بالصور.. فلسطينية تحول مخلفات البيئة إلى دمى وتحف فنية
الفلسطينية نسرين أبولوز تستخدم أوراق الشجر اليابسة، والأقمشة البالية، وأصداف البحر لتصنع من أفكارها دمى للأطفال.
استطاعت الشابة الأربعينية نسرين أبولوز من مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، أن تقهر إعاقة والدها، ومرض شقيقتها التي كانت تعيل الأسرة، لتخرج من قسوة الظروف بأناملها الرفيعة، ومخلفات كثيرة، كانت محلها أكوام القمامة، أو الطرقات.
واستخدمت أوراق الشجر اليابسة، والأقمشة البالية، وأصداف البحر التي سعت إلى جمعها لتصنع من أفكارها دمى للأطفال، وأشكالاً أخرى تشد الناظرين، وتستهوي الذائقة الرفيعة.
نسرين أبولوز استضافت "العين الإخبارية" في غرفتها المتواضعة والتي حولتها بحكم الظروف الصعبة إلى مصنع صغير لدمى الأطفال، والزخارف البسيطة:
الحياة كفاح والطريق تبدأ بفكرة صغيرة
وتقول نسرين أبولوز: "الحياة التي نعيشها في قطاع غزة فرضت علينا التحدي، وأنا بشكل خاص ولظروف عائلتي الصعبة جداً، وجدت نفسي مسؤولة أمام ضميري لإعانة أسرتي بعد إعاقة والدي وقعوده عن العمل، وبعد مرض شقيقتي التي كانت تعمل لمساعدتنا في الطعام والشراب والملبس، فكان إحساسي أنني عالة على الحياة وعلى أهلي".
وتضيف: "دفعني ذلك إلى خلق فرصة عمل لي، ولو متواضعة جداً وشاقة بنفس الوقت، فجمعت أفكاري لكي أبدأ بالملابس البالية والمهملة وأعيد تدويرها لصناعة ألعاب أطفال، وبدأت فعلاً بمقص وخيط وأجسام بلاستيكية لدمى أطفال غير صالحة، وتوجهت بعدها إلى بناء أشكال من الزخارف وأوراق الشجر اليابسة، وأوراق الدفاتر المنتهية، والأخشاب البسيطة، لتشكيل أجسام فنية متعددة".
وتتابع أبولوز: "جمعت الكثير من أعمالي في غرفتي المتواضعة جداً، واشتغلت على تطوير ما أعمله بشكل وآخر من خلال متابعة بعض الصور الخاصة بألعاب الأطفال وأشكال الزخرفة، حتى انتبه لي بعض الصحفيين والمصورين وبدأوا يكتبون عني، فتعرفت علي العديد من المؤسسات المعنية، وتمت دعوتي للمشاركة في المعارض المحلية في قطاع غزة، وحصلت مصنوعاتي البسيطة على الكثير من شهادات التقدير".
الإصرار على النجاح قمة الصمود في مواجهة العدم
توضح أبولوز: "في بداية مشواري قبل 10 سنوات واجهتني الكثير من الصعاب، وكدت أفشل وأتراجع عن فكرتي في صناعة دمى الأطفال والزخرفة ولكن الجوع الذي نعايشه والحاجة الملحة للقمة العيش، كانا السبب الأكبر لمواصلتي هذا الطريق، ومع الأيام وجدت نفسي على علاقة قوية جداً مع ما أعمله، فكل قطعة أنجزها أشعر وكأنني وُلدت من جديد.
وتضيف: "صممت على أن أواصل مشواري للتغلب على الحاجة أولاً، ولأصنع من نفسي شخصاً متحديا لكل الظروف ثانيا، وأن أراني إنسانة مؤثرة، تجعل من مخلفات البيئة، ومتاع الناس المنتهية الصلاحية، ألعاباً للأطفال ترسم البسمة على وجوههم".
تجلس الشابة القرفصاء وأمامها طاولة مستطيلة، عليها مقص، وفرد لصق وإبرة كبيرة، وأقمشة ملونة، وأصداف بحرية، وأشياء أخرى يصعب ترتيبها، ومن فوق رأسها رفوف تحمل قطعاً من أشكال مزخرفة، وألعاب أطفال كثيرة ترتدي أقمشة زاهية، وعبوات ألوان تستخدمها لتجميل ما تصنع.
وفي غرفتها الصغيرة المسقوفة من الصفيح البارد في الشتاء، والحار في الصيف، ذكريات تحكي عنها لمحبيها، وتنسى أنها تجاوزت الفقر الذي لا يتجاوزها بالمطلق، بل تحاول أن تصنع منه دمية تتسلى بها لكي لا تنكسر أمام قسوته.
وتقول: "والدي يتقاضى كل 4 أشهر 700 شيكل (200 دولار أمريكي)، كإعانة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وما أبيعه من ألعاب وزخارف في الشهر لا يتجاوز المبلغ نفسه، وبالكاد يكفي لكي نأكل الخبز واللبن، وأن نشتري لباساً جديداً كل عيد".
وتضيف: "لم أجد من الحكومة أو المؤسسات من يقدر أوضاع أسرتي، أو يمد لي يد العون لكي أحول غرفتي هذه إلى محل لبيع الألعاب والأشكال المجسمة والزخارف، بل البعض يستغل حاجتنا ويساومني على ثمن لعبة الأطفال، وهو يعلم أوضاعنا، ولكنني أواصل مشواري رغم كل هذا الألم، فالحياة علمتني أن أوجهها كما تواجه الجبال الريح العاتية".
الأماني قد لا تتحقق ولكن السعي إليها كفاح
تقول نسرين: "أنا رضيت بما أقوم به، وضميري مرتاح، وهذه استطاعتي أمام نفسي وأهلي.. أصبحت اليوم معروفة بقدر لا بأس به، وتتم دعوتي للمشاركة في العديد من المعارض المحلية، وهناك عروض مقدمة لكي أفتح مجالاً لتدريب الشابات على صناعة الألعاب، ولكن العائق الوحيد هو أنني لا أملك مكاناً مناسباً لتحويله إلى قاعة تدريب، وبحكم التزامي بالأسرة لا أستطيع مغادرة غرفتي لكي أدرب في مؤسسات أو مراكز أو جمعيات".
نسرين أبولوز صورة عن المرأة الفلسطينية التي لا تقهر بالعوز، ولا تجد في كسر النفس ومد اليد للغير سبيلاً، ولكنها تحلم بأن يتحول سقف غرفتها من صفيح إلى باطون مسلح، وأن تتسع غرفتها لتصبح قاعة تدريب للهواة وطالبي صناعة الألعاب، وأن تتغير العناوين الصحفية التي تكتب عنها، من قاهرة الفقر بصناعة البسمة على وجوه الأطفال، إلى سيدة تشق الحياة بإبداعها المتميز.
فهي تحلم ككل سيدة فلسطينية بجائزة كبيرة، وشهادة تقدير من جهات عليا تقول لها شكراً على صمودك أمام الحاجة، وانتصارك المجيد على الفقر والبطالة والتهميش.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MS4yNiA= جزيرة ام اند امز