أسعار السيارات في أمريكا.. مؤشر "صادم" لتضخم جامح بالمستقبل
لفهم سبب التضخم الجامح، يمكن متابعة سوق السيارات الأمريكي اليوم، فأسعار السيارات المستعملة تتراجع بأسرع وتيرة منذ عقود، والجديدة باهظة.
أبسط تفسير لذلك هو أن أسعار السيارات المستعملة كانت جنونية العام الماضي بسبب قلة أعدادها، وما يزال أمام أسعارها طريق هبوط طويل. لكن هناك أسباب أخرى أكثر إثارة للقلق.
لدى العائلات الثرية كثير من المال المدخر وترغب في دفع علاوة للحصول على سيارة جديدة أكبر وأفخم. لذا كانت تقريباً جميع السيارات الجديدة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية إما مشتراة مسبقاً وإما أن ملاكها باعوها بما يوازي كامل سعر طرحها خلال أسبوع فقط من استلامهم لها، وفقاً لـ"كوكس أوتوموتيف".
في المقابل تراجعت أسعار السيارات المستعملة 16% تقريباً عن ذروتها في يناير/كانون الأول، حسب بيانات "بانثيون ماكروإيكونميكس" يأتي ذلك بعدما استخدمت فيه العائلات الأقل ثراءً احتياطياتها النقدية التي جمعتها أثناء الوباء.
لم يقتصر الأمر على بروز محدوديات عديدة في مناسيب النقد المتاح لكثير منها، بل إن خياراتها للشراء بالائتمان باتت أقل مع ارتفاع متوسط أسعار الفائدة على قروض السيارات المستعملة إلى حوالي 12% مقارنة مع 7.6% على قروض السيارات الجديدة، كما تُظهر بيانات "كوكس". ربما تستمر هذه الآلية إذ يتوقع "جيه بي مورجان" حدوث انخفاض يصل إلى 20% في أسعار السيارات المستعملة العام المقبل مقارنة مع انخفاض أقصاه 5% في أسعار المركبات الجديدة.
وتسبب انكماش الأسعار هذا بوقوع بعض الضحايا البارزين. كانت شركة "كارفانا" المثال الأوضح فقد خسرت الشركة التي تبيع السيارات عبر الإنترنت معظم قيمتها هذا العام واضطرت لإلغاء آلاف الوظائف. كما كانت "هيرتز جلوبال هولدينجز" شركة أخرى تلقت أسهمها ضربة قوية بعدما أعلنت انخفاض قيم إعادة بيع أساطيلها من سيارات التأجير. لكن تلك مفارقات صغيرة في مشهد قوة الاستهلاك فيما عدا ذلك.
فيما تحاول الولايات المتحدة كبح وتيرة أسرع تضخم منذ أربعة عقود، يبحث الاقتصاديون عن مدخلات أساسية بحثاً عن مؤشر لتحري سرعة استقرار الأسعار. وتعد تكاليف السيارات مدخلاً هاماً لمقاييس التضخم الأساسية، حيث تمثل حوالي 11% من بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأساسية، التي يضعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي نصب عينيه لدى اتخاذه قرارات السياسة النقدية. يعد انخفاض أسعار السيارات المستعملة تطوراً رائعاً لمن يريدون مزيداً من استقرار الأسعار، لكن ارتفاع أسعار السيارات الجديدة يلقي بظلاله على الصورة، فيبقى الاحتياطي الفيدرالي بذلك تحت الضغط لمواصلة رفع أسعار الفائدة القياسية، حتى فيما تشعر العائلات ذات الدخل المنخفض بتزايد الضغط والألم.
يبدو ارتفاع الأسعار لمدة أطول مما تستطيع أسر كثيرة تحمله مرجحاً بازدياد، بينما تستمر تلك الأكثر ثراء بالإنفاق من النقد الوفير لديها. تستعد الأسر ذات الدخل المنخفض لتلقي ضربة من كلا الجانبين، مع انخفاض الدخل المتاح وقلة الفرص في اقتصاد يواجه مساراً صعباً.
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز