار الإيراني لردة فعل ذوي الضحايا بقدر بحثهم عن طرق تخفف عبئ التعويض المالي لهذه الأسر المفجوعة، وهنا تكمن النقطة الأكثر غرابة حين تحول فجأة الكنديون على متن الطائرة المنكوبة إلى إيرانيين.
عند استعراض جنسيات من كان على متن الطائرة تبدو الصورة غير واضحة بما فيه الكفاية؛ إذ يظهر سجل الركاب البالغ عددهم 176 من بينهم 15 طفلاً أسماءهم وتواريخ ميلادهم، ولكن لا يوضح إلى أي الجنسيات ينتمون، وهذا ما استغلته السلطات الإيرانية لتأتي على أن من بين ضحايا الطائرة 147 من الإيرانيين، حسب رئيس عمليات الطوارئ في إيران، وهذا يشير إلى أن 65 شخصا ممن كانوا في الطائرة ممن يحملون جنسيات مزدوجة، وهو أمر لا تعترف به السلطات الإيرانية، لذلك بات صوتها يعلو بأنها غير ملزمة بدفع تعويضات مالية لأسر هؤلاء على اعتبار أنهم إيرانيون.
في الحقيقة لا تكمن معاناة المواطن الإيراني خلال حياته فحسب، بل حتى بعد مماته، يتاجر حكام بلده بدمه ومعاناته ويستثمرون بذلك أيما استثمار لا يمكن للعقل تحمله ولا القبول به، فالأفعال التي يقومون بها من زج عشرات الآلاف داخل السجون والفقر الذي وصل في بعض المناطق حدود الستين في المئة، والهيمنة على مقدرات البلاد من قبل رجالات "الولي الفقيه" وسلطة رجال الدين المسلطة على رقاب الشعب، يأتي من يمنح "شرف" الجنسية الإيرانية للكنديين عقب وفاتهم لا لشيء فقط كي لا تكون إيران ملزمة بدفع مبالغ كبيرة نتيجة ما اقترفت يداها بحق عشرات المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنّ كثيرا منهم جاء ليزور أقاربه أو أصدقاءه شوقا لهم وما كان يدري أنّ ما هرب منه ذات يوم من قتل وبطش وتشريد لاحقه اليوم من خلال طيش وقلة معرفة قادة عسكريين، يسمون أنفسهم مستشارين يبيعون العالم وهما بأنهم على قدر كبير من التقانة والدقة والاحترافية العسكرية، بينما لا تميز أعينهم الطائرة المدنية من الهدف المعادي.
لم يكن كل شيء على ما يرام كما قال قائد الطائرة المنكوبة في آخر كلماته، فما كان يفكر به الكابتن ذو الخبرة الواسعة بـ12000 ساعة طيران في رحلات على الطائرة 737-800 قبل الحادث مختلف تماما عمن يضمر له وركاب طائرته الشر، فشتان بين من يعشق السلام ومن يعمل على إشعال الحروب في كل بقعة حوله، وهذا ما تعمل عليه إيران منذ ما تسميه "نجاح الثورة الإسلامية" وتدفع ثمنه الدول العربية وشعوب المنطقة دما وقتلا وتشريدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة