على مدى سبعة أسابيع متوالية حققت أسعار النفط ارتفاعات ملحوظة، حيث بلغت نسبة الارتفاع منذ أواخر أكتوبر وحتى يوم الجمعة الماضي نحو 33%.
وبلغ سعر برميل النفط من نوع برنت أكثر من 52 دولارا. ثم هبطت أسعار الإغلاق يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين بما يقرب من 5%. وتسيطر على السوق منذ فترة عوامل المضاربة، بحيث نتحرك في ظل توقعات مختلفة بشأن العرض والطلب مستقبلا، وليس بناء على أي تغيير فعلي كبير في العوامل الأساسية من عرض وطلب ومخزون.
وبشكل عام فإن هناك عوامل إيجابية تحفز على توقع زيادة الطلب على النفط ومن ثم المضاربة على زيادة الأسعار، وعوامل أخرى سلبية تحفز على العكس.
عوامل إيجابية تدعم الأسعار
كانت موجة الارتفاع في الأسعار قد بدأت نتيجة لعوامل إيجابية تتمثل في اكتشاف لقاحات لفيروس كورونا، وسادت موجة من التفاؤل بأننا سنتخلص من كافة الآثار المزعجة صحيا واقتصاديا للفيروس، ليتم التخلص من إغلاقات الأنشطة الاقتصادية والحد من حرية حركة المواطنين ليعود الطلب على النفط للارتفاع مرة أخرى. وقد تعزز هذا الاتجاه بالفعل مع بدء تداول اللقاح في بلدان كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، واستعداد دول الاتحاد الأوروبي لذلك في بداية العام المقبل.
أيضا من بين العوامل الإيجابية التي يمكن أن تؤثر على أسواق النفط لاسيما في العام المقبل الاتفاق على خطط للتحفيز الاقتصادي في كبرى بلدان العالم للتعافي من آثار فيروس كورونا، مما يدفع أيضا نحو توقع زيادة النشاط ومن ثم زيادة الطلب على النفط. وفي هذا المقام نجد أنه تم مؤخرا خلال قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت يومي 10 و11 ديسمبر الحالي الاتفاق على ما يسمى بصندوق التعافي الأوروبي. وتبلغ قيمة الصندوق 750 مليار يورو (نحو 900 مليار دولار)، سيتم توزيع 390 مليار يورو منها في شكل منح و360 مليار في شكل قروض. ومن المقدر أن تستفيد بلدان جنوب أوروبا كإيطاليا وإسبانيا واليونان أكثر من غيرها نتيجة لأنها كانت الأكثر تضررا من الجائحة.
ورفعت الحكومة اليابانية توقعاتها للنمو الاقتصادي للعام المالي المقبل بفضل حزمة التحفيز الأخيرة التي تهدف إلى تسريع الانتعاش بعد الأضرار التي أحدثتها الجائحة. وأظهر أحدث تقدير صادر عن مكتب مجلس الوزراء يوم الجمعة قبل الماضي أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4٪ بالقيمة الحقيقية المعدلة للأسعار في السنة المالية المقبلة التي تبدأ في أبريل 2021. تعد هذه التوقعات أعلى من توقعات يوليو البالغة 3.4٪.
وفي الولايات المتحدة أقر الكونجرس، حزمة إغاثة مرتبطة بفيروس كورونا بقيمة 892 مليار دولار، وينص المشروع على دفع 600 دولار مباشرة لمعظم الأمريكيين وأطفالهم؛ ويستبعد من يزيد دخلهم على 100 ألف دولار وكذلك المهاجرين غير الشرعيين.
وسيتلقى العاطلون عن العمل 300 دولار إضافية أسبوعيا حتى شهر مارس المقبل. كما سيتم تمديد برامج التأمين ضد البطالة للعاطلين عن العمل. وهناك 284 مليار دولار لبرنامج "حماية الراتب" الذي يوفر قروضا غير مستردة للشركات الصغيرة.
وتشمل الحزمة أموالا لدعم قطاع النقل، تتضمن 15 مليار دولار لشركات الطيران، إضافة إلى أموال لتوزيع اللقاحات، والمدارس، والجامعات، والمزارعين، والمساعدات الغذائية.
يضاف إلى جانب العوامل الإيجابية أيضا توقع ارتفاع النشاط الاقتصادي في العالم خلال العام المقبل مقارنة بالنتائج السلبية التي تحققت خلال عام 2020. فيتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل العالم في العام الحالي معدل نمو سالب يبلغ 4.4% ثم يحقق معدلا موجبا خلال العام المقبل يبلغ 5.2%،
ويتوقع الصندوق تحقيق الاقتصادات المتقدمة نموا سالبا بنسبة 5.8% عام 2020، بينما تحقق معدل نمو إيجابي يبلغ 3.9% عام 2021، وبين هذه الاقتصادات يتوقع أن يحقق الاقتصاد الأمريكي نموا سالبا بنسبة 4.3 % عام 2020، قبل أن ينمو بنسبة 3.1% عام 2021.
وفي منطقة اليورو سيكون الحال أكثر مأساوية حيث من المتوقع تسجيل معدل نمو سلبي يبلغ 8.3 % عام 2020، ثم يرتفع إلى 5.2 % عام 2021. ومن المتوقع أن تشهد الاقتصادات الآسيوية المتقدمة تباطؤًا أكثر اعتدالًا إلى حد ما من اقتصادات أوروبا، نتيجة احتواء الوباء بشكل أسرع، ويستدل على ذلك من الانخفاضات الأقل في الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2020.
وفي الدول النامية يتوقع صندوق النقد الدولي تسجيل معدل نمو سالب يبلغ 3.3% عام 2020، ثم يرتفع عام 2021 ليصل الى 6%.
واللافت للنظر أن معدلات النمو من المتوقع أن تكون أكثر ارتفاعا خلال العام المقبل في بعض الدول الأكثر استهلاكا للنفط. فمن المتوقع أن تحقق الصين (ثاني أكبر مستهلك عالمي للنفط) معدل نمو اقتصادي يتجاوز 8%، كما ستحقق الهند (ثالث أكبر مستهلك عالمي للنفط) معدلا مماثلا للنمو.
بناء إذا على هذه التوقعات الإيجابية ارتفعت أسعار النفط خلال شهري نوفمبر وديسمبر إلى أن انخفضت مؤخرا. ومن المتوقع أنه في حالة نجاح السيطرة على كوفيد 19 وتحقيق معدلات النمو المرتفعة المتوقعة أن تميل أسعار النفط للارتفاع، خاصة خلال النصف الثاني من العام المقبل حينما تتوازن نسبيا عوامل العرض والطلب في السوق.
وتوقعات سلبية
انخفضت أسعار النفط وسط مخاوف من أن تحور فيروس كوفيد 19 الذي حدث في المملكة المتحدة يمكن أن يسرع انتقال الفيروس، ويؤدي إلى مزيد من الإغلاق. وطالبت الحكومة البريطانية أكثر من 16 مليون مواطن البقاء في منازلهم مع دخول الإغلاق الكامل حيز التنفيذ في لندن، وجنوب شرق إنجلترا، ومع تقييد بعض الدول الأوروبية السفر من وإلى المملكة المتحدة. وعموما يتفق الكثير من المراقبين على أن الطلب على الوقود لأغراض النقل الجوي سيظل منخفضا بشكل ملحوظ إلى أن يتم التعافي من أثر الجائحة عالميا، هذا على العكس من الطلب للأغراض الأخرى الذي ينشط مع حدوث تحفيز وتعاف اقتصادي عالمي.
إلى جانب ما سبق هناك طبعا ما يتعلق بجانب عرض النفط في السوق العالمي. فقد كانت مجموعة أوبك+ قد اتفقت على زيادة الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يوميا بدءا من شهر يناير المقبل، وهو الأمر الذي لم يختبر أثره بدقة حتى الآن. ومع محاولة أوبك+ إضفاء مرونة أكبر على قراراتها فقد تم الاتفاق على أن يعقد اجتماع شهري للدول الأطراف، ويتردد الآن أنه في الاجتماع القادم والذي سيحل موعده في الرابع من يناير ستقترح روسيا زيادة الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يوميا أخرى في شهر فبراير.
ليس من السهل إذا في ضوء هذه التوقعات المتضاربة الوصول إلى يقين بشأن اتجاه أسعار النفط خلال العام المقبل. والأمر معلق في نهاية المطاف بالعوامل التي تغذي المضاربة من ناحية، وعلى التغيرات الحقيقية في العرض والطلب والمخزون من ناحية ثانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة