بالفيديو.. القصبة في الجزائر.. حي أثري يروي تاريخ دولة
القصبة ليست مجرد حي، فهي المكان الذي يروي تفاصيل كل ما فيها حكايات تاريخ بلد بحجم الجزائر
القصبة ليست مجرد حي، فهي المكان الذي يروي تفاصيل كل ما فيها حكايات تاريخ بلد بحجم الجزائر، أو هي الكتاب المفتوح الذي يتصفح من خلاله زائر القصبة تاريخاً لحضارات مرت وأبدعت، أو هي"الحيُ الشاهد الحي" منذ آلاف السنين.
تاريخ القصبة
تعني كلمة القصبة في مجمع المعاني الجامع أن القَصَبَةُ من البلاد أي مَدِينتُها، أما في معناها التقليدي العاصمي فتعني "وسط المدينة"، وتعرف شوارعها في لهجة سكان العاصمة الجزائرية باسم "زنقة" أو "زنيقة" بمعنى الشارع الضيق، أما معناها الأصلي فهي وسط المدينة العريقة المحصنة والمحاطة بالأسوار.
حيث تتحدث الدراسات التاريخية أن مسمى القصبة يرجع إلى عهد الفينيقيين الذين استعملوا هذا المكان لموقعه الاستراتيجي آنذاك في التجارة الدولية.
يقع حي القصبة العتيق في أعالي الجزائر العاصمة، وهو من أكبر الأحياء القديمة في الجزائر، حيث تروي كتب التاريخ أن القصبة بُنيت على الأطلال الرومانية أكزيوم منذ أكثر من 2000 سنة من طرف الأمير بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي.
وفي عهد الإمبراطورية العثمانية، تحولت القصبة إلى مقر للسلطان، بعد أن أعاد العثمانيون بناءها فوق الجبل المطل على البحر الأبيض المتوسط كقاعدة عسكرية، شكلت حصناً منيعاً صامداً ضد أعداء الدولة العثمانية إلى غاية 1830، تاريخ دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر الذي استمر 132 سنة.
أما القصبة في فترة الاحتلال الفرنسي فكانت الحي الذي تحدى فرنسا الاستعمارية حينما انطلقت الشرارات الأولى للثورة بالعاصمة الجزائر من القصبة تحديداً، بعد تفجرها بمنطقة الأوراس شرقاً، وفي منطقة القبائل وسط الجزائر، ومنطقة التيطري غرباً.
القصبة وفي هذه الفترة الأصعب والأهم في تاريخ الجزائر الحديث، كانت معقل المجاهدين الجزائريين أمثال جميلة بوحيرد، حسيبة بن بوعلي، علي لابوانت، أحمد زبانة، وجميلة بلباشا، فكانت ساحة المجاهدين التي واجهوا وأرعبوا فيها فرنسا الاستعمارية، و كان "دار السبيطار" مخبأهم في الغالب بعد تنفيذ كل عملية، لتكتب وبحروف من دم أحد أهم فصول أعظم ثورة في القرن العشرين.
وبعد الاستقلال، صنفت منظمة اليونيسكو قصبة الجزائر ضمن التراث العالمي عام 1992، فهي الحي الذي بُني قبل اختراع وسائل النقل الحديثة، ويتميز بأزقته الضيقة ووجود أنفاق تحت العمارات، إضافة إلى مجموعة من السلالم، حيث إن مدينة الجزائر العاصمة مبنية على هضبة تمتد من البحر إلى القمة، ولحماية هذا الحي العتيق وضعت وزارة الثقافة الجزائرية مخططاً دائماً لحماية التراث الثقافي للحي بجميع مكوناته.
دور وأبواب القصبة
القصبة حي عتيق بحجم مدينة، لا يزال إلى يومنا هذا ورغم قِدم أحيائه محافظا على التراث الجزائري الأصيل، فيجد الزائر مساجد وقصوراً ودوراً وحمامات ودكاكين تعود إلى الفترة العثمانية.
حيث كانت القصبة حصناً يُغلق ليلا وله مجموعة من الأبواب في جهاتها الأربع، ومن أهم أبوابها "باب عزون" من جهة الشرق، و"باب الوادي" من الجهة الغربية، ومن جهة البحر نجد "باب الجزيرة"، أما من الجهة العلوية "باب الجديد".
حي القصبة العتيق المبني على الطراز التركي العثماني يشبه في داخلهِ المتاهةَ التي يصعب الخروج منها على كل أجنبي عنها، في تداخل أزقتها وكثرتها وتقاطعها، ومن أهمها "زنيقة العرايس" أو العرائس، و"زنيقة مراد نزيم بك" وهو إحدى بايات وسط الجزائر.
تنتشر في "زنيقات" أو شوارع القصبة المحلات التجارية، ومنها ما تمارس فيها المهن القديمة التي لا نراها في بقية الأحياء الحديثة للعاصمة الجزائرية، كصناعة السروج الخاصة بالأحصنة، وصناعة النحاس والحلي الفضية، إضافة إلى الخياطة، والطرز على الحرير والألبسة التقليدية، النجارة، الحلويات الشرقية، وغيرها.
وما يمنح القصبة كل هذه الروعة هي الأرضية التي بُنيت عليها، المتمثلة في هضبة تنكسر من على ارتفاع 118 متراً، فتظهر أزقتها متشعبة، وبيوتها بهندسة خارجية وداخلية ترجع كل من يزورها إلى عصور مضت.
فالداخل إلى بيوتها أو دورها ذات المعمار الإسلامي المتميز، يجد أنها مكشوفة بدون سقف، وساحاتها مربعة الشكل، ووسط البيوت المعروف "بصحن الدار" يحوي نافورة ماء وبئراً.
بيوت القصبة تتميز أيضاً بنوافذ صغيرة مزينة بقضبان حديدية جميلة، إضافة إلى التقارب الشديد بين بعضها البعض، حيث يسهل جداً القفز من دار إلى دار، حتى أن أي شخص بإمكانه اجتياز القصبة كلها عبر سطوح المنازل.
مساجد القصبة
تضم القصبة مجموعة من المساجد التي شيدها العثمانيون منذ خمسة قرون، حيث تظهر بطراز معماري إسلامي، كما تتميز الزخارف الموجودة بها وأسقفها وجدرانها بتداخل فريد عمراني جزائري عثماني.
ومن أقدم هذه المساجد "جامع كتشاوة" الذي بني عام 1612، وفي القرن الـ18 حاول الاحتلال الفرنسي تحويله إلى كنيسة بعد أن استبدل عدداً من نقوشه وزخارفه الإسلامية ببناء الجدران والمداخل على الطريقة المعمارية الفرنسية، فارتكب مجزرة استشهد خلالها 4000 مصل اعتصموا احتجاجاً على قرار تحويله إلى كنيسة.
يوجد أيضاً في الحي العتيق "الجامع الكبير"، و"جامع السلطان"، و"الجامع الجديد"، إضافة إلى عدد من المساجد الصغيرة "كمسجد سيدي محمد الشريف"، و"سيدي عبد الله" و"سيدي بن علي".
كما يوجد بالقصبة الضريح الشهير "سيدي عبد الرحمن الثعالبي" الذي يعتبر مزاراً كبيراً في هذا الحي العتيق.
قصور القصبة
يضم الحي العتيق عدداً من قصور العثمانية في غاية الجمال والتصميم، رغم تعرضها للسرقة والتهديم المتعمد فترة الاحتلال الفرنسي.
ومن بين هذه القصور "قصر أحمد باي" الذي تم تحويله إلى مقر للمسرح الوطني الجزائري، إضافة إلى "قصر الحمرة" الذي تحول إلى دار للثقافة.
تحتوي القصبة أيضاً على "قصر مصطفى باشا"، "قصر الداي" أو كما يعرف "بدار السلطان"، و"قصر الرياس" و"قصر خداوج"، إضافة إلى "قصر سيدي عبد الرحمن" ودار عزيزة بن السلطان، "قصر دار الصوف"، "قصر دار القادس".
فن القصبة
للقصبة فن شعبي يميزها، وهو ما يعرف "بالبوقالات"، وهي عبارة عن خواطر شعرية شعبية تعتمد على "الفأل" أو "الفال" باللهجة الجزائرية، حيث تشاع عند النساء، وغالباً ما يتضمن فحواها عن الحب العفيف، والحزن على فراق الأحباب والخلان والأمل بعودتهم.
كما تتطلب هذه اللعبة الشعبية تحضيراً للأجواء الحميمية الملائمة التي تساعد المشاركات على فسح خواطرهن وشرح صدورهن للفال الطيب أو للبشرى الطيبة.
ولازالت "البوقالة"، هذه اللعبة الشعبية الفريدة، تحظى باهتمام النساء العاصميات، وتزداد شعبيتها مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام.
وتأخذ لعبة البوقالة اسمها من "البوقال" وهو الإبريق أو الإناء الفخاري، الذي كان ولايزال يستعمل في هذه اللعبة، بعد أن يتم ملؤه بقليل من الماء، مع "كانون" للبخور.
للإشارة فان حي القصبة العتيق يجلب سنوياً أكثر من مليون سائح من مختلف الدول العربية والأوروبية، كما يستقبل يومياً ما بين 200 ألف إلى 500 ألف زائر.
aXA6IDE4LjIxNy4xNjEuMjcg جزيرة ام اند امز