منذ مجيء بايدن وكثيرون توقعوا أن تكون ولايته الأولى هي ذروة صراع بين أمريكا والصين.
لم يتوانَ الرجل لحظة عن ذكر الصين وتمرير رسائل قاسية ومتوعدة أحيانا.
واضح أيضا أن الصين أدركت جدية "تصريحات بايدن" وبدأت تتعامل على هذا الأساس، لذا شاهدنا تحركات صينية في كثير من الملفات التي تتداخل مع أمريكا، خصوصاً ما يهمنا هنا وهو الشرق الأوسط .
خلال الأسبوع المنقضي تابعنا تحركات لوزير الخارجية الصيني في المنطقة، تحمل الكثير من الدلالات السياسية التي تصب في إدارة الصراع بين العملاقين الكبيرين.
التحرك بدأ من السعودية وانتهى في إيران، وما بين الاثنين كثير من الدلالات السياسية التي يمكن لنا رصدها .
أولاً: نحن أمام عقل سياسي صيني مدرك تماماً لحساسيات الوضع في الشرق الأوسط، فالصراع الإقليمي في المنطقة يتركز على محورين؛ الأول العالم العربي المعتدل وفي قلبه دول الخليج والثاني هو إيران .
ثانياً: العقل السياسي الصيني مدرك أيضاً لمقاييس القوى في الشرق الأوسط، بالتالي بدأ تحركه من الأقوى، من السعودية ومؤسسة مجلس التعاون الخليجي لإزالة أي التباسات يمكن أن تحدث بعد زيارته لإيران .
في المحطة الأولى التي التقى فيها الأمير محمد بن سلمان، وأمين عام مؤسسة مجلس التعاون الخليجي، طرح مبادرة صينية من خمس نقاط عنوانها "أمن واستقرار الشرق الأوسط"، أهم هذه النقاط وجود شرق أوسط بلا أسلحة نووية، وتلك نقطة تعكس الوعي الصيني بالقلق الخليجي والعربي تجاه تطوير إيران لبرنامجها النووي عسكريا.
بالإضافة إلى تأييد المبادرة الخليجية للحل في اليمن وهي تصب في رؤية تؤسس لعدم انحياز صيني، إذا تم الدخول في شراكات صينية إيرانية بعيدة المدى .
المحطة الثانية لوزير الخارجية الصيني كانت في إيران.
في طهران وبحضور وزير الخارجية الصيني، تم الإعلان عن ملامح خارطة الطريق للاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين، والتي تمتد لخمسة وعشرين عاماً والتي خلقت غضبا شعبياً في الداخل الإيراني قبل أن تخلق غضبا وقلقا أمريكيا .
الإيرانيون رأوا في الاتفاقية رضوخا وخنوعا واستسلاما يذكرهم باتفاقات مشابهة في التاريخ الإيراني القديم، حيث تشمل الاتفاقية نشر قوات أمنية صينية داخل إيران وهذا إخلال بمبدأ السيادة، وتخفيضات في بيع النفط والغاز كبيرة جداً، والسماح للصين بالسداد بعد عامين .
لكن مجتبى ذو النور، رئيس اللجنة البرلمانية في إيران، أعلن أنها مجرد خطوط عريضة لاتفاقية لم توقع بعد وسيتم مساءلتها أمام البرلمان، لكنه في سياق حديثه كشف عن نقطة مهمة وهي التفكير الإيراني لإدارة أزمة العقوبات .
فقد تحدث الرجل عن أن خطة إيران هي الدخول في اتفاقات طويلة الأمد مع الدول الكبرى، أولها الصين ثم بعد ذلك الروس، والشراكتان تصبان في إطار صراعات الضد مع أمريكا.
على جانب آخر، يرى الساسة الإيرانيون أنهم رابحون في الجزء المتعلق بالاتفاقية الصينية، خصوصاً الرقم المرصود للاستثمار وهو 400 مليار دولار منها 280 مليار دولار في مجال النفط والغاز و120 ملياراً في مجالات أخرى، خصوصا النقل .
أضف إلى ذلك إذا أخذنا في الاعتبار كم النفط المكدس لديهم على مدار ما يزيد على العام ونصف العام، منذ أن ضربهم ترامب بالعقوبات التي عملت على شل قطاع النفط لديهم، كم النفط المكدس لدى إيران يجعلهم في خسارة كبيرة ولديهم القدرة على بيعه بنصف الثمن على أن يظل مكدساً.
الشيء الذي يهمنا نحن في منطقتنا العربية والخليجية أنه إذا تم فعلا توقيع الاتفاقية بين الصين وإيران سيسمح ذلك للصينيين بالوجود في المنطقة، وبالتالي شئنا أم أبينا سنكون جزءاً من صراع أمريكي صيني في المنطقة.
هذا الصراع سيكون محكوماً بفن إدارته، فتنوع الانفتاح على أكثر من قوة حاكمة يجعلنا متحررين ولدينا أوراق ضغط نمارسها على مانريد.
تماماً مثل قاعدة تنوع شراء الأسلحة باعتبارها جزءاً من الأمن القومي للدول، لأن تحكم دولة واحدة في التزويد بالسلاح يعني أنها بيدها قرار بقائك.
انفتاح الشرق الأوسط والمنطقة على الصين وعلى روسيا وعلى أمريكا يعني تنوع القدرة على المراوغة، مع الاحتفاظ بأمريكا باعتبارها الشريك الاستراتيجي، مع امتلاك عنصر الضغط إذا جاء لأمريكا رئيس مثل أوباما أو بايدن يمكن أن يسبب خسارة للمنطقة عبر سياسات غير مدروسة .
الأكيد الآن أن الصين لن تكتفي فقط باعتبارها قوة اقتصادية، بل ستدخل مجال الضغط السياسي ومن بوابة الشرق الأوسط.
وعلينا أن ننتظر، ونستعد لجميع السيناريوهات والإيمان بالمبدأ السياسي أنه ليست هناك شراكات دائمة بل هناك مصالح دائمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة