من كرة القدم لأشياء أخرى.. هل يستطيع الإعلام تغيير أذواق الجماهير المصرية؟ (خاص)
هناك العديد من الأمور المتفق عليها بين الشعوب بشكل كبير والتي لا يمكن تغييرها، مثل الدين والعادات والتقاليد، وحتى الرياضات المفضلة.
تتنوع الأديان والعادات والتقاليد حسب الدولة والبيئة والمنطقة الجغرافية، وتنتشر ثقافة العولمة والعصر الرقمي بشكل كبير لتغطي على باقي الثقافات.. فهل تخضع ثقافة التشجيع الرياضي لنفس المبدأ؟
ماذا لو فكرت دولة ما أو حكومة ما، أو حتى اتحاد دولي، في تغيير الرياضة الشعبية لجماهير تلك الدولة، سواء كرة القدم أو أي رياضة أخرى، فكيف يمكن تغيير ثقافة متجذرة في الوجدان الشعبي بمثل هذه الدرجة؟
"العين الرياضية" سألت عددا من الخبراء حول إمكانية تغيير الثقافة الشعبية والجماهيرية، خصوصا الرياضة الشعبية الأولى في إحدى الدول، باعتبارها من أكثر الأمور تشجيعًا وتعصبًا.. وهذه كانت وجهات نظرهم.
مكانتها راسخة
يقول الدكتور أحمد الباسوسي، اختصاصي الطب النفسي، إن كرة القدم كمثال للثقافة والرياضة الشعبية استمدت جاذبيتها وشعبيتها كلعبة رياضية من خلال تاريخ طويل من الزمن، تراكم عبر العصور بين الجماهير، وساعد على انتشارها سهولة ممارستها في أي مكان، وعدم احتياجها لتكاليف مادية كبيرة.
وكشف الباسوسي، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن حاجة كرة القدم لأكثر من متنافس تضفي على اللاعبين والمتفرجين بهجة وإثارة وفرحا، موضحا: "كرة القدم تحولت إلى صناعة احترافية تدر دخولاً بالمليارات على الممارسين والدول، وكل ذلك أسهم في انتشارها الواسع بين الأجيال عبر الأزمنة المتعاقبة".
ويستبعد الباسوسي أن تستطيع لعبة أخرى خطف شعبية كرة القدم، مؤكدا أنه لا يمكن أن ترتقي ألعاب جماعية أو حتى فردية لمكانة قريبة من جاذبية وجماهيرية كرة القدم، مثل الكريكت في الهند التي تجتذب الملايين، أو كرة القدم الأمريكية، مشيرا إلى أنها حالات محلية، عكس جاذبية وجماهيرية كرة القدم العابرة للحدود.
ويختتم الباسوسي بالقول: "تظل الأموال التي تدر من خلال كرة القدم أو تصرف عليها تفوق مستويات العقل، وتضعها في مرتبة ضمن أهم الأنشطة الاقتصادية في العالم".
التخطيط الإعلامي يستطيع
الدكتورة سارة فوزي، المدرسة بقسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تخالف سابقها الرأي، حيث تقول إن من الممكن تغيير الثقافة الشعبية، ومن بينها مكانة كرة القدم، وأن هناك بالفعل مصريين يتابعون رياضات أخرى مثل التنس والاسكواش وكرة اليد، خصوصًا أن هناك مصريين متفوقين فيها.
وتكشف فوزي، في تصريح خاص لـ"العين الرياضية"، أن الأمر يحتاج إلى قناة رياضية مصرية قوية تهتم بإبراز بطولات هذه الرياضات الأخرى، وتستضيف لاعبيها، وتقدم استوديوهات تحليلية لهذه البطولات، مع حملات مكثفة جدًا على السوشيال ميديا لدعم هذا التوجه.
وتقول فوزي إن هذه الرياضات بحاجة لدعم مكثف من وزارة الشباب والرياضة والأندية مثل كرة القدم، وهذا بدوره سيدفع شركات الرعاية للقيام برعاية هذه البطولات، خصوصًا أن البنوك توجهت منذ فترة لدعم هذه الألعاب بالفعل.
وتوضح فوزي أن سوق الرعايات والإعلانات تبحث عن الشعبية والجماهيرية، موضحة: "نستطيع أن ننقل الشعبية والجماهيرية لأي لعبة من خلال التركيز الإعلامي المكثف عنها"، مؤكدة أن الأمر يحتاج تخطيطا إعلاميا وخطة توزيع للمحتوى الرياضي.
وتنتقد فوزي قيام القنوات الرياضية بإعادة بث مباريات كرة القدم بدلاً من نقل مباريات الرياضات الأخرى، مطالبة بوقف ذلك، أو إطلاق قنوات جديدة للرياضات الأخرى.
نقص الاهتمام الإعلامي
وتوافقها الرأي إسراء رفعت، الباحثة في الشؤون الاجتماعية، التي ترى أن تكثيف التغطية الإعلامية للرياضات الأخرى سينتقص من شعبية كرة القدم، أي أننا إذا أردنا أن نقضي على ثقافة معينة فعلينا تكثيف العرض الإعلامي للثقافات المضادة لها.
وتؤكد رفعت، في تصريح خاص لـ"العين الرياضية"، أن الناس يشجعون كرة القدم لأنها المتاحة أمامهم باستمرار، فإذا تمت مزاحمتها إعلاميًا فستحظى الرياضات الأخرى بنفس الشعبية والتشجيع.
وترى رفعت أن بعض الرياضات الأخرى قد تكون أكثر متعة من كرة القدم، لكن ينقصها الاهتمام الإعلامي، فإذا تم التركيز عليها فسيتحول الكثير من المشجعين لتشجيعها بدلاً من كرة القدم.
لا داعي لذلك
من جانبه، يرى الدكتور محمد وليد بركات، المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أنه لا داعي لتغيير الثقافة الشعبية خصوصا تشجيع كرة القدم، لأن هذا ذوق الناس الذي تكون على مدار 100 عام، وبالتالي أي جهود ستبذل في هذا الصدد جهود ضائعة ولا طائل منها، واصفًا إياها بالعملية غير الواقعية.
ويؤكد بركات، في تصريح خاص لـ"العين الرياضية"، أن الأفضل توجيه الجهد لترسيخ قيمة الاحتراف في منظومة كرة القدم، على مستوى اتحاد الكرة والأندية، والتحكيم، وعلى مستوى الإعلام الرياضي، مطالبًا بتشكيل مجموعات عمل من المتخصصين من كوادر علمية مؤهلة ومدربة من أجل تحقيق هذا الأمر.
ويضيف بركات أنه يجب تشكيل فرق عمل من المتخصصين المحايدين، وليس من المتحيزين أو اللاعبين السابقين أو جماعات المصالح، والاستعانة بالكوادر المطلوبة لتنمية برامج اكتشاف الناشئين، من أجل العمل على تغيير النخبة الرياضية لكرة القدم، ووقتها سيكون دعم الجماهير للعبة قيمة مضافة تدعم جهود تطويرها.
وفيما يتعلق بالألعاب الرياضية الأخرى يقول بركات "إنه ليس هناك تعارض بين الاهتمام بها والاهتمام بكرة القدم، خصوصًا أن مصر حققت نجاحات فردية في العديد من الألعاب مثل السباحة والاسكواش وكمال الأجسام في السنوات الماضية".
ويواصل: "تلك النجاحات تمثل رصيدا طيبا لمصر يمكن أن تبني عليه لتسويق هذه الرياضات، مع السعي إلى مزيد من بناء الكوادر في الألعاب الفردية، وكذلك تسليط الأضواء الإعلامية على إنجازاتهم، فهذا أفضل من محاولة إجبار الناس على تشجيعهم بدلاً من كرة القدم".
aXA6IDE4LjE4OS4xODIuMTUg جزيرة ام اند امز