ارتفاع نسبة الولادة القيصرية في مصر.. "العين الإخبارية" تبحث عن الأسباب
اتسعت شريحة المصريات الحوامل المقبلات على الولادة القيصرية بشكل ضخم خلال السنوات الأخيرة، ما وضع مصر في مصاف الدول الأكثر إجراء للجراحة
ووفقا لأحدث إحصاءات أصدرتها منظمة الصحة العالمية، فإن مصر تقبع في المركز الرابع عالميا بقائمة الدول الأكثر إجراء للولادة القيصرية وبنسبة 51.8%.
وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مؤخرا أن نسبة الولادة القيصرية وصلت إلى 72% من إجمالي عمليات الولادة في مصر مقابل 52% في عام 2014.
وحذرت وزارة الصحة المصرية من مخاطر الولادة القيصرية بعد تسجيلها رقما قياسيا في البلاد، وأعلنت عن سعيها لتدشين حملات لإحياء الولادة الطبيعية أملا في احتواء الوضع.
"العين الإخبارية" تواصلت مع أطباء نساء وتوليد لتفنيد أسباب إقبال نسبة مرتفعة من النساء على الولادة القيصرية، ومخاطرها في مقابل الولادة الطبيعية.
لهذه الأسباب يلجأ الطبيب للولادة القيصرية
الدكتور أيمن هاني أحمد، أستاذ مساعد أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة واستشاري الحمل الحرج في مصر، أوضح أن الولادة القيصرية لها أسباب طبية سواء تتعلق بالأم أو الطفل.
وقال هاني لـ"العين الإخبارية"، إن أبرز الأسباب الطبية التي تتعلق بالأم وتمنع الولادة الطبيعية تشمل ضيق الحوض، أو إجراء جراحات سابقة في الرحم مثل استئصال أورام ليفية، أو الخضوع لولادة قيصرية سابقة، أو المعاناة من مشاكل صحية مثل الكبد أو القلب أو العمود الفقري.
وذكر أن الأسباب التي تتعلق بالجنين تشمل حمل الأم في أكثر من طفلين، أو مشيمة الطفل متقدمة، أو معاناة الطفل من مشاكل صحية مثل القلب، أو وضعية الطفل غير الطبيعية عند الولادة وهي لا تتعدى 4% من الحالات.
وأوضح الطبيب المختص أن ما عدا الحالات السابقة من المفترض أن تلد الحامل طبيعيا، لذا يجرى الطبيب المسؤول عن الحالة ما يسمى بـ"محاولة الولادة الطبيعية"، وبما أنها محاولة فقد تنجح وقد تفشل.
وأضاف: "أثناء المحاولة يتم متابعة الأم والجنين بشكل دقيق طوال فترة الولادة الطبيعية، وإذا حدثت أي اضطرابات في الولادة مثل حدوث نزيف للأم شديد أو تناقص نبض الجنين وغيرهما يتدخل الطبيب سريعا لإجراء ولادة قيصرية للحفاظ على سلامتهما".
واعتبر الدكتور أيمن أن الإجابة على سؤال "هل تستدعي الحالة الولادة القيصرية من عدمه" تتلخص في أمرين، الأول رؤية الطبيب المشرف على الحالة والتي يحدد أيهما أصلح للحامل طبقا للحالة الطبية، والثاني عوامل خارجية قد تضغط على الطبيب ليحول مسار الولادة مثل رغبة الحامل أو الأهل وعدم فهمهم للولادة الطبيعية
وشرح: "الولادة الطبيعية قد تستغرق من 12 لـ18 ساعة وبعض الأهالي يتذمرون بمجرد مرور الساعات ويطلبون أن تلد قيصريا، فضلا عن كونها تتضمن قدرا من الوجع المستمر لفترة، وأنها محاولة قد تنجح وقد تفشل وبالتالي يرفضها البعض ويتجهون للقيصرية".
وأوضح أن تجهيز المستشفى أحد العوامل المؤثرة في تحديد طبيعة الولادة، بمعنى أن أغلب المستشفيات تكون أجهزة مراقبة نبض الجنين غير كافية لمتابعة عدد الولادات الطبيعية.
وتابع: "وبالتالي تكون المستشفيات غير مؤهلة لاستقبال عدد من الولادات الطبيعية في الوقت نفسه، وفي هذه الحالات يتخوف الطبيب من تعب المولود أو أي مخاطر غير محسوبة ويولد الحامل قيصريا".
وأخيرا قانون المسؤولية الطبية غير الموجود يعرض الطبيب في حال حدوث أي مشاكل تخص الولادة الطبيعية للوقوف أمام النيابة، وهذا أمر خطير جدا لأن في هذه الحالة لا يوجد طبيب مختص يحقق مع الطبيب ويتعرف على الملابسات الطبية للموضوع بل يحيله مثل المجرمين للنيابة، وفقا للطبيب.
وشرح: "أحيانا يحدث تغير بسيط أثناء العملية يمكن أن يكمل الطبيب في وجوده الولادة بشكل طبيعي لكن تخوفه من حدوث شيء أكبر وتحمل المسؤولية القانونية يجعله يغير مسار الولادة القيصرية".
ورأى هاني أنه في المجمل هناك عوامل غير طبية قد تؤدي في بعض الأحيان للجوء للولادة القيصرية، بما في ذلك عدم تقدير المريضة لمجهود الطبيب مهما بذل مجهودا مضاعفا، لأن "القيصرية" مجهودها أكبر بكثير من الطبيعية لكن تقديرها أقل، وفقا للطبيب.
أما عن مشاكل الولادة القيصرية، فرأى أستاذ الحالات الحرجة أن نسبتها قليلة جدا من 1% لـ3% وجميعها تتعلق بالجراحة، مثل مشاكل التخدير والنزيف الجراحي بعد الولادة، ويمكن تجنبها باتباع الطرق الجراحية السليمة، فضلا عن التأكد من سلامة التحاليل الطبية للمريضة قبل الجراحة خاصة عدم وجود أنيميا أو سيولة أو مشاكل في الكبد
وحذر من الولادة في أماكن غير مرخصة أو مجهزة جيدا على اعتبار أن الولادة أمرها بسيط، قائلا: "الولادة مش حاجة بسيطة وتستدعي أن يكون الطبيب في مكان مجهز".
انتشار الولادة القيصرية مسؤولية الأهالي والدولة
الدكتور محمد عاصم الليثي، استشاري النساء والتوليد وتأخر الإنجاب في مصر، رأى أن انعدام الوعي لدى المجتمع والأسر من الأسباب الرئيسية لانتشار الولادة القيصرية، فضلا عن مشاكل تتعلق بتجهيز الأطباء والمستشفيات في مصر.
وقال الليثي لـ"العين الإخبارية"، إن هناك الكثير من الحوامل يطلبن أن يلدن قيصريا خوفا من ألم الولادة الطبيعية أو لاطلاعهن على معلومات خاطئة عن الولادة الطبيعية مثل "ماما قالت لي القيصري أسهل" أو بحجة "صاحبتي ولدت قيصري وأنا عايزة أولد زيها".
وشدد المختص على أهمية شرح الطبيب جميع المخاطر والفوائد للولادة الطبيعية أو القيصرية للحامل وزوجها مع موافقتها أو الوصي عنها كتابة على ذلك؛ لحمايتها وحماية الطبيب قانونيا.
واستطرد: "يجب أن يشرح الطبيب للحامل وأهلها يعني معنى الولادة الطبيعية والقيصرية، ومتى يجوز ان تلد طبيعيا أو قيصريا بناء على الدراسات العلمية المثبتة مع خبرة الطبيب المعالج".
ورأى استشاري النساء والتوليد أن "النقص الشديد سواء في تعليم وتدريب صغار الأطباء أو الإمكانيات الطبية والمعدات اللازمة على مستوى الجمهورية أحد أسباب ارتفاع نسب معدلات الولادة القيصرية في مصر".
وتابع: "باستثناء بعض المستشفيات الجامعية والتعليمية، فإن معظم مستشفيات مصر تفتقر لأسس التدريب على الولادة الطبيعية بجميع ظروفها، مع الحاجة في بعض الأحيان إلى آلات مساعدة وتدريب صغار الأطباء عليها بكفاءة عالية".
وعدد الطبيب المختص فوائد الولادة الطبيعية، موضحا أن مدة التعافي للحالة أقصر من الولادة القيصرية لأن الإجراء الجراحي في معظم الأحيان يكون سطحيا على عكس الطريقة الأخرى.
وأضاف: "إذا أرادت الأم أن تنجب ثانية لا توجد مشكلة ما دامت حالتها الطبية تسمح بذلك على عكس الولادة القيصرية، فضلا عن قلة تعرض الجنين لمشاكل في الجهاز التنفسي بعد الولادة الطبيعية مقارنة بالقيصرية".
مخاطر الولادة القيصرية على الأم والجنين
الدكتور إسلام شمس، رئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى قها التخصصي في مصر، عدد مخاطر الولادة القيصرية على الأم والجنين.
وقال شمس لـ"العين الإخبارية"، إن الولادة القيصرية عملية كبرى تحتاج إلى تخدير سواء نصفي أو كلي وقد يتسبب في مشاكل للأم أثناء الولادة، فضلا عن مشاكل ما بعد الجراحة.
وأكمل: "تشمل هذه المشاكل الألم الشديد وطول فترة التعافي وترك ندبات في مكان الجراحة أو التهابات وتورمات الجرح، فضلا عن مضاعفات أخرى مثل النزيف الشديد أثناء القيصرية والاحتياج لنقل دم أو حدوث جلطات دموية في الشرايين قد تؤدي إلى جلطات في الرئة وغيرها".
رئيس قسم النساء والتوليد رأى أن مخاطر الجراحة القيصرية تمتد لحدوث جرح في المثانة أو الأمعاء خصوصا في حالات الولادة القيصرية المتكررة، مشيرا إلى مضاعفات طويلة الأمد تظهر بعد فترة من الجراحة مثل وجود التصاقات في البطن أو حدوث المشيمة الملتصقة (المنزاحة)، وبالتالي قد تؤثر على فرص الحمل في المستقبل.
أما عن مخاطر الولادة القيصرية على المولود، فأوضح شمس أن فرص احتياج الطفل إلى دخول الحضانة تكون أعلى من الولادة الطبيعية بسبب التسرع في حساب وقت القيصرية أو حدوث مشاكل في التنفس أو إصابته بحساسية الصدر (الربو).
وشرح: "الولادة الطبيعية مع حدوث الطلق ومرور الطفل في مجرى المهبل للخروج يعرض الوليد لبعض البكتيريا المفيدة التي تحفز جهازه المناعي وتسهم في سرعة اكتمال الرئة وتحسن التنفس وترفع مناعته".
ونصح الطبيب المختص الحوامل باللجوء للولادة الطبيعية لتجنب مشاكل ومخاطر القيصرية، فضلا عن تضاؤل فرصة الرضاعة الطبيعية في حالة القيصرية.
وبجانب الأسباب التي سبق أن ذكرها زميلاه، رأى شمس أن هناك أسبابا فسيولوجية وراء زيادة نسبة الولادة القيصرية في مصر، من بنيها تغير "لايف ستايل" أغلب النساء نتيجة عدم ممارسة الرياضة أو الحركة أثناء الحمل، ونوعية الأكل، ما أدى إلى تغير جانب من الوضع التشريحي للنساء وبالتالي لا يساعد على سهولة الولادة الطبيعية.
وشدد الطبيب المختص على ضرورة "الدعوة والتثقيف" بأهمية الولادة الطبيعية لرفع الوعي لدى النساء والأهالي بفوائدها باعتبارها أكثر أمانا من القيصرية، مشيرا إلى أن مبادرة الدولة المصرية حاليا لتشجيع الولادة الطبيعية أسهمت قليلا في رفع الوعي بأهمية الولادة الطبيعية.
وأضاف: "هناك أيضا مبادرات نفذها شباب مثل حملة أطلقتها منذ فترة بعنوان (حملة مستمرة لدعم الأبطال) للتوعية بأهمية وسهولة الولادة الطبيعية، وكان مردودها إيجابيا ولمسنا زيادة لدى النساء اللاتي بتن يطلبن أن يلدن طبيعيا خاصة لو كن في أول ولادة".
aXA6IDE4LjE5MS44Ny4xNTcg
جزيرة ام اند امز