الدرونز.. تحديات أمام الأنظمة المضادة
ارتبطت الحاجة لتطوير الأنظمة المضادة للدرونز بشكل كبير بتعاظم حجم التهديدات التي فرضها الاستخدام المتزايد لأنظمة الطائرات بدون طيار.
شهد العالم خلال السنوات القليلة الماضية طفرة كبيرة سواء من حيث التوسع في طرح أشكال مختلفة ومتعددة من الدرونز ذات الإمكانيات الفائقة، وذلك للاستخدامات المدنية والتجارية أو العسكرية، أو من حيث انتشار وتعدد مجالات الاستفادة من تلك الأنواع المختلفة.
وعمد الفاعلون من الدول ومن غير الدول إلى تعزيز الاستفادة القصوى من المميزات التي تطرحها الدرونز، ومن بينها انخفاض التكاليف، وسهولة التشغيل، وخفة الوزن، وصعوبة التعقب.
كذلك شهد العام الماضي على وجه الخصوص توسعا كبيرا في استخدامات الدرونز في المجالات العسكرية سواء في مناطق الصراعات أو تنفيذ الاغتيالات السياسية أو العمليات الإرهابية.
وقد فرض ما سبق أهمية توجه الدول والشركات نحو البحث عن تطوير أنظمة مضادة للدرونز، يمكن من خلالها مواجهة التحديات التي يفرضها التوسع في الاستخدامات غير الشرعية للدرونز وتقليص المخاوف الأمنية المتزايدة.
الأمر الذي دفع مركز دراسة الطائرات بدون طيار في كلية بارد بإعداد تقرير تفصيلي للعام الثاني على التوالي، صدر في ديسمبر 2019، حول أهمية تلك الأنظمة وآليات عملها، والتحديات التي تواجهها. وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
أهمية الأنظمة المضادة للدرونز
ارتبطت الحاجة لتطوير الأنظمة المضادة للدرونز بشكل كبير بتعاظم حجم التهديدات التي فرضها الاستخدام المتزايد لأنظمة الطائرات بدون طيار، وبصفة خاصة في ظل توافر الأحجام الصغيرة منها وبأسعار رخيصة، الأمر الذي ساعد على انتشارها في الاستخدامات المدنية وتلك العسكرية.
ويمكن بلورة أهم أسباب زيادة الطلب على الأنظمة المضادة للدرونز على النحو التالي:
1.مواجهة الاستخدامات العسكرية للدرونز: ففي حين كانت السيادة الجوية تتحقق فقط لتلك الدول التي تمتلك برنامج طائرات متطور، إلا أنه في ظل الدرونز أصبح بإمكان نحو أكثر من (95) دولة على مستوى العالم، وهي تلك التي أشارت أحدث التقديرات الصادرة في سبتمبر/أيلول 2019 إلى امتلاكها للدرونز، من تحقيق الهدف ذاته، وبإمكانيات تمويلية وفنية أقل تكلفة، وقد أثار ما سبق قلق القادة والمخططين العسكريين.
2. الاستخدام المتزايد من جانب الفاعلين من غير الدول: حيث أصبحت الطائرات بدون طيار هي السلاح المُفضل للفاعلين من غير الدول، والتي توسعت في استخدامها في أعمال المراقبة وتنفيذ الهجمات الجوية والدعاية وغيرها. وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للدول، ومن ثم، تعد الأنظمة المضادة للدرونز هي الحل لمواجهة تلك الأنظمة، إلا أن التحدي يتمثل في انتقال الاستخدام المزدوج للدرونز إلى الأنظمة المضادة أيضًا.
3. حفظ الأمن الداخلي: حيث تعد الأنظمة المضادة للدرونز أداة مهمة لحفظ الأمن وإنفاذ القانون، في ظل التزايد المضطرد في الاستخدامات غير الشرعية للدرونز سواء في القيام بعمليات إجرامية أو إرهابية أو التهريب، ما يزيد من الطلب على طرق فعالة للكشف عن الأنظمة غير المأهولة المارقة، وإذا لزم الأمر، تدميرها.
4. عدم استعداد أنظمة الدفاع الجوي للتعامل مع الدرونز: حيث إن أنظمة الدفاع الجوي التقليدية مصممة في الغالب للكشف عن والتعامل مع الأجسام السريعة الحركة الكبيرة، وتتبعها وإسقاطها. ومن ثم، فهي غير مستعدة للكشف عن الطائرات الصغيرة بدون طيار.
فعلى سبيل المثال، فشلت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في إسقاط طائرة روسية بدائية بدون طيار في يوليو 2016، كانت قد انطلقت من سوريا وتمكنت من تفادي صاروخين من طراز باتريوت، بالإضافة إلى هجوم جوي من طائرة مقاتلة إسرائيلية.
5. تعدد استخدامات الأنظمة المضادة للدرونز: حيث يمكن الاعتماد عليها من جانب الجيوش العسكرية في أوقات الحروب، وذلك لحماية القواعد العسكرية الأرضية أو السفن البحرية. أما في السياق المدني، فتُستخدم الأنظمة المضادة للدرونز في المقام الأول لتأمين المجال الجوي للبنى التحتية الحيوية والمرافق الحساسة وتأمين الفعاليات والأحداث الكبيرة والمهمة مثل المؤتمرات والحفلات والألعاب الرياضية، وكذلك لحماية الشخصيات المهمة ومكافحة عمليات التهريب.
الأنظمة المضادة للدرونز وآليات عملها:
يشير اصطلاح الأنظمة المضادة للدرونز (counter-UAS, C-UAS, or counter-UAV) إلى الأنظمة التي تعتمد على مجموعة من التقنيات والتي تستخدم سواء للكشف عن التقاط وجود أنظمة الطائرات بدون طيار و/ أو التدخل لاعتراض و/أو تعطيل تلك الطائرات بدون طيار و/أو إسقاطها.
وقد حصر التقرير نحو (537) منتجًا من الأنظمة المضادة للدرونز، تم بيعها بواسطة (277 شركة) في أكثر من (38 دولة) مختلفة، ومن أهمها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وإسرائيل وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وروسيا والدنمارك وأوكرانيا. هذا بالإضافة إلى مساهمات محدودة من بعض دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها عمان والإمارات.
وبصفة عامة، تعد عملية مواجهة طائرة بدون طيار عملية معقدة متعددة الخطوات، وتستدعي درجة كبيرة من التفاعل بين عدة أنظمة بتكنولوجيات متطورة، كما تستدعي كذلك التفاعل بين تلك الأنظمة والعنصر البشري، ويمكن تلخيص تلك المراحل على النحو التالي:
أولاً: مرحلة الاكتشاف: حيث يقوم نظام الاستشعار بالكشف عن الطائرة القادمة في مجاله وتحديد موقعها وتعقبها، وهو الأمر الذي يعتمد على نوع النظام المستخدم. وهنا يجب على المستشعر الذي يقوم بالكشف الأولي، مثل الرادار واسع النطاق والذي يعتمد على خوارزميات للتمييز بين الطائرات بدون طيار وغيرها من الأجسام الصغيرة منخفضة الطيران مثل الطيور أو أجهزة الترددات اللاسلكية أن يتكامل عملها مع المستشعرات الثانوية مثل الكاميرات أو عناصر التعريف الإلكترونية للتأكد من أن الكائن المكتشف هو في الواقع طائرة بدون طيار وليس شيئًا آخر، وكذلك تحديد موقعه الدقيق وتتبع تحركاته.
وهنا تأتي أهمية المستشعرات الثانوية حيث تقوم بتوفير معلومات إضافية حول الطائرة بدون طيار، ما قد يساعد في تحديد درجة الخطورة، حيث قد يتبين من خلال الكاميرا ما إذا كانت الطائرة بدون طيار تحمل متفجرات أم لا.
كذلك قد تتمكن بعض المستشعرات الإلكترونية من تحديد موقع مشغل الطائرة بدون طيار، كما أن تخزين بيانات المستشعر يمكن استخدامها لاحقًا كدليل على وجود المتفجرات.
ثانيًا: مرحلة تحديد الاستجابة المطلوبة: بناءً على المعلومات الواردة من هذه المستشعرات، يأتي دور الفريق البشري المتحكم في الأنظمة المضادة للدرونز، حيث يحدد شكل الاستجابة المطلوبة للطائرة بدون طيار الموجودة في مجاله والتي قد تشمل تشويش الترددات اللاسلكية أو تشويش المواقع (GNSS) أو الخداع من خلال التحكم في الطائرة المستهدفة أو توجيهها بشكل غير صحيح من خلال إطعامها ارتباطًا مزيفًا أو ارتباط تنقل. ومن ثم، قد لا تشتمل الاستجابة المطلوبة دائمًا على تفعيل نظام الحظر.
وبإمكان بعض الأنظمة تحديد موقع مشغل الطائرة بدون طيار، وإرسال طلب مباشر بالتوقف عن الطيران في المنطقة، إلا أن الأمر يخضع لاعتبارات ضيق الوقت، والتي تستدعي التعامل المباشر في فترة زمنية محدودة، وهنا يكون قرار تنشيط نظام الحظر هو الملاذ الأخير.
ثالثًا: مرحلة الاعتراض: يتم خلال تلك المرحلة تنشيط نظام الحظر، يعقبه اعتراض الطائرة بدون طيار، واعتمادًا على التقنية المستخدمة تأتي النتائج التي قد تتراوح بين هبوط الطائرة بدون طيار على الأرض أو تنشيط وضع "العودة إلى المنزل" (في حالة التشويش أو الخداع)، أو التقاط الطائرة بدون طيار من خلال (الشباك)، أو التدمير الكامل أو الجزئي للطائرة بدون طيار من خلال (الليزر، أو المقذوفات، أو نتيجة للتصادم، أو أشعة الميكروويف عالية الطاقة).
رابعًا: مرحلة الاستعادة: وهي المرحلة التي يتم فيها عزل الجهاز الخاص بالاعتراض والإسقاط، واستعادته بمجرد اعتراض الطائرة بدون طيار. أما إذا كانت الدرونز محملة بالذخائر، فإنه يتم استدعاء الفريق الخاص بالتخلص من الذخائر المتفجرة ثم تقييم حالة الجهاز وتعطيله إذا لزم الأمر، مع الحرص على اتباع سلسلة من الخطوات لضمان عدم المساس بسلامة النظام والبيانات التي يحتمل أن تكون ذات قيمة، وهنا يجب أن تعامل الطائرات بدون طيار بحذر خوفًا من انفجارها.
تحديات عمل الأنظمة المضادة للدرونز
على الرغم من تنبه العديد من الدول والشركات لأهمية الأنظمة المضادة للدرونز، والعمل على تطويرها بالتوازي مع جهود تطوير الدرونز نفسها؛ فإن تلك الأنظمة مازالت تواجه العديد من التحديات المتعلقة بمعايير الأمان والفعالية ومدى اتساقها مع السياسات والتنظيم القانوني، ويمكن استعراض أهم تلك التحديات على النحو التالي:
1. تحدي الفعالية: انطلاقًا من أن كل نظام لا بد وأن يكون له مجموعة من الثغرات، فإن هناك مجموعة من التحديات والتي قد تشكل عائقًا أمام فعالية الأنظمة المضادة للدرونز، ومنها على سبيل المثال، عدم قدرة أنظمة الرادار في بعض الأحيان على الكشف عن الدرونز صغيرة الحجم، والتي تحلق على مسافات قريبة من الأرض. وكذلك عدم القدرة على التمييز بين الدرونز والطائرات الورقية أو الطيور، كما أن الظروف الجوية قد تشكل عائقًا أمام دقة تحديد الهدف، هذا بالإضافة إلى العديد من المعوقات لدقة التحديد داخل المناطق السكنية مثل التداخل الكهرومغناطيسي من مصادر متعددة، ما يقلل من قدرات الكشف عن أجهزة استشعار الترددات اللاسلكية أو يؤدي إلى إشارات خاطئة.
أيضًا، هناك تحديات متعلقة بالدرونز نفسها والتي قد تكون مزودة بأنظمة مضادة للتلف أو مقاومة آليات الكشف عنها أو مقاومة هجمات الخداع، وهو ما يستدعي الحاجة المستمرة لمواكبة تطور تكنولوجيا الدرونز.
2. المبالغة في استهداف الدرونز: ارتباطًا بالتحدي السابق، فإن الرغبة في تجاوز عدم الفعالية قد يترتب عليها، تزويد أنظمة الكشف بعناصر حساسة للغاية للكشف عن جميع الطائرات بدون طيار العاملة داخل منطقة الاستخدام، ومن ثم المبالغة في استهداف الدرونز وغير الدرونز دون تمييز، ما يجعل النظام غير صالح للاستخدام.
وكذا، فإنه في ظل انتشار استخدام الدرونز وترخيصها للاستخدامات المدنية والتجارية من جانب عدد كبير من الدول، فإنه قد يضاف لما سبق أهمية التمييز بين الدرونز المرخصة وغير المرخصة، الأمر الذي قد يضاعف من صعوبة تحقيق الفاعلية المطلوبة.
3. سرعة ودقة الاستجابة: حيث إنه في ظل التطور المتلاحق في أنظمة تشغيل الدرونز، وتزويدها بسرعات عالية، فإنها تضيف تحديًا جديدًا أمام الأنظمة المضادة التي أصبح لزامًا عليها تقليص المدة الزمنية اللازمة للكشف عن الدرونز القادمة في محيطها، وتحديد ما إذا كانت تمثل مصدر خطر أم لا، والتعامل معها على هذا النحو. وهو ما يمثل تضييقًا على نافذة الاستجابة القابلة للتطبيق للأنظمة المضادة.
4. مخاطر الاعتراض: حيث إن التعامل مع الدرونز من خلال الأنظمة المضادة وإسقاطها قد يترتب عليه مجموعة كبيرة من الخسائر المادية والبيئية، نتيجة للسقوط وتشرذم الشظايا. حتى في ظل استخدام بعض الأنظمة القائمة على الشبكة، والمجهزة بمظلة لاحتواء الدرونز، وإسقاطها على الأرض بطريقة خاضعة للرقابة. إلا أنها قد تكون محفوفة بالمخاطر، إذا فشلت المظلة في الانتشار بشكل صحيح أو إذا حدث الإسقاط على علو منخفض.
وثمة بعد آخر يجب التنبه له، والمتمثل في استخدام المؤثرات بعيدة المدى مثل الليزر وأشعة الميكروويف عالية الطاقة حيث قد تشكل تهديدًا خطيرًا للطائرات الجوية المحلقة في نطاق الدرونز المستهدفة، أو تأثير أنظمة التشويش على حركة الملاحة الجوية.
5. تحدي التكلفة والتطوير: حيث إن عدم توافر البيانات الدقيقة حول إمكانات الأنظمة المضادة للدرونز، وعدم الإفصاح عن سجل التتبع التشغيلي للأنظمة المستخدمة، وكذلك التفاصيل حول أداء تلك المنتجات في الاستخدام الفعلي، يجعل من الصعب إخضاعها للتطوير المستمر من خلال الكشف عن ثغراتها، وتوقع المشكلات المحتملة.
ونتيجة لأن التكنولوجيات المرتبطة بالأنظمة المضادة للدرونز لا تزال في طور التطوير فإنها تعد مكلفة، ومن ثم تقع خارج متناول العديد من المؤسسات الصغيرة التي ترغب في حماية مجالها الجوي. فوفقًا لدراسة أجرتها شركة (Deutsche Flugsicherung)، فإن تجهيز أكثر مطارات ألمانيا ازدحامًا بأجهزة الكشف عن الدرونز سيكلف ما يصل إلى نصف مليار يورو. هذا بالإضافة إلى التكاليف المرتبطة بتدريب الموظفين، وصيانة الأنظمة، الأمر الذي يشكل تكلفة مادية كبيرة. يضاف إلى ذلك عدم وجود المعايير التنظيمية لعمل تلك الأنظمة نتيجة لحداثتها.
وختامًا، يمكن القول إن تطور الدرونز وتعدد الاستخدامات المدنية والعسكرية المرتبطة بها قد كشف عن بعض الاستخدامات غير الشرعية أو القانونية والتي باتت تهدد أمن الدول والأفراد، الأمر الذي استدعى تطوير الأنظمة المضادة للدرونز، إلا أنها ما زالت في مرحلة التطوير حيث تواجه مجموعة من التحديات على أنه من المتوقع أن يستمر التطوير على كلا الجبهتين.
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA==
جزيرة ام اند امز