البصمة الكربونية للحروب.. خبير بريطاني يفتح «الصندوق الأسود»
المعروف أن الحرب تضر بالبيئة، حيث تظل المواد الكيميائية تلوث التربة والمياه، ولكن الأمر الأقل وضوحاً هو انبعاثات الكربون، الناجمة عن الصراعات المسلحة وتأثيراتها الطويلة الأمد على المناخ.
هذه المشكلة تم تناولها في مقال نشره المحاضر الأول بكلية إدارة الأعمال بجامعة كوين ماري في لندن بنيامين نيمارك، بموقع "ذا كونفرسيشن".
يقول نيمارك: "توصلت أنا وزملائي في دراسة بحثية، إلى أن المؤسسة العسكرية الأمريكية وحدها تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن أكثر من 150 دولة، ولكن في كثير من الأحيان، تركز المناقشات حول الروابط بين الجيوش وتغير المناخ فقط على المخاطر المستقبلية التي تهدد الأمن العالمي في المناطق المتأثرة بالمناخ".
ويضيف أن "هناك العديد من المحاولات الفاترة التي تبذلها الجيوش لتخضير آلاتها الحربية، عبر تطوير الدبابات الكهربائية أو السفن البحرية التي تعمل بالوقود الحيوي، ومع ذلك فإن هناك القليل من النقاش حول كيفية مساهمتها في تغير المناخ، خاصة أثناء الحرب".
الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة
وفتح نيمارك في مقاله "الصندوق الأسود" لانبعاثات الجيوش الكربونية، حيث أوضح أن بعض الانبعاثات العسكرية لا تقتصر بالضرورة على زمن الحرب، ولكنها تزيد بشكل كبير في أثناء القتال، ومن بين أكبر المصادر وقود الطائرات والديزل للدبابات والسفن البحرية.
وتشمل المصادر الأخرى تصنيع الأسلحة والذخيرة، ونشر القوات، وتغذية الجيوش، ثم هناك الخراب الذي تسببه الجيوش بإسقاط القنابل، بما في ذلك الحرائق والدخان والركام الناجم عن الأضرار التي لحقت بالمنازل والبنية التحتية، وكل ذلك يرقى إلى "بصمة حرب كربونية" هائلة.
ومن أجل حساب كل هذا الكربون، يجب على الباحثين البدء بالبيانات الأساسية المحيطة بانبعاثات "ماسورة العادم" المباشرة، والمعروفة باسم انبعاثات النطاق 1، وهذا هو الكربون المنبعث مباشرة من حرق الوقود في محرك الطائرة.
ويقول نيمارك: "على سبيل المثال. إذا عرفنا كمية الوقود التي يستهلكها نوع معين من الطائرات النفاثة لكل كيلومتر، فيمكننا البدء في تقدير كمية الكربون المنبعثة من أسطول كامل من تلك الطائرات خلال كمية معينة من المهام".
ثم لدينا الانبعاثات الناتجة عن التدفئة أو الكهرباء والتي تكون نتيجة غير مباشرة لنشاط معين، مثل الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز لإنتاج الكهرباء لإضاءة ثكنات عسكرية، على سبيل المثال، و"هذه هي انبعاثات النطاق 2".
ويقول نيمارك: "من هنا، يمكننا أن نحاول تفسير (الذيل الطويل) المعقد للانبعاثات غير المباشرة أو المجسدة، والمعروفة باسم (النطاق 3)، وتوجد هذه الانبعاثات في سلاسل التوريد العسكرية الواسعة النطاق وتتضمن الكربون المنبعث من أي شيء بدءًا من تصنيع الأسلحة إلى تكنولوجيا المعلومات وغيرها من الخدمات اللوجستية".
ومن أجل فهم الانبعاثات الناتجة عن العمليات القتالية بشكل أفضل، اقترح نيمارك وزملاؤه فئة جديدة، هي (النطاق 3 بلس)، والتي تشمل كل شيء من الأضرار الناجمة عن الحرب إلى إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع.
ويقول: "على سبيل المثال، سوف تكون الانبعاثات الناجمة عن إعادة بناء غزة أو ماريوبول في أوكرانيا هائلة".
مشكلات ملموسة
ويوضح أحدث بحث أجراه نيمارك وزملاؤه، الذي تناول استخدام الجيش الأمريكي للخرسانة في العراق من عام 2003 إلى عام 2011، بعض الحسابات المعنية.
فأثناء احتلاله لبغداد، قام الجيش الأمريكي ببناء مئات الأميال من الجدران كجزء من استراتيجيته لمكافحة التمرد في المناطق الحضرية، وقد تم استخدامها للحماية من الأضرار الناجمة عن القنابل.
ومع ذلك، فإن للخرسانة أيضًا بصمة كربونية هائلة، حيث تمثل ما يقرب من 7% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وكانت الجدران الخرسانية في بغداد وحدها حوالي 412 كيلومترا (256 ميلا)، أطول من المسافة من لندن إلى باريس.
وتسببت هذه الجدران في انبعاث ما يقدر بنحو 200 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون وما يعادله من الغازات الأخرى (CO₂e)، وهو ما يعادل تقريبًا إجمالي انبعاثات عادم السيارات السنوية في المملكة المتحدة، أو كامل الانبعاثات لدولة جزرية صغيرة.
حرب أوكرانيا تعادل البصمة الكربونية لبلجيكا
وفي أوكرانيا، يقول نيمارك إن زملاءه بدؤوا مهمة هائلة تتمثل في جمع كل العوامل السابقة وأكثر من ذلك من أجل حساب التأثيرات الكربونية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، ويعد هذا العمل ثوريًا لأنه يحاول القيام بالمهمة الصعبة للغاية المتمثلة في حساب انبعاثات الحرب في الوقت الفعلي تقريبا.
ويوضح أن تقديرات الباحثين تشير إلى أن البصمة الكربونية للسنة الأولى من الحرب بلغت نحو 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل تقريبا الانبعاثات السنوية لبلجيكا، والذخيرة والمتفجرات وحدها تكفي لنحو 2 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في تلك الفترة، أي ما يعادل حوالي مليار شريحة لحم بقري (150 جرامًا)، أو 13 مليار كيلومتر من القيادة.
ويختم بالإشارة إلى أن "التركيز على انبعاثات الصراعات يأتي في الوقت المناسب، ليس فقط بالنظر إلى حرب أوكرانيا وحرب غزة، ولكن أيضا بسبب مشروع التشريع المتعلق بالمبادئ القانونية السبعة والعشرين المتعلقة بحماية البيئة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة (بيراك) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022".
وعلى الرغم من أن بيراك يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام، فإنه لا يزال لديه القليل ليقوله عن انبعاثات غازات الدفيئة في أثناء الصراع.
ويقول نيمارك إنه "ينبغي على الحكومات أن تلتزم بواجباتها فيما يتعلق بالإبلاغ الشفاف والدقيق عن الانبعاثات العسكرية، حيث بدأ الناس يربطون بين النزاعات المسلحة وانبعاثات غازات الدفيئة وحماية البيئة، لكن الموضوع لا يحظى بالتغطية الكافية ولم يتم بحثه، ولقد حان الوقت لتسليط الضوء على هذا الجانب الخفي من الحرب".