الأديب المغربي طارق بكاري: رواية "القاتل الأشقر" تُعرّي تنظيم داعش وتُشخّص أسباب التطرّف
الأديب المغربي طارق بكاري يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن روايته "القاتل الأشقر" التي تتناول قصة صحفي يندس داخل صفوف تنظيم داعش الإرهابي.
منذ روايته الأولى "نوميديا" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر في عام 2015، يطرح الروائي المغربي الشاب طارق بكاري الكثير من الأسئلة حول الإشكالية والهوية في المغرب والعالم العربي عموما، وهو ما حدث أيضا في روايته الأخيرة "القاتل الأشقر" التي صدرت مؤخرا عن دار الآداب، وهي ثالث أعماله بعد "نوميديا" و"مرايا الجنرال".
وتتناول الرواية الجديدة "القاتل الأشقر" سيرة يوم مديد قضاه الصحفي وليد معروف، مندسا في صفوف تنظيم داعش الإرهابي.
وبكاري من مواليد 1988 وهو حاصل على شهادة الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب بمدينة فاس، كما أنه خريج المدرسة العليا للأساتذة بمدينة مكناس المغربية.
وفي حواره لـ"العين الإخبارية"، تحدث بكاري عن تجربته الروائية التي لفتت أنظار كبار نقاد الرواية في العالم العربي.. فإلى نص الحوار:
خضت مغامرة الكتابة الروائية في سن مبكرة وحققت نجاحات لافتة.. بعد كتابة 3 روايات كيف تقيم معاناة الكتابة؟
في الحقيقة لا شيء في الكتابة يتصل بالمعاناة، بل إنها بمعنى من المعاني أحد أشكال الخلاص، مذ بدأتُ الكتابة وأنا لا أكتبُ إلا منتشيًا بهذا الترف الذي خصّتني به الحياة، أما بخصوص مسألة التقييم فأعتقد أنه من الصعب أن أقيّم مجهودي، لكن أغلب آراء القراء والنقاد والمتابعين كانت إيجابية، وأغلبهم أشاد بقوة هذه الأعمال.
كيف تسللت إلى أجواء روايتك الأخيرة "القاتل الأشقر"؟
رواية القاتل الأشقر تغريبة بطلٍ "من هذا الزمان" وسيرةُ يومٍ مديد قضاه وليد معروف، كصحفي مندس في قلب تنظيم داعش الإرهابي، صحبة الأشقر، الذراع اليمنى لقائد التنظيم في الشام، ويحاصر البطلان داخل مبنى في كوباني، يعتقد الأشقر أنّ بوسع الحكاية أن تباركَ أعمارنا، مقتفيا سيرة شهرزاد، فيشرع في سرد حكايتهِ التي استهلت في وكر بغاء، يحدثه عن شامة التي أحبها بشكلٍ مرضي وتوج حبهُ لها بقتلها، هذا القتل الذي شرد خطاه في منافيه الاختيارية من المغرب إلى تونس وليبيا فالسودان والصومال واليمن وصولا إلى العراق وتنظيم داعش الإرهابي، تغريبة مديدة تقف على مظاهر البؤس والفساد والفقر في هذه الدول العربية، كما تعري الرواية تنظيم داعش الإرهابي وتحاول أن تظهر الأسباب التي تدفع المجتمعات العربية إلى التطرف.
لماذا يميل كُتاب الرواية غالباً إلى الماضي لاستنباط الإبداع الأدبي؟
يميلُ الكتاب في الغالب إلى الماضي، لأن كتابة الماضي تمنحُ الكاتب حرية أكبر، حيث هناكَ مسافة زمنية ونفسية بينه وبين موضوع روايتهِ، وهناكَ إمكانات لإعادة قراءة المرحلة وتأريخها من زوايا كثيرة، عكس كتابة الحاضر تمامًا، فالأمر ببساطة يحتاجُ إلى حذرٍ كبيرٍ وإلى تمحيص المعلومة بشكلٍ دقيق ومحايد وتفادي الوقوع في فخ الرواية "التجارية"، والعمل هو نتيجة 3 سنوات من الجهد المتواصل، لكنني استمتعتُ بهذه الرواية وبهذا المجهود، وأودعت في الأشقر الكثير من جنوني وعقدي، لذلك فهو أقرب أبطالي إلى قلبي، في الأخير نكتبُ "بحرفية مبهرة" حين نكتب بصدقٍ وإخلاص وتفانٍ عن الأشياء التي تسكننا، وحين نودع في أبطالنا الكثير منّا.
في الرواية طرحت العديد من الأسئلة فهل ترى أن العمل مطالب بطرح إجابات أيضا ليتحقق فعليا ما يريده الكاتب من شخصياته في واقع الحياة؟
أعتقد أن وظيفة الروائي بعد قراءة الواقع قراءة فاحصة هي طرح الأسئلة، الكثير من الأسئلة، على الكاتب ألا يقبل الأفكار المعلبة الجاهزة وأن يسعى إلى تحطيم الأصنام، كلّ اليقينيات، كل الخطوط الحمراء هي أصنامٌ يجبُ أن تتحطم، على أنَّ الرواية يجبُ أن تقدّم إجابات كذلك، لكن يفضّل على العموم أن تبقى مضمنة في السياق الروائي.
ما الحد الفاصل بين الواقع والمتخيل في"القاتل الأشقر" شخوصاً وأحداثاً؟
ليسَ هناكَ حدٌ فاصلٌ بين الواقع والمتخيل في الرواية، هذا التداخل مهم جدًا وأهم منهُ الإيهام بواقعية المتخيل، فقوة أي عمل روائي تكمنُ أساسًا في مدى قدرته على إقناع القارئ بأن ما يقرأهُ حقيقي، حتى وهو يعلمُ مسبقًا أن الرواية خيال قبل كلّ شيء، ورواية "القاتل الأشقر" اقتحمت عرين تنظيم داعش المتطرف، لذلك فقد تسلحتُ بالكثير من المعطيات الواقعية التي تخص هذا التنظيم، وتخص هذه المرحلة وتخص الأمكنة التي شملتها تغريبة الأشقر، لكن في العمل الكثير من الخيال أيضًا.
كيف تفسر حضور التاريخ في رواياتك؟
أعتقد أن كلّ رواية هي، بمعنى من المعاني، تاريخية حتى وإن كانت تعالج قضايا راهنة، عنصر "التأريخ" يحضر بقوة في روايتي "نوميديا" و"مرايا الجنرال"، ففي الأولى مثلًا يحضر العنصر التراثي بقوة، خاصة التراث الأمازيغي، وفي الثانية تحضرُ فترة سياسية دقيقة من تاريخ المغرب والعالم العربي، أقصدُ الربع الأخير من القرن المنصرم.
يتوجه معك عدد من الروائيين المغاربة والعرب نحو التاريخ لقراءة الواقع الراهن.. فما دواعي هذا الرهان الإبداعي؟
طبعًا إعادة قراءة التاريخ مهمة جدًا، إننا نتحدثُ هنا عن الرواية في مواجهة الرواية الرسمية أو قراءة المنتصر للتاريخ، مهمة الروائي أن يعيدَ قراءة التاريخ من زوايا غير مطروقة من قبل، ثمّ إن للتاريخ وشائج عميقة بالراهن.
-يقول جورج أورويل: "في عصرنا لا يوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية"، فهل ترى أن الأديب العربي يستطيع أن يبدع بمعزل عن السياسة؟
طبعا لا يمكن للكاتب العربي أن يكتبَ بمنأى عن السياسية، كلّ ما نكتبهُ هو بمعنى من المعاني تعبير عن موقف سياسي معين، ثمّ إن السياسة تفرضُ نفسها على الكاتب بإلحاح، لأنها أصل كلّ البلاء المستشري في المنطقة العربية.
في السنوات الأخيرة، حصد عدد من الكتاب والروائيين والنقاد المغاربة جوائز في مجالات مختلفة، كيف تقيم المشهد الثقافي المغربي على ضوء هذا الاحتفاء؟
أن يحصد الكتاب والروائيون والنقاد المغاربة العديد من الجوائز المرموقة في العالم العربي فهذا مؤشر على أنّ الثقافة المغربية بخير، كما أن التتويجات تعد بارقة أملٍ ووعدا بغدٍ أفضل.
ما الذي أضافته الكتابة لحياتك؟
أؤمنُ بجدوى الأدب وقدرتهِ السحرية على تغييرنَا وإنقاذنا وجعلنَا أفضل مما نحنُ عليه، وشخصيًا لا أملك تلك الحياة التي يمكن أن أحسدَ عليها لكنني أملك ترف الكتابة وحدها الرواية أعطت لحياتي معنى مختلفًا وجعلتني أتحمّل شططي وعزلتي بسعة صدر، فالكتابةُ طريقنَا لنعزّي أنفسنَا ونقول على نحوٍ مشفّرٍ ومكابر كل آلامنَا، ووراءَ كلّ مبدعٍ جرحٌ كبيرِ يحاولُ عبثًا أن يضمّدهُ بأوراقٍ يرى فيهَا تميمةً ضدّ الحزن ويمكنُ أن أضيف في هذا السياق على لسان بطل الرواية التي أعمل عليها حاليًا: "الكتابة ترفٌ خصتني بهِ الحياة لئلا أنتحر أو أصاب بالجنون".
الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية يثير إشكاليات عديدة ما بين مؤيد ومعارض.. كيف ترى ذلك؟
شخصيًا ليسَ لديَّ مشاكل مع الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، أعتقد أنّ اللغة في مجال الكتابة الروائية تفصيل ثانوي، ما يزعج في الحقيقة أنّ عددا من النصوص التي تكتب عن المغاربة لا تقول حقيقتهم إطلاقًا، هناكَ كتابٌ فرانكفونيون يكتبون لإرضاء الآخر، يكبتون على مقاس مرويات الغرب الكبرى.
aXA6IDMuMjMuMTAzLjIxNiA= جزيرة ام اند امز