التأثير القطري امتد ليصل إلى فرنسا باستعمالها تقنيات للاستحواذ على نسبة من وسائل الإعلام بالسيطرة على عناصر العملية الإعلامية
لقد كشف مؤخراً الفيلم الوثائقي "الدّية"، الذي أعدّه مايك سيرنوفيتش، المناورات الدعائية القطرية الهادفة للتأثير على الرأي العام الغربي من خلال الدفع السخي لشبكة واسعة من الصحفيين وجماعات الضغط ومجموعات النشطاء، والجامعات وضخ الأموال في وسائل ومراكز التفكير البحثية.
لم يتوقف التأثير السلبي القطري في الولايات المتحدة فقط، بل امتد حتى فرنسا؛ حيث استعملت قطر تقنيات مشابهة للتي تم استخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الاستحواذ على الجزء الأكبر من وسائل الإعلام والعقارات والصناعة، خاصة عن طريق صندوقها السيادي للاستثمار خلال حقبتي ساركوزي وهولاند
كل يوم يزداد عدد المعلقين في المحطات التلفزيونية الأمريكية الممولين من قطر دون أن يُفصحوا عن ولائهم للدوحة. وقد أدى ذلك -إلى جانب وجود المدسوسين في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام- إلى خلق مناخ من "الخوف" أسهم في ثني الصحفيين الأمريكيين عن التحقيق في أنشطة الدوحة، بسبب خشيتهم من وجود بعض مصادرهم ضمن قائمة الرواتب التي تدفعها قطر.
وفي شريط سيرنوفيتش الوثائقي يُفهم أن قطر موّلت مراكز بحثية تابعة لمعهد بروكينغز "على الأقل بـ24 مليون دولار" مقابل تأييد خبرائه لأجندتها، أما بالنسبة لوسائل الإعلام الأمريكية ذات التأثير القطري فيشير الوثائقي تورط كل من سي أن أن، واشنطن بوست، نيويورك تايمز وأم سي أن بي سي.
وقد لجأت قطر إلى وسائل قانونية لتفادي المساءلة القانونية الأمريكية حول أوجه صرف أموالها، كما رفعت مؤسسة قطر دعوى قضائية ضد مكتب المدّعي العام بتكساس من أجل تفادي إجبار ولاية تكساس لجامعة أي آند أم الكشف عن تفاصيل العقد الذي أبرمته مع قطر، معتبرة إياه "سراً تجارياً".
ولم يتوقف التأثير السلبي القطري في الولايات المتحدة فقط، بل امتد حتى فرنسا، حيث استعملت قطر تقنيات مشابهة للتي تم استخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الاستحواذ على الجزء الأكبر من وسائل الإعلام والعقارات والصناعة، خاصة عن طريق صندوقها السيادي للاستثمار خلال حقبتي ساركوزي وهولاند.
وبدأت قطر تأثيرها بشراء حصة بنسبة 13 في المئة من مجموعة لاغاردر، بِنيّة الوصول إلى نسبة 20 في المئة من أسهم الشركة، وأسهم أرناود لاغاردر -الرجل المؤثر في الصحافة الفرنسية وصديق أمير قطر- في تمهيد الطريق أمام الدوحة في فرنسا، وتم الكشف عن ذلك عندما كانت الدول العربية وترامب يعارضون السياسية القطرية لدعم الإرهاب، بينما أقنع الإعلام الفرنسي، بمهارة، جمهوره بطيبة قطر من خلال 17 محطة تلفزيونية، إضافة للصحافة المكتوبة.
وبالطبع كان لا بد من وجود بعض الحالات التي عجزت فيها قطر عن السيطرة على إرادة وسائل الإعلام الفرنسية، فلجأت لاستخدام هيئة السياحة القطرية التي عرضت عقوداً إعلانية مجزية مقابل تسويق قطر على أنها وجهة سياحية عالمية فريدة من نوعها.
أما في إسبانيا، فقد اشترت قطر سنة 2015 حصة 8 في المئة من أسهم المجموعة الإعلامية الإسبانية "بريسا" بمبلغ 64 مليون يورو. وكانت الصفقة عن طريق شركة "لوكسمبورغ انترناشيونال ميديا غروب سارل" التي تتبع لمجموعة "انترناشيونال ميديا غرب إل تي دي سيشوالز".
وأنقذت قطر مجموعة "بريسا" من انهيار كبير لحق بأسهمها في البورصة بسبب الشكوك حول عدم قدرتها على تحمّل أعباء ديون الشركة، وبطبيعة الحال لم تتدخل قطر للتصرف من باب المساعدة، بل استغلت الفرصة للتأثير ليس فقط في إسبانيا بل في كل من فرنسا والبرتغال وأمريكا، على اعتبار أن المجموعة لديها مصالح وتأثير في تلك الدول.
إن كاتب هذا المقال -أي أنا- إسباني وأستطيع الجزم أنه بالكاد تصل معلومات حول قطر باللغة الإسبانية أو حول مناوراتها في أفريقيا أو دعمها للإخوان المسلمين أو تدخلها في شؤون معظم الدول الأفريقية عن طريق المعارضة من أجل تحقيق أهدافها. وللوصول إلى مثل تلك المعلومات، في الغالب، يتم اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل إعلام ناطقة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو العربية. فهل ذلك يعني أن الإسبان لا يعنيهم هذا النوع من الأخبار؟ بالطبع تعنيهم! لكن القارئ يدرك جيداً أن ما لا ينشر هو غير موجود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة