تداعيات كارثية لتغير المناخ.. والذكاء الاصطناعي يرصد الانبعاثات
تركز قمة تغير المناخ (COP 27) التي تنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية بشكل أساسي على تداعيات التغير المناخي.
وتقدر تلك التداعيات بعشرات مليارات الدولارات ويتوقع أن تصل إلى مبالغ خيالية، إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه بجدية بعد الحديث عن خسائر التغير المناخي هو من الدول التي ستتحمل عبء تلك الخسائر الفادحة، خاصة في ظل تخاذل العديد من الدول المتقدمة والمسؤولة الكبرى عن غازات الدفئية.
يأتي هذا في الوقت الذي جرى فيه تطوير أداة لمراقبة الانبعاثات الدفئية في العالم عبر الذكاء الاصطناعي وهو أمر سيدين الدول المتقدمة بشكل أكبر.
الدول الفقيرة الخاسر الأكبر
تشير "الخسائر والأضرار" التي أدرجت رسميّا يوم الأحد الماضي على جدول افتتاح أعمال مؤتمر الأطراف حول المناخ في شرم الشيخ "كوب 27" إلى أن الدول الفقيرة الأكثر عرضة لتداعيات التغيّر المناخي والتي عادة ما تكون مسؤوليتها محدودة جدا على صعيد انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار.
ويركّز اتفاق باريس المبرم في عام 2015 والذي يشكل الوثيقة الرئيسية لمكافحة الاحترار المناخي، على عنصرين رئيسيين هما "تخفيف" أو تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة و"تكيّف" الدول مع الآثار المادية والاجتماعية المتوقّعة مثل ارتفاع مستوى البحار أو تغيّر المنظومات الزراعية على سبيل المثال.
وكان الاتفاق يحيل خصوصا إلى ما يعرف بـ"آلية وارسو" التي استحدثت عام 2013 خلال كوب19 في بولندا "لدعم اعتماد مقاربات لمواجهة الخسائر والأضرار".
لكن منذ ذلك الحين، استمرّ عددها وحجمها في الارتفاع كما تظهر الكوارث المتكرّرة في 2022 عبر العالم، من فيضانات وحرائق هائلة وموجات قيظ وجفاف.
وتفيد الأمم المتحدة بأن الفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان وأثّرت على 33 مليون شخص، تسبّبت بأضرار وخسائر اقتصادية تزيد عن 30 مليار دولار.
في الوقت الذي قدّرت فيه دراسة حديثة أعدّتها مجموعة "في20" التي تضم 58 بلدا "ضعيفا" أمام تداعيات التغيّر المناخي، كلفة الكوارث المناخية على اقتصاداتها بـ525 مليار دولار منذ 20 عامًا.
وتراوحت تلك الخسائر بين 290 و580 مليار دولار سنويا في 2030 وبين 1 و1.8 تريليون دولار في 2050 وفق الأرقام التي أوردها معهد غرانثام حول التغيّر المناخي من كلية لندن للاقتصاد.
وإزاء هذه المبالغ الضخمة، تطالب أكثر الدول عرضة لتداعيات بآلية تمويل محدّدة لهذا المجال، إلا أن الدول الغنية تظهر تحفّظا منذ البداية وسط هروب من تحمل العواقب المالية.
كما أن عجزها المتواصل في الإيفاء بوعد سابق برفع مساعداتها للدول النامية لتخفيف التداعيات والتكيّف مع التّبدل المناخي إلى مئة مليار سنويا في 2020، أضعف موقفها.
وبلغت هذه المساعدة حتى الآن 83 مليار دولار للعام 2020 وفق آخر الأرقام الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والتي تطعن بها الدول الهشة.
أداة جديدة لمراقبة الانبعاثات
وظهرت أداة جديدة لمتابعة الانبعاثات عرضت خلال مؤتمر الأطراف حول المناخ كوب27 المواقع الـ14 الأكثر تسببا بانبعاثات غازات الدفيئة وهي جميعها مواقع لاستخراج النفط أو الغاز.
وتقيم أداة "كلايميت ترايس" بفضل بيانات تجمع عبر الأقمار الاصطناعية خصوصا، انبعاثات أكثر من 72 ألف موقع في العالم في قطاعات مختلفة من صناعات ثقيلة وزراعة وانتاج الطاقة ونقل ونفايات ومناجم.
وتستخدم "كلايميت ترايس" التي يشرف عليها "ائتلاف" يضم مختبرات أبحاث وشركات ومنظمات غير حكومية وقد مولت في البداية بفضل هبة من جوجل، الذكاء الاصطناعي لجمع كميات كبيرة جدا من البيانات وتحليلها.
وتوفر هذه البيانات خصوصا 300 قمر اصطناعي تابع لوكالة الفضاء الأمريكية ووكالة الفضاء الأوروبية وبرنامج غاوفن الصيني، وأكثر من 11 ألف مجس مادي وقواعد بيانات مختلفة على ما قال أحد مؤسسي هذا المشروع نائب الرئيس الأمريكي السابق آل غور.
وفي هذا الإطار يقول غور إنه يمكن الوصول إلى كل البيانات مجانا لا سيما عبر خارطة تفاعلية بهدف "اعتماد الشفافية والتعاون والمسؤولية المضاعفة من أجل التحرك المناخي".
وأطلق موقع هذه الأداة يوم الأربعاء الماضي وستحدث البيانات الواردة فيه شهريا في البداية ومن ثم أسبوعيا.
وأوضح غور "أكثر 14 موقعا ملوثا هي جميعها حقول نفط أو غاز يتصدرها حوض برميان (حوض النفط الطفلي في تكساس الأميركية)".
وقال "مع البيانات الجديدة حول الميثان وحرق الغازت نقدر أن الانبعاثات الفعلية هي أكثر بثلاث مرات مما هو معلن" من جانب مواقع استخراج الطاقة الأحفورية.
وأضاف غور "أكثر 500 موقع تلويثا تتسبب بانبعاثات سنوية أكبر من تلك الصادرة عن الولايات المتحدة (التي تحتل المرتبة الثانية عالميا) و51% من هذه الانبعاثات مصدرها محطات كهربائية".
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بهذه الأداة الجديدة التي تجعل "التمويه الأخضر أو بكلام آخر الغش أكثر صعوبة".
ويبدو أن تلك الأداء ستجعل موقف دول مثل الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تتحمل مسؤولية معظم الانبعاثات الصادرة في العالم أكثر صعوبة، وقد تجبرها في نهاية المطاف على قيامها بخطوات فعالة تجاه مكافحة تغير المناخ ومساعدة الدول الأكثر تضررا من تلك الظاهرة.