على الرغم من أن الصين لم تصرح عن استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط إلا أنها تولي أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع الدول ذات الثقل بالمنطقة
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، وفي ظل الانهيار الحاصل في الأحادية القطبية لم يعد البعد العسكري معيار القوة، بل أصبح البعد الاقتصادي هو المعاير الذي يحكم، وهو ما أحدث تغييراً في عالم القطب الأوحد التي تكون فيه الولايات المتحدة هي القطب المهيمن إلى عالم التعددية القطبية، ونتج عنه بالتالي الكثير من التحولات في الأهمية من الغرب إلى الشرق.
لقد أدى تناسب والتقاء فكري في المجال الاقتصادي بين الدول الناهضة في الاقتصاد -أي الصين- والدول ذات الرؤى الاقتصادية الطموحة -أي السعودية والإمارات- إلى التقارب الكبير ما بين هذه الدول، لا سيما في السنوات الأخيرة
ومن هنا أصبحت منطقة الشرق الأوسط تحتل أهمية بالنسبة للدول الصاعدة اقتصادياً في منطقة شرق آسيا بحكم موقعها وأهميتها بالنسبة للقوى الاقتصادية الصاعدة، والتي تسعى إلى توسيع وجودها في أسواق منطقة الشرق الأوسط، التي تعد قلب العالم بالنسبة للاقتصاد العالمي بمواردها خاصة النفطية. وأيضاً في ظل ما تشكله من أهمية بحكم موقعها الاستراتيجي، حيث تعتبر حلقة الوصل بين دول وقارات العالم، ومن ثم لم تعد منطقة الشرق الأوسط في النظرة الصينية كما كانت إبان الحرب الباردة "ذات أهمية ثانوية"، بل أصبحت تنظر لها كعنصر مهم بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية، ووجهة مهمة في مستقبلها.
ومما زاد من أهمية المنطقة بالنسبة للصين، هي أنها أصبحت تلائم مبادرة الصين العالمية "مبادرة الحزام والطريق"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بيغ عام 2013، والتي تهدف إلى ربط الصين بالعالم، ولذلك كان من المهم بالنسبة للصين أن تسعى من أجل تحقيق الدعم من دول المنطقة لها، لا سيما أنها تقع في قلب المبادرة الصينية، وأنها تشكل حلقة الوصل ما بين العالم الشرقي والغربي.
يأتي حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل فترة في مؤتمر الاستثمار في الرياض عما تشهده هذه المنطقة من تطور ونمو اقتصادي، وما قد تحققه من نمو خلال الخمس سنوات المقبلة، ورفع سقف الطموح لأنْ تكون "منطقة الشرق الأوسط أوروبا جديدة"، ليرفع من مستوى الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط، خاصة لدى الدول الصاعدة اقتصادياً مثل "الهند والصين"، التي تولي أهمية وحرصاً شديداً على الاستثمار وبناء التحالفات الاقتصادية، وتعزيز العلاقات مع دول المنطقة.
على الرغم من أن الصين لا تمتلك استراتيجية أو ربما لم تصرح عن استراتيجيتها تجاه منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه عندما نشاهد التحرك الصيني في منطقة الشرق الأوسط نجد أنها تولي أهمية كبيرة تجاه تطوير وتعزيز علاقاتها مع الدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي في المنطقة، وللقوتين الاقتصاديتين الصاعدتين وهما السعودية والإمارات، التي تشكل نسبة تعاملها مع الصين نحو 46% من إجمالي الناتج العربي، حيث تشهد العلاقات السعودية نمواً متسارعاً؛ إذ سجلت التجارة البينية السعودية-الصينية قفزة كبيرة خلال عام 2018، وارتفعت بنسبة 32% بما يعادل 56 مليار ريال، لتبلغ نحو 230.3 مليار ريال مقابل 174.3. مليار ريال في 2017، لتكون الصين بذلك أهم شريك تجاري للمملكة خلال 2018.
كما تشهد العلاقات الإماراتية-الصينية، منذ أن تأسست دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 1971، قفزات هائلة وتطوراً مستمراً؛ حيث تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول غير النفطي للصين، ففي عام 2017 أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للإمارات؛ حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري غير النفطي بينهما أكثر من 53.3 مليار دولار، بنمو وصل إلى 15% مقارنة مع 2016، وبجانب التطور الاقتصادي الذي تشهد علاقات الصين مع "السعودية والإمارات" نجد أن المواقف السياسية تشهد الكثير من التوافقات، فعلى الرغم من التعويل الإيراني على الصين في مواجهة العقوبات الأمريكية نجد أن الخطوة التي اتخذتها الصين "بالتوقف عن استيراد النفط الإيراني" يأتي ليؤكد ملامح استراتيجية صينية تجاه منطقة الشرق الأوسط، كما يأتي لإرسال رسالة مفادها بأن "بكين" تعول على علاقتها مع دول محور الاعتدال والدول الداعمة لتحقيق الاستقرار، وهي بالتالي خطوة تترجم على نظرة صينية متوافقة مع "المواقف السياسية السعودية والإماراتية"، وعلى ضرورة أن يكون هناك تغيير في السياسيات الإيرانية.
لم تكن منطقة الشرق الأوسط فقط هي من تحظى بأهمية لدى الدول الصاعدة، ففي إطار الأهمية المتبادلة، وفي ظل الصعود الآسيوي الذي أحدث تحولاً في ميزان القوى الاقتصادية العالمية نجد أن الدول ذات الرؤى الاقتصادية الطموحة خاصة السعودية والإمارات، والتي حرصت على تعزيز وتطوير علاقاتها "بدول شرق آسيا" تنظر بأهمية شديدة أيضاً إلى منطقة شرق آسيا، والتي تعد هذه المنطقة هي المستقبل بالنسبة للاقتصاد العالمي، في ظل ما تشهده القارة الآسيوية من نمو اقتصادي متصاعد وبروز قوى صاعدة اقتصاديا، مثل الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، والهند التي تحتل المرتبة السادسة كأكبر اقتصاد عالمي متخطية فرنسا.
لقد أدى تناسب والتقاء الفكري في المجال الاقتصادي بين الدول الناهضة في الاقتصاد -أي الصين- والدول ذات الرؤى الاقتصادية الطموحة -أي السعودية والإمارات- إلى التقارب الكبير ما بين هذه الدول لا سيما في السنوات الأخيرة، وربما تكون هناك دعوة من قبل الصين في المستقبل إلى تسريع توقيع الاتفاقيات الهادفة إلى الدمج بين المبادرة الصينية "طريق الحرير الجديد " و"رؤية السعودية 2030"، وأيضا مع دولة الإمارات التي تعد أول دولة في مبادرة "مبادرة الحزام والطريق" في المنطقة وثالث أكبر مركز لإعادة التصدير في العالم حالياً، ولا يجب أن نغفل هنا أن هناك نحو 60% من الصادرات الصينية تمر من خلال الإمارات نحو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بالنظر إلى الأرقام والحقائق فلا بد من التأكيد على أن الإمارات تشكل حليفاً استراتيجياً وشريكاً اقتصادياً شديد الأهمية بالنسبة للصين، بقدر الأهمية نفسها الذي تشكله الصين بالنسبة لدولة الإمارات، ولا شك أنه سيكون هناك المزيد من التعاون المشترك، لا سيما في ظل وجود القواسم المشتركة ما بين الصين -الدولة الرائدة في الاقتصاد- وما بين السعودية والإمارات؛ الدول ذات الرؤية الاقتصادية الطموحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة