يشير تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن تغير المناخ يمثل تهديدًا مباشرًا لقدرة الطفل على البقاء والنمو والازدهار.
ووفقًا لتقرير اليونيسف إنه بحلول عام 2040 من المتوقع أن يعيش حوالي 600 مليون طفل في جميع أنحاء العالم في أماكن تعاني من إجهاد مائي شديد للغاية.
في المقابل تقول منظمة الصحة العالمية (WHO) ، إن ما يقرب من 93٪ من الأطفال في العالم، الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا (1.8 مليار طفل) يوميًا، يعانون من تلوث الهواء بما يشكل خطرًا كبيرًا على صحتهم ونموهم.
وعلى ذلك فالأطفال هم الأكثر عرضة للأمراض التي ستزداد انتشاراً نتيجةً لتغير المناخ، من قبيل الملاريا وحمى الضنك، كما يتحمل الأطفال دون سن الخامسة قرابة 90 في المئة من عبء الأمراض التي يمكن عزوها إلى تغير المناخ.
آثار تغير المناخ على صحة الأطفال
تعد مسببات تلوث الهواء هي نفسها ما يتسبب بتغير المناخ. ويعيش حوالي مليوني طفل في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية – مما يجبرهم على تنفس هواء سامّ ويعرّض صحتهم وتطور أدمغتهم للخطر.
ويتوفى أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سنوياً من جراء أسباب متعلقة بتلوث الهواء. وسيعاني عدد أكبر منهم من أضرار دائمة تلحق بنماء أدمغتهم ورئاتهم، وفقا لإحصاءات اليونيسيف.
ويظل مرض التهاب الرئة من الأمراض المعدية الرئيسية المسببة للوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة، إذ يودي بحياة ما يصل إلى 2,400 طفل يومياً.
وترتبط وفيات الأطفال الناجمة عن التهاب الرئة ارتباطاً قوياً بنقص التغذية، ونقص المياه المأمونة والصرف الصحي، وتلوث الهواء في داخل البيوت، ونقص إمكانية الحصول على الرعاية الصحية – وجميع هذه التحديات تتفاقم من جراء تغير المناخ.
وقال تقرير لليونيسيف صدر نهاية 2022 قول إنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يتعرض جميع أطفال العالم تقريبًا، والذين سيبلغ عددهم 2.02 بليون طفل، للتأثيرات الضارة لارتفاع درجات الحرارة.
وتشير المنظمة نفسها، في تقرير سابق، إلى وجود نحو مليار طفل، أي حوالي نصف أطفال العالم، البالغ عددهم 2.2 مليار طفل، يعيشون في بلدان تتعرض، بشكل خطير، لآثار التغيرات المناخية.
وتظهر نتائج دراسة أمريكية أجريت على النساء الحوامل وأطفالهن، أن تغير المناخ وتلوث الهواء يتسببان في أضرار جسيمة لصحة الأطفال وتنمية العقول، حتى أثناء وجودهم في الرحم، ما جعل باحثون يطالبون بتصنيف الأمر تحت بند "حالة طوارئ صحية عامة"، وخاصة بالنسبة للأطفال الذين هم؛ بسبب لون بشرتهم أو دخل الأسرة، الأكثر تضرراً.
وتقول فريدريكا فريرا، أستاذة الصحة العامة والمشاركة في الدراسة إن تغير المناخ وتلوث الهواء يؤثران على نمو الدماغ بشكل كبير في السنوات العشرين الماضية.
وأوضحت أن الأبحاث ربطت الآن بين التعرض لتلوث الهواء قبل الولادة وبعدها وبين انخفاض معدل الذكاء وغيره من المشكلات الإدراكية، واضطرابات النمو مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والتوحد، والاكتئاب والقلق، وحتى التغيرات الهيكلية في أدمغة الأطفال.
خلق جيل أكثر استدامة
"إن تغيّر المناخ جارٍ حالياً وسيؤثر على كل طفل في العالم تقريباً" تحت هذا التحذير تدعو الأمم المتحدة وهيئاتها المعنية إلى خلق جيل أكثر استدامة.
وإذا كان بوسع الأطفال الإحساس بمشاعر عديدة بشأن تغير المناخ، كأن يشعروا بالقلق أو الخوف أو الحزن أو الغضب، وهي ردود أفعال طبيعية تماماً حيال شيء مدمّر وينطوي على عدم يقين بشأن المستقبل، من قبيل تغير المناخ.
فإن حل مسألة تغير المناخ قد يستغرق زمنا ممتدا لكن يمكننا أن نبدأ في خلق قادر على تحقيق هدف الحفاظ على الكوكب وجعله قابلا للعيش، ولخلق خذا الجيل يجب البدء معهم عقب الولادة مباشرة.
ويمكن لتحقيق هذا الهدف الاستعانة بـ 5 نصائح للخبراء حول كيفية الانخراط بمحادثة بأسلوب قائم على الصدق والأمل حول تغير المناخ، ودون تجاهل واقع القضية ومداها مع الأطفال بما يؤسس لخلق أجيال أكثر استدامة:
المعلومات
يمكنك الإجابة عن جميع الأسئلة التي قد يطرحها طفلك عن المناح وانظر إلى الأمر كفرصة لتكتشفا إجابات معاً، ويمنك الاستعانة بالعديد من المصادر الموثوقة على شبكة الإنترنت، ومقاطع فيديو التوضيحية، ومقالات تساعدك في التعرّف على المعلومات العلمية.
الاستماع
ابدأ بالحديث مع طفلك حول تغير المناخ، وحدِّدْ ما يعرفه أصلاً وكيف يشعر إزاء الموضوع، واستخدِمْ معلومات طفلك مهما كانت بساطتها كفرصة للاستماع إلى مخاوفه وآماله بشأن الكوكب.
امنحه كل انتباهك ولا تستهنْ بأي شيء يشغله أو تحاول التقليل من شأنه، ودعه يعرف أن بوسعه دائماً أن يأتي إليك للتحدث حول أي شيء.
العلوم البسيطة
اختيار المعلومات الملائمة لطفلك بشأن المناخ أمر مهم وثمة نقطة انطلاق جيدة ممكنة هي العثور على طرق لربط موضوع تغير المناخ بالحياة اليومية للطفل، والعمل مع طفلك على تقصّي الحقائق الأساسية معاً.
ويمكن للصور والخرائط ومقاطع الفيديو أن تساعد في تشكيل تصور للقضية وجعلها ملموسة أكثر.
التفاعل مع الطبيعة
حاوِلْ أن تُعرِّف طفلك على الطبيعة قدر المستطاع، إذ أن تشجيعه على اللعب في الخارج يساعد في غرس تمتعه بالطبيعة واحترامه لها.
وعندما تكون خارج المنزل مع طفلك، توقف لبرهة لتجذب انتباه طفلك إلى أشياء مثيرة للإعجاب، سواء أكانت شجرة، أم غيمة، أم بيت عنكبوت، أم عصفوراً.
ويمكن لهذا التصرف البسيط بالتمهّل وتخصيص وقت لتقدير الطبيعة أن يساعد الطفل على تطوير الفضول والإعجاب بعالم الطبيعة. قمْ أنت وطفلك بغرس بذور معاً وراقبا كيف ينمو شيء من لا شيء.
ركّزْ على الحلول
حاوِلْ أن تُظهر حلاً لكل مشكلة تناقشها، وتحرّ مع طفلك أمثلة حول أناس يعملون بطرق لمعالجة تغير المناخ. ناقِشْ قصصاً إيجابية ملهمة من التي تراها في الأخبار أو في مجتمعك المحلي.
تحدَّثْ مع الأسرة عن الخطوات التي ستقومون بها كأسرة، من قبيل الحد من هدر المواد في المنزل، والاقتصاد في استخدام المياه، وتدوير المواد، وإطفاء مصابيح الإنارة والأجهزة المنزلية غير المستخدمة. وهذا يساعد في تكريس فكرة أن بوسع الجميع القيام بشيء ما للمساعدة في التصدي لتغير المناخ.
هل للأطفال دور؟
يدعو خبراء المناخ إلى جعل الأطفال في مركز الاستراتيجيات وخطط الاستجابة المعنية بتغير المناخ بالعمل مع الحكومات والشركاء على مستوى العالم لضمان أن يكون الأطفال جزءاً أساسياً من استراتيجيات مواجهة تغير المناخ وخطط الاستجابة إلى الكوارث.
وتعد مشاركة الأطفال في القضايا التي تؤثر عليهم هي حق رئيسي لهم (المادة 12 من اتفاقية حقوق الطفل) ويمكن تحقيق هذه المادة بابتكار منصات وأنشطة مناخية يكون الأطفال العنصر الفاعل فيها.
ويمكن للأطفال أن يؤدوا دوراً أيضاً في التصدي للأخطار المرتبطة بالمناخ من خلال تشجيع أنماط الحياة المستدامة بيئياً وتشكيل قدوة في مجتمعاتهم المحلية.
المدارس والمراكز الصحية ومرافق المياه والصرف الصحي – والخدمات الأخرى الضرورية لعافية الأطفال – قادرة على مقاومة الصدمات المناخية والبيئية، ولا يقتصر ذلك على تحسين قدرة الأطفال على تحمل الصدمات المستقبلية، بل يقلص أيضاً احتمالية أن تتفاقم أوجه التفاوت الحالية من جراء تغير المناخ.
وهنا تحديدا يجب لفت الانتباه إن إقامة مدارس مستدامة بيئياً وقادرة على تحمل الكوارث الطبيعية هي من بين أفضل الطرق التي تتيح حماية الأطفال في مواجهة المناخ المتغير.
كما تتيح الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، مثلاُ) واستخدامها لدعم التعليم مثل طبخ الوجبات المدرسية وشحن المصابيح الشمسية بالطاقة كي يصطحبها الطلاب إلى بيوتهم لإنجاز واجباتهم المدرسية، نموذج مثالي للمشاركة في المعرفة المناخية.
وشهدت كينيا تجربة مثالية في هذا الشأن بدعم حلول الطاقة المستدامة، في إنارة المدارس باستخدام الطاقة الشمسية، ومضخات تعمل بالطاقة الشمسية للمجتمعات المحلية المعرضة لأخطار الجفاف والفيضانات، وبرنامج تجريبي للحماية الاجتماعية باستخدام التحويلات النقدية يوفر حلولاً في مجال الطاقة للمناطق التي لا تصلها شبكات الكهرباء، وذلك لتحسين خدمات التعليم والصحة للأطفال.