التحرش بالأطفال "شذوذ" ينتهك البراءة.. كيف تحمي صغيرك من الاعتداء الجنسي؟
شهدت قضية التحرش بالأطفال تحولا خطيرا خلال سنوات معدودة، ليتغير التوصيف من مجرد ظاهرة إلى مشكلة متكررة تستوجب حماية الصغير من الاعتداء.
وطفت عشرات الحالات من التحرش بالأطفال على السطح في مصر خلال السنوات الأخيرة، أغلبها كانت صادمة ومؤلمة وارتكبت بحق صغار في السنوات العشر الأولى، وبالتالي لا يمكنهم التمييز بين صحة وخطأ التصرف دون توجيه من الوالدين.
التحرش أو الاعتداء الجنسي على الطفل (Pedophilia) هو استخدام الصغير لإشباع الرغبات الجسدية لبالغ أو مراهق، ويشمل ذلك تعريضه لأي نشاط أو سلوك جنسي من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المُتحرش جنسياً، وهذه الأمور تعد جرائم يعاقب عليها قوانين جميع الدول.
إحصائيات خطيرة عن التحرش بالأطفال
قالت منظمة الصحة العالمية في يونيو/حزيران 2020 إن واحدة من كل 5 نساء وواحداً من كل 13 رجلاً أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء الجنسي عندما كانوا أطفالاً، موضحة أن 120 مليون فتاة دون سن 20 عاماً تعرضن لشكل من أشكال الاتصال الجنسي القسري.
أما في مصر، فكشفت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، ونشرت في النصف الأول من عام 2021، عن حدوث 22 ألف حالة تحرش سنويًا، و85% من ضحاياه من الأطفال، بينما يتعرض 20% من هؤلاء للقتل أثناء مقاومة المتحرش أو المغتصب.
بينما كشفت دراسة أخرى تتبع جامعة عين شمس المصرية أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل نحو 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل في مصر، وأن 35% من تلك الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية.
وأوضحت الدراسة، التي أعدتها فاتن الطنباري أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، أن هناك 65% من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة، فيما وقع 82% من الجرائم في أماكن من المفترض أن تكون آمنة للطفل، وحدثت من أناس يثق فيهم الطفل و77% من المعتدين يحبهم الأطفال.
آخر إحصائية أعلنت عنها وزارة الداخلية كانت في عام 2008، وكشفت عن 120 ألف جريمة تحرش واغتصاب شهدها الشارع المصري، نسبة كبيرة منها بحق الأطفال وقصار السن، ارتفاعا من 52 ألف جريمة في عام 2006.
في الولايات المتحدة، كشف مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تعرض 1 من كل 4 فتيات و1 من كل 13 فتى للاعتداء الجنسي في عام 2015، موضحا أن 91٪ من الاعتداء الجنسي على الأطفال يرتكبه شخص معروف وموثوق به من الطفل أو أفراد عائلته.
بينما أثبتت وكالات خدمات حماية الطفل في الولايات المتحدة أن وجود أدلة قوية تشير إلى أن 57329 طفلاً كانوا ضحايا للاعتداء الجنسي في عام 2016، موضحة أن 82٪ من جميع الضحايا تحت سن 18 هم من الإناث.
وذكرت أن واحدة من كل 9 فتيات، وشاب واحد من كل 53 فتى، دون سن 18 عامًا يتعرضون للاعتداء الجنسي أو الاعتداء على يد شخص بالغ.
هلاوس جنسية وراء التحرش بالأطفال
الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية وتعديل سلوك الأطفال في مصر، حلل تصرف المعتدين جنسيا على الأطفال وأسباب سلوكهم الشاذ وكيف يصطادون فرائسهم.
وقال هاني لـ"العين الإخبارية"، إن المتحرش بالطفل يعاني من الهلاوس الجنسية التي تؤثر على التفكير الطبيعي للإنسان وتتحكم فيه وتقوده إلى تصرفاته المشينة بعدما تلغي التفكير بالعقل تماما.
وشرح الطبيب: "هذا التصرف يصنف نوعا من أنواع الشذوذ، لأن الضحية طفل أو طفلة لا تملك مقومات الأنوثة للإثارة، وفي هذه الحالة لا يملك الشخص القدرة على التحكم والسيطرة على الانفعالات والهياج الجنسي".
وأكمل: "عندما يرى هذا الشخص صغيرا لا يملك أي نوع من أنواع الإثارة تحدث استمالة اتجاهها، وهذا الأمر لا علاقة له بالوظيفة أو المؤهل التعليمي أو الشكل أو أي معيار آخر".
وتابع: "عندما يفقد هذا الشاذ السيطرة على انفعالاته يبدأ التخطيط لاصطياد فريسته، حيث يصبح التفكير منصبا تماما في هذا الاتجاه فقط، لأن عقله لو كان يعمل بصورته الطبيعي كان سيدرك أن ما يفكر فيه خطأ".
وأشار إلى أن مرضى الشذوذ الجنسي أنواع، بعضهم يميل إلى الإناث الصغار، وآخرون يستميلهم للذكور، وبعضهم يفضل الإناث البالغات وهكذا.
ورأى الطبيب المختص أن ما يعانيه المعتدي على طفل هو مرض نفسي لأنه نوع من الشذوذ، مشددا على ضرورة ألا نجعل ذلك "شماعة" لتبرير تصرفه.
وقال: "كل إنسان يتحمل نتائج سلوكه فلا يجب أن نبرر تصرفه بأنه مريض نفسي لأن هذا يفتح الباب أمام تبرير خطأ أي شخص بدعوى أنه مريض نفسي".
عن الأسباب التي تدفع المتحرش لفعلته، قال هاني: "المعتدي يعاني من اضطراب في التحكم بالسلوك الجنسي، وهذا غالبا بنسبة 80% تعرض للتحرش أثناء طفولته".
وأضاف: "المتحرش يكون مصاب بهلاوس جنسية تصدر عنها اضطرابات تدفعه إلى مثل هذا السلوك الشاذ، كونها تجعله غير قادر على التحكم في انفعالاته أو ضبط النفس".
وتابع: "أغلب الشواذ أشخاص تعرضوا إلى وقائع شذوذ في مرحلتي الطفولة والمراهقة، واستمروا على هذا النمط في مراحلهم العمرية التالية، بل وأصبحوا ينشرون هذا المرض في المجتمع".
انحراف جنسي شديد الخطورة
الدكتور هاشم بحري، أستاذ طب النفس جامعة الأزهر، حذر من خطورة التحرش بالأطفال معتبرا أنه "نوع من أنواع الانحرافات الجنسية شديدة الخطورة".
واستشهد بتصرف بعض الدول الأوروبية مع المتحرش كدلالة على خطورة هذا السلوك، قائلا: "مثلا في فرنسا يتم سجن المتحرش 5 سنوات خلالها يخضع لجلسات نفسية تستمر معه بعد انتهاء مدة سجنه لمدة 5 سنوات أخرى، وإذا أعاد التحرش بأطفال يسجن مدى الحياة".
وقال بحري لـ"العين الإخبارية"، إن المتحرش بالأطفال هو "إنسان عاجز تماما يفتقد الثقة بالنفس ولا يمتلك القدرة على الإنجاز ولا يستطيع إقامة علاقة شرعية مع سيدة لأنها ستتطلب منه بذل مجهود عاطفي وبدني واقتصادي واجتماعي، فيتجه للتحرش بطفل لأنه لا يوجد لديه طلبات سوى بسيطة".
ووفقا للمختص، وجد أن أكثر من 60 - 70% من هذه الحالات تحدث داخل العائلات أو المنازل، أي أشخاص على دراية جيدة ببعض، ويدركون أن هذه الأسرة مفككة أو أن هذا الطفل بمفرده.
أوضح بحري أن حلول مشكلة التحرش بالأطفال شقين يتلخصا في جملة "الوقاية خير من العلاج"، الأول أن يهتم الوالدان بالطفل ويعلماه كيف يكون حريصا على نفسه وجسده بحيث لا يلمسه أحد.
وأضاف: "الشق الثاني ضمن الوقاية أيضا، أن يكون الأب والأم شخصيات ترباوية تعرف كيف تتعامل مع الطفل وتعتني به حتى لا يقع في مثل هذه المشاكل".
أما في حالة تعرض الطفل للتحرش، فنصح المختص بضرورة عرض الضحية على أخصائي نفسي حتى يساعده في التخلص من الأزمة وذكرياتها ولا تصبح مرافقته تعيش معه باقي حياته وتتسبب في مشاكل أخرى.
وحذر من ترك الطفل الذي تعرض للتحرش دون علاج نفسي لأن أبعاد ذلك ضخمة جدا، خاصة أن التحرش مرض شديد الخطورة، ضاربا أمثلة لخطورته.
وقال بحري: "بعض الفتيات اللاتي تعرض للتحرش وهن صغار يمارسن حياتهن بشكل طبيعي حتى الزواج، حيث ترفض أن يقترب منها زوجها أو يمارس معها علاقة جنسية شرعية، لأنها تتذكر أن شخصا تحرش بها وهي في سن صغيرة وتدرك وقتها أنها تعاني من عقدة".
وأضاف: "أيضا هناك أمثلة لمخاطر هذه المشكلة على الأطفال الذكور، حيث يتحول الطفل الذي تعرض للتحرس إلى معتدي يتحرش بأطفال آخرين ليصبح الجميع مثله (متعور)".
أنواع التحرش بالأطفال
قالت الدكتورة شيماء إسماعيل، استشاري العلاقات الأسرية والاجتماعية في مصر، إن التحرش بالأطفال في غاية الخطورة وأشكال التحرش بالصغار متعددة.
وأوضحت إسماعيل لـ"العين الإخبارية": "هناك التحرش اللفظي وهو توجيه ألفاظ للطفل لا يصلح أن يسمعها، والتحرش بالإيحاء عندما يفعل شخص تصرفات خارجة أمام الطفل، والتحرش الجسدي وهو محاولة لمس جسد الصغير بأي شكل".
وحذرت المختصة من انتشار تحرش الأقارب مؤخراً بسبب عدم أخذ الوالدين الحيطة والتسليم لمجرد وجود صلة قرابة أو الإنكار وعدم تصديق الطفل عندما اشتكى من تصرفات مريبة.
وقالت: "أحياناً يهاجم الوالدان الطفل عندما يخبرهما بتعامل غريب من أحد الأقارب، وهذا خطأ كبير يدفع الصغير للخوف والصمت والانطواء وأيضاً قد يتطور الأمر لمعاناته من الشعور بالوحدة وعدم الثقة بالذات والآخرين".
الحرمان العاطفي من المشاكل الكبيرة التي أسهمت في انتشار التحرش، إذ إن اشتياق الطفل للحب والحنان يدفعه لاستحسان محاولات البعض لاحتضانه وتقبيله والشعور بالراحة دون أن يترجم أن هذا الفعل خطأ، والسبب في ذلك افتقاده لحب وحنان والديه وحرمانه العاطفي الشديد، وفقاً للخبيرة.
وقالت إن المتحرش قد يستغرق عدة أشهر حتى تتضح نواياه الخبيثة، وشرحت: "غالباً يأخذ الجاني 6 أشهر لدراسة وتحليل الوضع قبل التحرش بضحيته، لذا من الضروري أن تنتبه كل أم ولا تعطي الأمان لأحد لمجرد أنه لم يتخط حدوده في اللقاءات الأولى".
خصوصية جسد عند الطفل
خبيرة التنمية البشرية وتطوير الذات شددت على أهمية حديث الآباء والأمهات مع أطفالهم عن التحرش، وقالت إنه أمر في غاية الأهمية، خاصة عندما يبلغون العام السادس ويبدأون في استيعاب مثل هذه الأمور.
وأوضحت أن الخطوة الأولى تبدأ بالحديث مع الأطفال عن الخصوصية، مضيفة: "يجب أن يدرك الصغير أن جسده ملكه فقط لا ينبغي لغيره لمسه حتى لو أصدقاؤه أو أقاربه والتأكيد على أن مثل هذه الأمور ممنوعة تماماً".
وشددت على ضرورة ترسيخ مبدأ خصوصية الجسد عند الطفل منذ نشأته باعتبارها تندرج تحت باب احترام الذات، موضحة أن أولى خطوات حماية الصغير لنفسه التفرقة بين النظرة الطيبة والشريرة.
وتابعت: "التفريق بين النظرتين تساعد الطفل على تخمين من يريد إيذاءه واستغلاله ممن يكنّ له الخير، وأيضاً من الضروري التنبيه على الأبناء بعدم الجلوس ملاصقين لأحد أو على أقدامهم مهما بلغت درجة القرابة، وترك مسافة ذراع بينهما لأن مثل هذه التصرفات تفتح باب تعود الطفل على لمس الآخرين لجسده".
وأكدت ضرورة تشجيع الوالدين لأطفالهم على الحديث وإبداء التفهم والتصديق، معتبرة أن ردود مثل "مستحيل فلان يفعل ذلك" أو "أنت أسأت فهم فلان" من أكبر أخطاء الأمهات والآباء وتقود الصغار للصمت وبالتالي الوقوع فريسة سهلة للمتحرشين.
وأضافت: "دور الوالدين تقوية أطفالهم نفسياً وتشجيعهم على الإفصاح عما يتعرضون له وتصديقهم، وهذا يدفعهم للدفاع عن حقوقهم وينشأ الصغير متمتعاً بهذه الخصلة المهمة".
نصائح لحماية الأطفال من التحرش
وجهت الطبيبة المختصة نصائح عدة يجب على كل أم تلقينها للصغار، وعلى رأسها التنبيه على الطفل بعدم دخول أي منزل بدونها أو على الأقل دون وجود ربة المنزل خوفًا من استغلال المراهقين للصغار والتحرش بهم.
وقالت: "في حالة ترك الطفل مع السائق بمفرده يجب ألا يجلس بجواره حتى لا يستغل قرب المسافات ويحاول التحرش به، فضلاً عن رفض الطفل محاولات أي شخص الاتكاء عليه حتى لا يكون ذلك ذريعة للتحرش".
وشددت على ضرورة تلقين الطفل كيفية التصرف حال وجوده مع شخص بمفرده في غرفة واحدة، موضحة أن أهم خطوة ترك الباب مفتوحاً وفي حال أصر الطرف الآخر على غلقه يجب أن يستغيث الطفل ويصرخ.
وأضافت إسماعيل: "أيضاً من المهم تعليم الأطفال النظر في عين المتحرش لأن الأخير غالباً يكون مهزوزاً، وحال شعوره أن ضحيته قوية يتراجع، وإذا لم يفعل يجب تلقين الطفل كيف يبعد أي شخص عنه".
وأكملت: "من المهم تعليم الصغير كيف يسدد اللكمات والركلات وأماكن الضعف عند الإنسان ليستغلها لصالحه، وتزويده بأدوات يدافع بها عن نفسه مثل بخاخة الفلفل والدبابيس أو غيرهما"، معتبرة أن تنشأة الطفل على الجرأة عامل مهم للدفاع عن نفسه في أي موقف.
ولفتت الخبيرة المختصة إلى أهمية مشاهدة الأطفال للبرامج التوعوية المتخصصة التي تنجح في إيصال المعلومات بسهولة وإتقان لا تتوفر عند الوالدين أحياناً، فضلاً عن أهمية دور المدرسة في توعية الأطفال بأساليب التحرش وكيفية تجنبه.
وحذرت من خطورة بعض الأفلام والألعاب التي تعود الطفل على تقبل التحرش أو فعله، مثل لعبة الطبيب والمريض، إذ تزرع داخل الصغير سهولة لمس جسده والاطلاع عليه، فضلاً عن تخطيه في حق الآخر ولمس أجزاء من جسده أيضاً.
aXA6IDE4LjE4OC4yMjcuNjQg جزيرة ام اند امز