تفيد متابعة العديد من التطورات التي شهدتها الصين في الشهور الأخيرة ولاسيما خلال شهر نوفمبر الماضي، إلى تحقيق توسع كبير في الاقتصاد.
تمثل في نهضة كبيرة في مستوى الصادرات والفائض التجاري، وكذا زيادة كبيرة في الاستثمار وفي الإنتاج الصناعي مقارنة بالعام الماضي. ويمتد التفاؤل بناء على بعض المؤشرات إلى العام المقبل حيث تتوقع الكثير من المؤسسات العالمية تحقيق الصين لمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة تزيد عما تحقق خلال السنوات الأخيرة، كما ترى هذه المؤسسات أن الصين سوف تكون مسؤولة عن نحو ثلث النمو الاقتصادي العالمي في العام الجديد.
ارتفاع الصادرات والفائض التجاري
قفزت الصادرات الصينية في شهر نوفمبر إلى أعلى معدل لها منذ بداية عام 2018، وهو ما دفع فائضها التجاري الشهري إلى معدل قياسي، وهو ما يشدد على كيفية أداء الطلب العالمي على السلع المرتبطة بالوباء إلى تدعيم عودة قوية للنمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقد شحنت الشركات الصينية بضائع بلغت قيمتها 268 مليار دولار في شهر نوفمبر، وهي القيمة الأعلى في أي شهر منفرد، وهو ما يزيد أيضا بمقدار 21% عن قيمة البضائع التي تم شحنها خلال نفس الشهر من العام الماضي. وقد ارتفعت الواردات الصينية أيضا بمقدار 4.5% ليتم تسجيل فائض تجاري في شهر نوفمبر يبلغ 75.4 مليار دولار، وهو أعلى فائض شهري مسجل على الإطلاق منذ تم تسجيل مثل هذه البيانات في عام 1990.
وكما يرى بعض الاقتصاديين فإن القفزة في الصادرات هي أضخم مفاجأة اقتصادية هذا العام بالنسبة لتوقعات الأداء الاقتصادي الصيني، حيث استفادت البلاد من الاحتواء الفعال لفيروس كورونا ومن الطلب القوي بسبب أعياد الكريسماس.
وكان الطلب العالمي قد بدأ في التعافي قبل عودة تسجيل زيادة في الإصابات بفيروس كورونا في بعض الأسواق الخارجية الكبرى للصين، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، وهو تطور قد يؤدي إلى المزيد من تغذية الطلب على السلع الصينية التي تشمل أدوات الحماية والأجهزة التي تمكن من العمل من المنزل. فقد ارتفعت الصادرات من المعدات الطبية خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر بمقدار 42.5% مقومة بالدولار مقارنة بالعام السابق، بينما كانت الصادرات من السلع الإلكترونية في شهر نوفمبر تزيد بمقدار 25% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. فالطلب على السلع المرتبطة بالوباء، وكذا الطلبات على السلع الإلكترونية لم تتأثر بإجراءات التباعد الاجتماعي التي تم فرضها حديثا، حيث أثرت هذه الإجراءات على قطاع الخدمات وليس تجارة السلع.
ويمكن لاتساع الفائض التجاري أن يؤدي لضغوط تصاعدية على سعر صرف العملة الصينية اليوان، التي تم بالفعل ارتفاع سعر صرفها بأكثر من 6% مقابل الدولار هذا العام، وهي واحدة من أفضل العملات أداء في آسيا. وكان يتم في السابق مهاجمة الصين بواسطة الولايات المتحدة وأوروبا بسبب التدخل لإضعاف سعر صرف العملة للعمل على زيادة الصادرات. ولهذا ولعدم خلق مشكلات تركت السلطات العملة ترتفع قيمتها مع تحقيقها لفائض تجاري كبير في الوقت ذاته.
ونتيجة لتغير أنماط التجارة بسبب الوباء، وصل الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى رقم قياسي شهري جديد حيث بلغ 37.4 مليار دولار في شهر نوفمبر. هذا بالرغم من تعهد الصين بزيادة وارداتها من الولايات المتحدة هذا العام كجزء من اتفاق المرحلة 1 التجاري الذي يهدف إلى إنهاء المنازعات التجارية مع واشنطن.
نتائج جيدة 2021
وتبين مؤشرات رئيسية للتجارة مثل تكاليف الشحن وأوامر التصدير والتي تتضمنها مسح مديري المشتريات الصينين بقاءها قوية، وهو ما يشير إلى استمرار قوة أداء الصادرات حتى العام المقبل. بينما يشير عدد من الاقتصاديين إلى ضرورة الحذر، لأن أداء الصادرات يمكن أن يتباطأ خلال العام المقبل فيما لو أدى استخدام اللقاحات إلى السماح للمصانع بالعودة إلى طاقتها الإنتاجية الكاملة في العديد من أرجاء العالم.
في الوقت ذاته ارتفعت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي بأكثر من المتوقع في شهر نوفمبر الماضي لتسجل أعلى مستوى في أكثر من 4 سنوات. فقد أظهرت بيانات البنك المركزي أن احتياطيات النقد الأجنبي ارتفعت بمقدار 50.51 مليار دولار في شهر نوفمبر لتصل إلى 3.178 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس عام 2016.
وشهدت الصين تقدما أكثر من غيرها من الاقتصادات الرئيسية في نوفمبر مع ارتفاع الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، وهو ما عمل على تعزيز التوقعات بتحقيق نمو جيد في عام 2021.
فقد ارتفع الإنتاج الصناعي بمقدار 7% في نوفمبر مقارنة بنوفمبر من العام الماضي، بينما توسعت مبيعات التجزئة بمقدار 5% خلال نفس الفترة. وشهد الاستثمار في رأس المال الثابت نموا بنسبة 2.6% في الأحد عشر شهرا الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.
وتوقع بعض الاقتصاديين في استطلاع أجرته "بلومبرج" أن يحقق معدل النمو الاقتصادي 5.9% خلال ربع العام الحالي، ليبلغ معدل النمو 2% خلال عام 2020 ككل! وهو معدل النمو الإيجابي الوحيد بين الاقتصادات الرئيسية في العالم.
وتكاد تتفق العديد من المؤسسات المصرفية والمالية والبحثية على أن الاقتصاد الصيني سيحقق معدلات نمو تتجاوز 8% خلال العام المقبل، وهو ما يعني تحقيق أعلى معدل نمو منذ عدة سنوات، وتتراوح التوقعات في غالبيتها بين 8.1% و8.8%.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة