أطفال غزة .. عمال بإشارات المرور بفعل الفقر ورداءة التعليم
عمالة الأطفال في قطاع غزة تزداد، كلما ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءا، وتعطّل سوق العمل.
تتزايد عمالة الأطفال في قطاع غزة، كلما ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءا، وتعطّل سوق العمل، لأسباب تتعلق بأزمة الكهرباء، وتشديد الحصار، وشح دخول البضائع والمواد الأساسية المشغلة للمصانع وقطاع البناء.
ومؤخرا أضيفت إليها أزمة رواتب الموظفين العموميين في مؤسسات وأجهزة السلطة الفلسطينية، ويقصد بالأطفال حسب قانون العمل الفلسطيني كل من هم تحت سن 18 عاما.
يوسف عبدالنبي (11 عاما) كما عرف نفسه لـ"العين الإخبارية" واحدٌ من مئات الأطفال الذين اضطروا للعمل قبل الأوان، ويستوطن يوسف منطقة السرايا وسط مدينة غزة، وتحديداً تحت إشارات المرور، يمسح زجاج السيارات بقماشة ناشفة، دون إذن أصحابها، ويدخل يده لتصل إلى صدر السائق، ويطلب منه بعض النقود، وهكذا يفعل من الساعة الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا.
يوسف عاري القدمين، يداه الصغيرتان أسودتا من أشعة الشمس، ووجهه أقرب إلى لوحة رسام يعشق الألوان الداكنة، وعيناه مطفأتان كشوارع المدينة، يبتسم بتصنع، ويرمي أجوبة الأسئلة المطروحة عليه على عجل، وكأنه يخشى أحدا!
يقول يوسف لـ"العين الإخبارية" إنه : "طلبت والدتي مني أن أنزل إلى الطرقات، وأمسح زجاج السيارات الأمامية، ووجدت في البداية صعوبة كبيرة، ولكنني تعودت على كل شيء، فأنا منذ سنة كاملة تركت المدرسة بضغط من والدتي، ونزلت الطرقات، وحاولت أن أبيع بعض الأشياء كالنعناع والعلكة والشوكولاتة الرديئة ومنتهية الصلاحية، ولكنني خفت من اكتشاف أمري وتسليمي للشرطة، لذا فضلت أن أمسح السيارات بقطعة قماش ناشفة".
وعن معاملة أصحاب السيارات قال:"الناس متفاوتون بالتعامل، منهم من يفهم أنني محتاج ويعطيني دون أن أطلب، وهؤلاء قلة جدا، موضحا أن الأمر يزداد صعوبة في الأيام الأخيرة بسبب أزمة الرواتب.
ولفت يوسف إلى أن من يراه أكثر من مرة، يمتنع عن إعطائه بعد المرة الأولى.
وأضاف وكأن عاصفة رملية ضربت وجهه:"من الناس من يرفض إعطائي تحت ذريعة أنني أتسول، ومنهم يشتم ويسب ويغلق الزجاج ويتهمني بأنني أجرح سيارته بقماشة متسخة، وكل هذا تعودت عليه، وأتحمله ولكن لا أتحمل ضرب والدتي إذا عدت إلى البيت فارغ الجيوب، واليدين".
أما عن المدرسة والتعليم فقال: "حاولت أن أوفق بين مدرستي والعمل، فكنت العام الماضي أنهي المدرسة صباحا، وأقف تحت إشارات المرور من الظهر حتى العشاء، ولكن من شدة التعب، لا أنهي واجباتي المدرسية ولا أشارك التلاميذ والمدرس، فيقوم الأخير بضربي وتعنيفي على إهمالي الواجبات المدرسية، وهكذا تفعل والدتي إذا لم أعمل وأحضر بعض النقود في المساء".
بينما يوسف يدوّر في حدقات عيونه، ملتفتا يسارا ويمينا، يطلب من "العين الإخبارية" إنهاء المقابلة معه، التي رفض بشدة أن تكون مسجلة أو مرئية، واعترف بأن خاله الكبير يراقبه بتعليمات من والدته بين فترة وأخرى، وإذا لم يجده تحت إشارة المرور يبلغ عنه، ويكون له (علقة) حين عودته إلى البيت، هذه القسوة التي تعامله والدته بها، ناتجة عن علاقة غير سوية بين والده الذي طلق أمه قبل سنتين، وتزوج بأخرى، وتركها مع ستة أطفال، يوسف أكبرهم سنا.
وأوضح يوسف أن صرف المساعدات للعائلات الفقيرة في الفترة الأخيرة أصبح غير منتظم؛ ما زاد الضغط عليه، فقرر ترك المدرسة ليريح جسده من عصي المدرس، ويكتفي بتعنيف الأم له.
مشهد الأطفال العاملين كما يفعل يوسف يتكرر في جميع محافظات قطاع غزة دون أن تقوم الجهات الرسمية بأي محاولات أو جهود للحد منها أو القضاء عليها .
فيبقى الأطفال ضحايا للفقر والعنف والتسول والتعرض لانتهاكات قد لا تحمد عقباها في شوارع غزة وظلام ليلها الطويل.
ويقول الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء إن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بلغت 2,115,370 طفلا في الأراضي الفلسطينية (حسب النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017)؛ منهم 1,083,720 ذكرا؛ و1,031,650 أنثى.
ووفقا للإحصائية ذاتها، تشكل نسبة الأطفال في فلسطين 45.3% من السكان، بواقع48.0% في قطاع غزة.
وهناك نحو 3.4% نسبة الأطفال العاملين سواء بأجر أو بدون أجر في فلسطين من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية (10-17) سنة خلال 2017؛ بواقع 1.7% في قطاع غزة (6.6% أطفال ذكور مقارنة بـ0.1% من الأطفال إناث).
كما بلغت نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس، ويعملون 1.2% في فلسطين، منهم 0.7% في قطاع غزة، وعلى مستوى (الجنس)، بلغت النسبة 2.4% للذكور، مقابل 0.1% للإناث، خلال عام 2017.
وحذرت منظمة يونيسف في تقرير صادر عنها مؤخرا من تردي أوضاع الأطفال في قطاع غزة.
وأعربت عن استنكارها الشديد من استهداف الأطفال في المسيرات السلمية وقتل 4 منهم، في الآونة الأخيرة، بينما سلطت الضوء على رداءة البيئة التعليمية وسلبيتها، الناتجة عن اكتظاظ أعداد الأطفال في الفصل الدراسي الواحد وتجاوز العدد الطبيعي الضعفين وأكثر.
وأكدت المنظمة أن مكان الطفل يجب أن يكون في البيت والمدرسة والملاعب ودور التطوير والتوعية، وليس أماكن العمل والعنف.